الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
السبت 22 يونيو 2024 - 16 ذو الحجة 1445هـ

من منتمٍ لحزب النور إلى الشيخ "مصطفى العدوي"

كتبه/ غريب أبو الحسن

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد دأب الشيخ مصطفى العدوي -هداه الله- على توجيه النقد والتشويه بمناسبة وبدون مناسبة للمنتمين لحزب النور من خلال منصات السوشيال ميديا، والتي يبثُّ فيها فتاواه التي يجيب فيها عن أسئلة بعض المتصلين، ويتم نشرها على مواقع التواصل.

وهذا مما يؤلم أبناء الحزب؛ خاصة عندما يخرج من متشرع يدعو إلى الالتزام بالدِّين ومكارم الأخلاق، والتثبت قبل الاتهام، والتواصل والنصيحة قبل التشهير، وقبل استخدام المنصات الاجتماعية، وفهم الواقع قبل الإنكار!

فهو تارة: يحذر مَن تريد الزواج مِن أن تتزوج من منتمٍ لحزب النور إذا كانت تريد طريق العلم!

ولا أدري ما علاقة الانتماء بالحزب وترك طلب العلم؟ وهل يعلم الشيخ المستوى العلمي للمنتمين للحزب؟ وهل يعلم الشيخ أصلًا المنتمين للحزب معرفة شخصية حتى يحدد مستواهم العلمي؟!

وتارة: يحذر من يريد أن يدرس العقيدة من أن يدرسها على يد منتمٍ لحزب النور؛ لأنه قد يفتنه ويجعله حزبيًّا كما فتن أحد تلامذة الإمام أحمد وصار شيعيًّا حين احتك بشيعي! فلم يراعِ الشيخ العدوي حرمة لإخوانه ولم يتورع عن تشويه أبناء حزب ينتمي له ويحبه ويؤيده ملايين من المصريين وَفْق آخر انتخابات بالقائمة.

فهل تحريم الشيخ للانتماء الحزبي أمر ينطلق من مستند شرعي وتم بعد تدقيق علمي؟!

إذا رجعنا للوراء -إلى الأيام التي تلت ثورة 25 يناير-؛ سنجد أن الشيخ العدوي قد أيَّد حزب النور في الانتخابات التي أعقبت الثورة، ليس هذا فحسب، بل جلس في أحد البرامج في قناة الرحمة إلى جوار "حازم أبو إسماعيل" مبتسمًا، وأبو اسماعيل يعلن عن تأسيس حزبه الجديد ولم يعلق على المذيع الذي كان يقترح على حازم أن يسمي حزبه: "حازمون!".

ولقد صرَّح بعد ذلك أنه كان يؤيد بعض الأحزاب لما ظن أنها تنصر الشريعة، ثم تراجع لما رأى أنها -في ظنه- لم تفعل ذلك؛ إذًا فهو كان يقبل الحزبية والانتماء الحزبي إذا كانت ستنصر الشريعة، بل تجاوز ذلك ودعا لتأييد بعض الأحزاب كحزب النور عبر فيديو اطلع عليه الملايين، ثم نراه الآن يهاجم من ينتمي للأحزاب ويحذر من ذلك، وحجته في ذلك: أن الله -تعالى- سمانا بالمسلمين في القرآن العظيم، فقال -عز وجل-:  (‌هُوَ ‌سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) (الحج: 78)، ولا ينبغي أن نتخذ اسمًا آخر.

فهل عندما أيَّد الشيخ العدوي بعض الأحزاب من قبل، كان يقبل أن نتسمى باسم غير الإسلام؟ فإن كان يقبل؛ فلماذا يستدل بهذه الآية الآن؟!

هل حين كان يؤيد الأحزاب كان يستند لدليل ثم تبين له خلافه؟ وهل لو استدل أحد بما كان يستدل به الشيخ العدوي من قبل حين أيد الأحزاب، هل يكون عاصيًا لله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- أم يكون عنده قد اجتهد فأخطأ؟

نتمنى أن يبيِّن لنا أدلته السابقة والحالية، ولا يكتفي بالإجمال.

وتارة: يخرج فيحذر من العمل السياسي، ويقلل مِن شأن كل مَن اشتغل بالعمل السياسي، ويرى العمل السياسي منقصة لكل ملتزم، والتفاتًا عن طريق الحق!

ولا أدري حينما خرج الشيخ العدوي وهو عضو في مجلس شورى العلماء ليؤيد المرشح حازم "صلاح أبو إسماعيل": هل كان يمارس عملًا سياسيًّا أم ماذا؟!

وهل حينما أيد "أبو إسماعيل" ومعه باقي الدعاة فيما أُطلِق عليه: "مجلس شورى العلماء": هل كان يعاني من نقص المعاني الدعوية والعلمية؟!

