الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الخميس 28 نوفمبر 2024 - 26 جمادى الأولى 1446هـ

غزة رمز للعزة (25) في انتظار مقاطعة أكثر فاعلية

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

ففي مقابلة العدوان الإسرائيلي الوحشي السافر على سكان قطاع غزة وما صاحبه من جرائم حرب شنيعة، وأعمال إبادة جماعية واسعة ومتواصلة تم فيها قتل أعداد كبيرة من النساء والأطفال والشيوخ بدم بارد! جاءت المقاطعات الشعبية في العالم العربي والعالم الإسلامي لمنتجات شركات عالمية تتعامل مع الكيان المحتل وتمده بالدعم المادي كي يواصل اعتداءاته الوحشية على إخواننا الفلسطينيين في غزة، وهذا الدعم من هذه الشركات الأمريكية والأوروبية معروف من قبل ليس بجديد عليها؛ إلا أن مواصلته والتأكيد عليه في هذه المرحلة من العدوان الإسرائيلي يعد تأييدًا ظاهرًا ورضاءً كاملًا، ومشاركة صريحة من هذه الشركات في ارتكاب تلك المجازر والجرائم التي لا تتوقف ليل نهار في حق الفلسطينيين، ويستوجب قطعًا الوقوف ضدها وقفة جادة؛ لحملها على التراجع عن هذا الدعم وتلك المساندة السافرة للكيان المحتل. 

وهذه المقاطعة لتلك الشركات العالمية -وإن كانت أضعف الإيمان- سلاح لا يستهان به إذا استخدمته الشعوب الاستخدام الأمثل، وحافظت على متابعته واستمراره في ظل عالم صارت تحكمه أولًا وأخيرًا المصالح الاقتصادية، ويحرِّكه الحرص الدائم على تحقيق أكبر قدرٍ من الأرباح، ونيل أعلى المكاسب بشتى الوسائل.

وتعد مصر واحدة من الأسواق الكبيرة التي يتم فيها تسويق الكثير من المنتجات والسلع الغربية، للكثافة السكانية أولًا، ولإدمان كل ما هو مستورد والانبهار به ثانيًا، وهو سلوك من مخلفات فترة الاحتلال الأجنبي الذي رحلت جيوشه وبقيت هيمنته على كثير من النفوس، ولو على حساب المنتجات المصرية ولو كانت تلك المنتجات المصرية لا تقل عن الأجنبية جودة، بل ولو كانت تقل عنها سعرًا، وبالتالي ضخامة الأموال التي تنفق على تلك المنتجات والسلع. 

ولعل من حسنات تلك المقاطعة الشعبية لمنتجات وبضائع تلك الشركات العالمية الداعمة لإسرائيل وسلاسل المحلات التابعة لها أن كثيرًا من الشباب صار يقود تلك المقاطعة ويتحمس لها ويدعو إليها فعلًا وقولًا، وهو أمر يجعلنا نتفاءل ونحسن الظن بشبابنا ووعيهم، والأجمل أن نرى أطفال المدارس الصغار من أكثر الناس حماسًا ومشاركة في تلك المقاطعة على صغر أعمارهم، فمنهم من كان يحب أنواع من المأكولات أو الحلوى أو المشروبات فقاطعها، وحث غيره على مقاطعتها، وهو يشعر أنه إنما يفعل شيئًا كبيرًا، وهو بالفعل شيء كبير؛ لأنه يشكل وينمي فيهم وجدانهم وإحساسهم بآلام المظلومين من إخوانهم في غزة، ويا له من شعور.

حرب إعلامية على الشركات العالمية الداعمة لإسرائيل: 

مع تمادي العدوان الإسرائيلي وتمادي شركات عالمية بعضها شركات عملاقة في دعمها المادي للكيان الصهيوني عجَّت وسائل الاتصال الاجتماعي في العالم العربي والإسلامي بدعوات لمعاقبة تلك الشركات اقتصاديًّا، وتوالي إصدار قوائم عديدة بالأسماء والعلامات التجارية لتلك الشركات العالمية التي لها أنشطة وفروع وسلاسل محلات في العالم العربي والعالم الإسلامي وينبغي مقاطعتها. 

وقد وصلت رسالة المقاطعة تلك للعديد من تلك الشركات العالمية بأن المستهلكين في العالم العربي والإسلامي -وبدون أي قرارات رسمية من حكومات أو دول- غير راضين عن سياسة تلك الشركات وأنهم لن يشاركوا معهم في قتل إخوانهم بشراء ودعم منتجات وسلع تذهب بعض أرباحها لقتلهم.

