الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الإثنين 22 سبتمبر 2025 - 30 ربيع الأول 1447هـ

أثر العربية في نهضة الأمة (8)

كتبه/ ساري مراجع الصنقري

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فسؤال أنفسنا: كيف نحن الآن؟ وماذا نريد أن نكون؟ لا بدَّ أن يتلوه سؤالُها أيضًا: مِن أين نبدأ؟ وكيف نبدأ؟

فيرى بعضُ أهل الاختصاص أنّ بدايتنا ينبغي أن تكون من المرحلة الابتدائية؛ ومنهم الأستاذ الدكتور عبده الراجحي -رحمه الله-، الذي كان يرى أنّه لا تنمية، ولا تقدم، ولا تحقيق لِلذّات دون تعليمٍ صحيح، وأنّه لا تعليم صحيح في بلادنا دون تعليمٍ حقيقيٍّ للغة العربية، وأنّ هذين المَبدأين ينطبقان على البشر جميعًا، لا يرتكنان إلى شيءٍ من العاطفة أو الانتماء القوميّ والثقافيّ، بل يستندان إلى نتائجَ ودراساتٍ علميَّةٍ تؤكد أنّ "المعرفة" لا تكون معرفةً إلا إذا "سكنت" لغة أصحابها.

قال د. عبده (1937 م - 2010 م): "مِن الأنفع أن نبدأ بالمرحلة الابتدائية كاملةً، لأسبابٍ موضوعيَّةٍ كثيرةٍ نجتزئ منها ما يلي:

?- جرى العُرفُ في الأبيات التربوية إلى تسمية هذه المرحلة "بالتعليم الأساسي" ومعها المرحلة الإعدادية أو المتوسطة، ومعنى ذلك أنّها مرحلة "التأسيس" في التعليم؛ أي: أنها المرحلة الأهمّ والأخطر في عملية التعليم بأكملها.

?- إنّ هذه المرحلة تنتهي حين يبلغ الطفلُ الثانية عشرة، وهي المرحلة التي يكاد الباحثون يتفقون أنّها "المرحلة الحرجة"؛ وهي التي يصعب إتقان اللغة إذا لَم تكن قد "سكنت" في مراكزها في المُخّ في هذه السِّنّ.

?- إنّ الطفل في هذه المرحلة ينغمس انغماسًا كبيرًا في مجالاتٍ متنوعةٍ من النشاط، ويتسع اتصاله بالعالَم مِن حوله.

وقد تجدر الإشارةُ إلى أنّ الطفل الآن يختلف في هذه المرحلة اختلافًا جوهريًّا عن نظيره منذ عشرين سنةً، لِمَا تمدّه به الحياة المعاصرة من أدوات المعرفة والاتصال التي لَم يسبق للبشرية عهدٌ بها مِن قبل، ومِن ثم فإنّ مقاربة هذا الطفل يجب أن تكون مختلفةً، وهو ما لَم نر له تحقُّقًا فعليًّا حتى الآن" (انتهى).

ولا شكّ في أنّ السعي في تنفيذ هذا الاقتراح مِن د. عبده الراجحي وغيرِه يُعِينُنا على الانتقال بالعربية مِن كهفها الأدبيّ الذي تلبث فيه منذ زمنٍ بعيدٍ إلى الواقع الفكريّ والعمليّ، ممّا يجعلُ لها الأثرَ الفعّالَ في نهضةِ الأُمّةِ وخدمةِ حضارتِها.

ولكنْ؛ هل هذه هي السِّنُّ المُناسِبةُ لسلوك المسار الصحيح أو الأفضلُ أن نرجعَ بالسِّنِّ إلى الوراءِ قليلًا؟ فهذا ما سنتناولُه في المقال القادم -إذا أراد الله-.

ونسألُ اللهَ الإعانة.