هل يدرك الشيخ العدوي تعدد صور المشاركة السياسية؟

وهل يدرك أن استضافة مرشح لرئاسة الجمهورية ثم الخروج معه لتأييده هو من أعلى صور المشاركة السياسية؛ إذ لم يكتفِ الشيخ بانتخابه لـ"أبو إسماعيل" فقط، بل خرج لدعمه وتأييده وشارك في حملته الدعائية؟!

طبعًا كل هذا بعيدًا عن الخوض في منهج "أبو إسماعيل" -القطبي الصدامي-، والذي أيده الشيخ العدوي بعجره وبجره، ولم نسمع لا إنكارًا عليه ولا أي اعتذار من بعد ما تبيَّن مسلك "أبو إسماعيل" ومنهجه! أليس أولى به أن يحذر من المنهج القطبي الصدامي أم أنه متخصص للتحذير فقط من حزب النور والمنتمين لحزب النور؟!

وأتعجب حين يسأل الشيخ العدوي عن عدم نقده للإخوان، فيقول: ليس أحد ولي أمري حتى يسألني لماذا لم أفعل؟! وكأن الشيخ بعد ثورة يناير لم يلحظ زيادة الموجة التكفيرية عند الإخوان ولم يسمع أصوات الانفجارات، ولم يشم احتراق أبراج الكهرباء، ولم يسمع عبارات التكفير التي تضج بها تصريحاتهم وأتباعهم، ولم يسمع عن "الجبهة القطبية" التي نشأت على مرمى حجر من مسكنه! ولكن الشيخ يحسن جدًّا التحذير من حزب النور رغم أنه لم يجمعه لقاء واحد مع قيادات حزب النور منذ زمن كما يكرر؟!

وتارة يخرج علينا الشيخ العدوي ليتبرأ من الديمقراطية ويصفها بالضلال المبين.

ونقول مرة أخرى: هل حين أيَّد الشيخ العدوي "حازم أبو إسماعيل" كرئيس للجمهورية وفق آلية من آليات الديمقراطية، وهي الانتخابات عن طريق الاقتراع السري المباشر، هل كان الشيخ العدوي يمارس الديمقراطية؟!

ولنا أن نسأل الشيخ العدوي عن الانتخاب كآلية لحسم المنافسة على الرئاسة هل هي حرام أم لا؟ فإذا لم تكن حرامًا "وهذا ما أفتى به الشيخ عندما سئل عن المشاركة الانتخابية"؛ إذًا فهناك جزء من الديمقراطية ليس محرمًا، والذي من الممكن أن نضيف له آليات أخرى من آليات الديمقراطية، مثل: الاستفتاء والانتقال السلمي للسلطة، والفصل بين السلطات، فيكون هناك جزء من الديمقراطية يسمى الآليات ليس محرمًا، فلن يتبقى إلا "فلسفة الديمقراطية" والتي نتبرأ منها كما يتبرأ منها، وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (فَإِنَّمَا ‌شِفَاءُ ‌الْعِيِّ ‌السُّؤَالُ) (رواه أبو داود، وحسنه الألباني).

ثم إن الديمقراطية حين نضع لها مادة تضبطها مثل مرجعية الشريعة يكون الوضع مختلفًا كثيرًا، فالديمقراطية تختلف من بلد لبلد، وكل بلد تطبقها بما يتوافق مع واقعها.

 ثم يخرج الشيخ العدوي ليفتي بجواز انتخاب ودعم المرشح الأصلح في مقابلة الأفسد، وهذا لا غبار عليه، ولكن ماذا لو حشدنا أنفسنا لدعم الأصلح وخرجنا جماعات لتنظيم جهودنا، وهذا أدعى لنجاح مرشحنا الصالح؟!

وماذا لو أننا بعد أن أنجحناه في الدورة التالية وجدنا من هو أكفأ منه: هل يجوز لنا أن نرشحه؟! وماذا لو اشترطت السلطة علينا أن يكون لنا هيئة رسمية، وأن نطلق عليها اسمًا لتتميز عن غيرها، وحتى يمكننا ترشيح أحد منا ممن نراه أصلح: هل يجوز ذلك؟! وماذا لو استطعنا أن نشترط أن تكون مرجعيتنا في تلك الهيئة مرجعية إسلامية؟ هل يضفي ذلك شرعية على حزبنا أم أن تحذيره من الحزبية سيظل طالما بقي حزب النور؟!

والعجيب أنه كال لـ"حازم أبو إسماعيل" المدح، ثم كال المدح لـ"أبو حازم أبو إسماعيل" -رحمه الله-، والكل يعلم أنه -رحمه الله- خاض الانتخابات تحت لواء الإخوان المسلمين، وبالتحالف مع أحزاب ليبرالية، فإلى ماذا كان يرتكن الشيخ العدوي حين كان يجزل من المدح للحزبيين؟!