وقد تأثرت بعض هذه الشركات العالمية إلى حدٍّ ما بتلك المقاطعة من خلال انخفاض قيمة أسهمها السوقية، أو انخفاض مبيعاتها، أو اضطرارها إلى إغلاق بعض فروعها؛ فمن ذلك: إعلان المدير المالي لشركة مأكولات سريعة - كانت قد أعلنت أنها ستقدم وجبات مجانية للجنود الإسرائيليين في قطاع غزة - أن الشركة خسرت نحو 7 مليارات دولار من قيمتها؛ بسبب تأثير المقاطعة الشعبية في المنطقة العربية والعالم الإسلامي لمبيعات الشركة منذ الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، في دلالة واضحة على مدى قدرة تلك المقاطعة الشعبية على التأثير، ولم يختلف الوضع كثيرًا في شركة مشروبات ساخنة حيث اشتكى العاملون بها من بدء اتخاذ الشركة لإجراءات من بينها خفض عدد العاملين في فروعها مع استمرار المقاطعة، والتي تسببت في خسائر تاريخية للشركة قدرت بنحو 98 و10 مليار دولار، حيث بدت محلاتها في جميع المولات خالية من الزبائن ، بالرغم من تقديم عروض وتخفيضات على مدار الأيام الماضية؛ هذا بعد أن كانت هذه الشركة الأعلى مبيعًا.

وأكد المتابعون أنه في حالة استمرار المقاطعة ستلجأ الشركة إلى غلق 30 % -على الأقل- من محلاتها وتسريح أعداد من العاملين بها في ظل تصاعد الخسائر في مصر وخارجها.

الإقبال على المنتجات المحلية البديلة:

ترتب على تلك المقاطعة وتزايدها، تزايد البحث عن البديل لها من المنتج المحلي الجيد لتوفيره ودعمه بكل قوة والترويج له، من خلال حملات للترويج للمنتج المحلي، وقد تم بالفعل تدشين صفحات كثيرة على مواقع التواصل الاجتماعي لتعريف الجمهور بكثير من المنتجات المحلية والتي قد تكون منسية، وهي من إنتاج شركات الصناعات الغذائية والمشروبات والمحلات الوطنية، والتي تقدِّم بدائل مشابهة للمنتجات والسلع الأجنبية، وذلك تحت شعار: (اشترِ المصري)، وهو أمر له -بالطبع- مردوده الإيجابي على الاقتصاد القومي، وكان -وما زال وسيظل- مطلوبًا من الأمة لتقوية اقتصادها ودعمه، وهو اتجاه يجدد التساؤل المنطقي: لماذا لم نفعل ذلك منذ سنوات طويلة؟ ولماذا لا تكون الأرباح الناشئة من التهافت على المنتجات الأجنبية والترويج لها لتسويقها في بلادنا هي من حقِّ أبنائنا العاملين فيها بإنتاجهم مثل تلك السلع وتقديم مثل هذه الخدمات؟ 

والجواب بيدنا لا بيد غيرنا؛ خاصة وأننا نعاني من اعتمادنا في أكلنا وشرابنا على البضائع والسلع والمنتجات، والمأكولات والمشروبات الأجنبية، ونستورد الكميات الكبيرة منها من الخارج؛ سواء من السلع الأساسية الضرورية أو من المنتجات الكمالية بما يؤثر بشكل بالغ على اقتصادنا القومي. 

وفي المقابل -ووفقًا للتقارير الرسمية-: فهناك آلاف من المصانع في بلادنا متوقفة عن العمل، وآلاف أخرى متعثرة، وهي أرقام مفزعة بكل المقاييس، تجعلنا نتندم على الأيام التي كانت فيها الصناعات المصرية المحلية لها شأنها ودورها الفعال في الاقتصاد المصري، من صناعة الملابس الجاهزة في شركات الغزل والنسيج بالمحلة الكبرى، ومنافذها في كل مكان، والتي كانت تلبي احتياجات كل الأسر المصرية، وكذلك المصنوعات الجلدية من الأحذية والحقائب بأنواعها المختلفة والأثاث، والأدوات المنزلية، والتي تراجعنا فيها في العقود الأخيرة تراجعًا كبيرًا، فتوقف الكثير منها عن الإنتاج، وما بقي يعمل منها فإنتاجه ضعيف لا يكفي احتياجاتنا، وتحتاج جميعها إلى تطوير كبير، وقد هجرها صناعها المهرة أو تقدمت بهم الأعمار، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

منتجات محلية استفادت من المقاطعة:

- منها: مبيعات (سبيروسباتس)، وهي إحدى الشركات الوطنية الرائدة وتعمل في السوق المصرية من عقود، ولها منتجات منتشرة في كلِّ المحافظات، وصارت بديلًا للمشروبات الغازية الأجنبية، حيث ارتفعت مبيعاتها بنحو 350% حسب أغلب التقديرات. بدأت الشركة في أول الأمر باسم: (سابسا) في السويس، ثم انتقلت إلى القاهرة بعد هزيمة 1967. وفي عام 1998 قامت الشركة بشراء شركة (سباتوس) من الخواجة اليوناني (سبيروسباتس)، وبدأت في إنتاج نفس المنتج باسم: الخواجة. وفي عام 2014 تم بيع المصنع وتوقف عن العمل بسبب وفاة الأب المؤسس للشركة وسفر بعض أبناء العائلة للخارج. 

وفي عام 2019 تم لم شمل العائلة من جديد وعادوا للعمل في مصر من جديد. كان يعمل بمصنع سبيروسباتس نحو 150 عاملًا، ويملك المصنع 20 سيارة تقوم بتوزيع المنتج في كل أنحاء الجمهورية؛ بالإضافة إلى استخدام السكك الحديدية في نقل المنتج إلى المناطق البعيدة؛ مثل: كوم أمبو في أقصى الصعيد، ومؤخرًا أعلن المصنع عن تكثيف حركة الإنتاج والتشغيل على مدار الساعة؛ لتلبية احتياجات السوق المحلية، وتوزيع وزيادة خطوط الإنتاج، وتنتج الشركة حوالي 150 باكت في اليوم، وهذا هو الحد الأقصى لطاقة المصنع الإنتاجية. 

- ومنها: مبيعات شركة مصر كافيه، والتي لاقت اهتمامًا واسعًا من رواد دعوات دعم المنتج المحلي على السوشيال ميديا حيث ارتفعت مبيعاتها نحو 30%. وللشركة 18 منتجًا محليًّا وتقوم بتصدير الكثير منها للخارج، حيث إن لديها فائضًا في الطاقة الإنتاجية يكفي الطلب المحلي ولا تحتاج معه إلى زيادة خطوط إنتاجها. 

وقد تأسست الشركة في عام 1984، ويقع مصنعها الرئيسي في مدينة العاشر من رمضان، وبالشركة نحو 800 عامل، وتعد أول شركة محلية متخصصة في إنتاج القهوة المحمصة والقهوة الفورية في مصر والشرق الأوسط.    

- ومنها: شركة (قها) للأغذية المحفوظة التابعة للشركة القابضة للصناعات الغذائية بوزارة التموين والتجارة الداخلية، والتي عادت للسوق من جديد من خلال منافذها الثابتة وفتحت أكشاك جديدة بناء على طلبات الجمهور وتساؤلاته عن منافذ البيع، وقد زادت الشركة من منتجاتها من خلال مصانعها الثلاثة بمدينة (قها) بالقليوبية، ومركز بدر بالبحيرة ومصنعها الثالث في الإسكندرية. والشركة تعد أول شركة في مصر في مجال التعليب، حيث أنشئت عام 1940 بمصنعها في القليوبية.

- ومنها: شركة (أفانتي)، التي حققت زيادة في مبيعاتها بنحو 25%، وللشركة نحو 100 منتج، وتصدر نحو 20 % من إنتاجها، وتصل طاقتها الإنتاجية إلى ألف طن شهريًّا، وتسعى الشركة إلى إضافة خطوط جديدة في منتجات جديدة مثل: الجبن؛ حيث تتوقع الاستحواذ على 20 % من منتج معين من الجبن. وكانت الشركة قد بدأت عام 1945 كمشروع صغير.

- ومنها: شركة الشمعدان، التي ارتفع مبيعاتها من البسكويت خلال أكتوبر 2023 بنحو 20%، وللشركة أكثر من 50 نوعًا من المنتجات، وهناك زيادة في الطلب على 10 منتجات منها على الأقل؛ لذا قامت الشركة بالتوسع في مراكز البيع. 

- ومنها: شركة (فريدال) للمنظفات والعطور المصرية التي زادت مبيعاتها بنحو 40 %، وتسعى لزيادة 3 خطوط إنتاج لتلبية الزيادة في الطلبات حيث زاد إنتاجها الشهري في أكتوبر 2023 من 4 ملايين عبوة إلى 6 مليون عبوة. (راجع مقال: مصائب المقاطعة عند قوم فوائد: شركات الأغذية والمشروبات المحلية تعيش أسعد أيام حياتها، جريدة الفجر - عدد 9 نوفمبر 2023، ص 8).

ولا شك أن هذا الإقبال على المنتجات المحلية يتطلب من القائمين عليها مراعاة الجودة العالية والسعر المناسب الذي يراعي المشتري ويحقق الربح المعقول لاستعادة تلك المنتجات المحلية لمكانتها المرموقة واكتساب ثقة المشترين بها.

وجه آخر للمقاطعة الاقتصادية:

في الوقت الذي أحدثت فيه المقاطعة الشعبية أثرها على الشركات العالمية الداعمة للكيان الصهيوني ظهرت مشكلة تتعلق بنظام (الفرانشايز) في مصر. و(الفرانشايز) شركات مساهمة مصرية، يمتلكها مستثمرون مصريون يحصلون من الشركات الأجنبية الأم على حق استخدام اسم الشركة الأم أو علامتها التجارية في فروع تفتح في مصر ويمتلكها هؤلاء المستثمرون مقابل مبلغ محدد يسدده المستثمر لا يرتبط بربح الفرع أو خسارته. وهي شركات مصرية تقوم بتوظيف عمالة مصرية ولها استثمارات بالمليارات، وتقوم بسداد ضرائب وتأمينات لخزانة الدولة المصرية، وهي لا تقوم بالطبع بدعم الكيان الصهيوني بأي دعم، وإنما قد تدعمه الشركة الأم في الخارج أو وكيلها الموجود في إسرائيل؛ أي: أن تلك الفروع المصرية تنحصر مسئوليتها فقط داخل حدود مصر، ولا علاقة لها مطلقًا بما يقوم به الآخرون في البلاد الأخرى. 

وقد طالت خسائر المقاطعة تلك الشركات المصرية التي تعمل بنظام (الفرانشايز) مما جعل بعضها يستغني عن عدد من العاملين فيها، خاصة ممن يعملون بنظام اليومية، كما تأثر عمال التوصيل لديهم (المعروفين بالطيارين) الذين صارت أعدادهم في تناقص مستمر بسبب تراجع الطلبات التي كان يطلبها المشترون، والتي تسببت أيضًا في خسائر أثرت على نسب الأرباح والحوافز التي يتقاضاها العاملون. وهذا يستدعي -كما يرى البعض- ضرورة التفريق بين فروع الشركات العالمية التي يمكن مقاطعة أجزاء منها تمتلكها الشركة الأم وفروع ينبغي عدم مقاطعتها إذ لا تمتلكها الشركة الأم، أي: ينبغي على المشارك في المقاطعة الرجوع إلى أصل الشركة العاملة في مصر للتعرف عليها هل هي تعمل بنظام الفرانشايز؟ أي: تستغل فقط الاسم العالمي للشركة الأم، أو تحمل العلامة التجارية للشركة في مقابل مبلغ محدد تسدده للشركة الأجنبية الأم، وبالتالي لا تتأثر الشركة الأجنبية الأم بمقاطعة تلك الفروع المصرية وتقتصر خسائر المقاطعة في هذه الحالة على المستثمرين المصريين فقط؟ أم أنها فروع من الشركة الأجنبية الأم تابعة لها مباشرة وبالتالي تتأثر الشركة الأم بالمقاطعة بخسارة مباشرة؟ وهذا الأمر يتطلب من الجهات المعنية بالاقتصاد القومي؛ مثل: اتحاد الصناعات والغرف التجارية، أو جهاز حماية المستهلك القيام بدراسة الأمر جيدًا، وبالتالي وضع قوائم موثقة للمقاطعة يسترشد بها المقاطعون في تحديد المنتجات وسلاسل المحلات والشركات الجديرة بالمقاطعة دون غيرها؛ ليقع تأثير المقاطعة على الشركات العالمية الأم لا على المستثمرين والعمالة المصرية التي تعمل بنظام الفرانشايز؛ إلا إذ رأت تلك الجهات تقديم جانب المصلحة العامة أو العليا للمقاطعة على جانب المصالح الشخصية الأقل للمستثمرين، وهو أمر وارد ترجيحه ولو نظريًّا!        

مدى جدوى المقاطعة حتى الآن:  

- يرى البعض أن المقاطعة الشعبية آتت أكلها حيث أعربت عن نفسها بتحقيق مقدار من الضرر على شركات أجنبية داعمة للكيان الصهيونية أثَّر على البعض منها، فمنها من تراجع عن دعمه وأظهر الحياد، ومنها فروع أعلنت تقديم العون المادي للفلسطينيين، ومنها من اكتفى بخفض أسعار منتجاته أو كمية الإنتاج، ومنها من أغلقت بعض فروعها أو خفضت عمالها.

ويرى هؤلاء أنه من غير المرجح أن تكون لحملة المقاطعة تلك التأثير الإستراتيجي الكبير أو التغيير الفوري في السياسات الغربية، إلا أن هذه المقاطعة تعد هي الوسيلة المتاحة للشعوب العربية والإسلامية لمناصرة الفلسطينيين، ونشر الوعي بالقضية الفلسطينية.

- أما البعض فيتحمس أكثر لجانب المقاطعة، ويرى أن سلاح المقاطعة يمكن أن يحدث أثرًا أكبر بكثير مما أحدثه ويحدثه إذا أجيد استخدامه، فيكون أكثر انضباطًا ووضوحًا وتوجهًا، لا كما هو عليه الآن من العشوائية، فجهوده متروكة لوسائل التواصل الاجتماعي باجتهادات فردية أو جماعية غير منظمة، فلا معيار واضح  لما ينبغي مقاطعته؛ لذا يجب تدخل كيانات من المجتمع المدني أو مؤسسات وجهات اقتصادية معنية تقوم بقيادة ومتابعة تلك المقاطعة ومراجعة تأثيرها، وجوانب القوة والضعف فيها، والمراجعة من آنٍ لآخر أسماء الشركات والمنتجات التي ينبغي مقاطعتها، بل والدخول -إن أمكن- في تفاوض مع هذه الشركات  للوصول معها إلى حلول مرضية، وفي المقابل تشجيع ودعم المنتجات المصنعة محليا لزيادة الاستثمارات الوطنية، على أن يتم ذلك على أوسع نطاق وأكبر مشاركة ممكنة، ومن خلال متابعة جادة ومستمرة، تطور من أدائها، وتكون قابلة للتحرك والاستجابة لها في أي وقت وفي أي مكان لتحقيق الهدف المنشود.

إن دعوات المقاطعة الشعبية في الدول العربية والإسلامية قادرة أن تكلف العدو الصهيوني والدول الغربية الداعمة والمؤيدة له خسائر تصل إلى مئات المليارات من الدولارات؛ إذا أحسن تطبيقها من خلال مشاركة نحو 2 مليار مسلم في شتى بقاع المعمورة، تضطر معه هذه الشركات العالمية اضطرارًا إلى تصحيح مواقفها والتراجع عن غيها؛ إذ لا تستطيع تحمل تلك الخسارة الضخمة إن تحققت. 

إن حجم صادرات الولايات المتحدة للدول العربية والعالم الإسلامي تبلغ نحو 150 مليار دولار، وجزء كبير منها يرتبط بالمنتجات الاستهلاكية، والمنتجات الزراعية والأغذية، ويمكن بصورة أو أخرى توجيه المقاطعة لاستبدال الواردات من الولايات المتحدة بواردات من دول أخرى لا تدعم الكيان الصهيوني بهذه الصورة الفجة كالصين وروسيا. 

هذا إلى جانب ما في تلك المقاطعة من جوانب أخرى إيجابية كبيرة؛ منها: دعم المنتجات المحلية، وتوطين الصناعة الوطنية، وزيادة الدخل القومي والصادرات وتقليل الواردات، وتخفيف الضغط على العملات الأجنبية خاصة الدولار.

- وبالنسبة لسلاسل الفرانشايز: فلتحويل المقاطعة إلى مقاطعة إيجابية فلا بد من التحاور مع أصحاب تلك السلاسل وإقناعهم بالاستغناء عن الشركات الأم وعلاماتها التجارية، خاصة وأنهم يملكون كل المقومات اللازمة لفتح فروع لمحلات وطنية لإنتاج نفس المنتج الأجنبي من خلال الفنيين الوطنيين وامتلاك كيفية التصنيع والمعدات اللازمة لتقديم بديل مقبول للمنتج الأجنبي بنفس الجودة، خاصة في ظل تشجيع المواطنين لهم في ظل المقاطعة الشعبية للمنتجات الأجنبية وتقديم المنتجات المحلية عليها.