وهل سيعتبر تسمي بعض المسلمين بالمهاجرين والأنصار انحرافًا عن اسم الإسلام؟! وكيف سيبرر تسمية "مجلس شورى علماء المسلمين": هل هي تسمية جائزة؟! وهل حين اجتمع هو ومجموعة من الدعاة في ذلك المجلس، هل تحزبوا دون باقي الدعاة؟ وما الفرق بين تحزبهم في ذلك المجلس وباقي التحزبات؟!

لقد ابتلي العمل الإسلامي بالعمل الفردي الذي يجعل كل داعية معتدًا برأيه، ولا يرى صوابًا إلا رؤيته، ثم إذا اشتهر الداعية أحاط نفسه بدائرة ضيقة تكون هي مصدر معلوماته وعينه التي يرى بها الواقع، ويقيم بها الهيئات والأفراد، فإن لم يكن حوله ناصح عاقل رشيد ورطوه في رؤية مشوشة تعقبها آراء مشوهة.

ثم يرفض أن يلتقي أو يسمع ممَّن يتهم أو يخالف؛ حتى لا يضطر لتغيير رأيه فيستعذب إحكام الإغلاق على نفسه، ثم إذا أراد نصيحة خرج في وسائل الإعلام لإلقائها، فيوغر الصدور ويزرع الشحناء!

فمن المضحكات المبكيات: أني قد استمعت لفيديو يتكلم فيه الشيخ العدوي مع متصل من الإسكندرية، فيقول الشيخ العدوي للرجل بلغة الآمر: أبلغ الشيخ أحمد فريد ومشايخ الإسكندرية أن يفيقوا من سباتهم، وأن يرجعوا للدعوة إلى الله، ولا يرضوا بالراحة والخمول، أو ما شابه من كلمات!

وهي نصيحة مضحكة مبكية... وتبين مدى انغلاق الشيخ العدوي على نفسه! فربما ما يقوم به أحد ممن ينصح من مشايخ الإسكندرية من فاعليات في شهر يعادل ما يقوم به الشيخ العدوي في عام كامل! ولله الأمر.

إن مسلك إلقاء التهم دون تبين، ولا تواصل، ولا نصيحة، يوغر الصدور وينشر البغضاء بين المسلمين، وهو مسلك المداخلة الذين يرون الشيخ العدوي نفسه حزبيًّا محترقًا، ويرون أنه على باب ضلال ومبتدع، ولطالما رد الشيخ عليهم ونصحهم بتجنب اتهام الناس بالباطل.

ولي سؤال عند الشيخ: ماذا لو دأب أحد جيراني على الخوض في عرضي وعرض أبنائي، فهو يقول: إن ابنتي لا تصلح زوجة للرجل الصالح، ويحذر من ابني الذي يعمل مدرسًا أن يتعلم أحد منه، بل قام بتسجيل مقاطع فيديو ونشرها على العالمين، ليحذر من الزواج من ابنتي أو التعلم من ابني، فهل لي أن أعامله بالمثل وأسجل مقاطع فيديو، وأفعل به كما فعل بأبنائي أم أقاضيه على جريمة التشهير حتى يتوقف وآخذ حق أبنائي؟ أم أكتفي بحسبنا الله ونعم الوكيل؟ 

كنت قد كتبت هذه الكلمات نصيحة لازمة لتصل للشيخ العدوي، فلما سمعت بخبر وفاة حفيده -رحمه الله- ثم مسارعة الدعوة السلفية للعزاء على صفحتها الرسمية، وفي كل منصاتها الإعلامية، أحجمت وترددت في النشر، وقلت لعل الشيخ ينتبه.

ولكن فوجئتُ مؤخرًا بأنه مستمر على نفس طريقته، فقد انتشر مقطع يسأل فيه أحد المتصلين الشيخ العدوي -في مقاطع الفتاوى التي يتم نشرها كالعادة على مواقع التواصل- عن الشيخ ياسر برهامي ليرتبك الشيخ العدوي، ويحذر من الحزبية، ويتهم من يقوم بالعمل الجماعي أنه يستعبد الناس، ثم بعد كل ذلك يقول: إنه لم يسمع للشيخ منذ عشر سنين!

وأنا أذكر للشيخ العدوي شيئًا يسيرًا من دروس الشيخ ياسر في آخر عشر سنين فقط، التي لم يسمع فيها الشيخ مصطفى الشيخ ياسر:

- شرح الترغيب والترهيب للحافظ المنذري.

- شرح مدارج السالكين لابن القيم.

- شرح كتاب الفوائد لابن القيم.

- شرح تفسير ابن كثير.

- شرح كتاب مختصر منهاج السنة النبوية في نقض دعاوى الرافضة والقدرية.

- شرح فقه الجهاد، وفقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقضايا الإيمان والكفر.

- شرح السلفية ومناهج التغيير.

- شرح وثيقة المدينة.

- شرح القول المبين في حرمة دماء المعصومين، ولا يزال الشرح مستمرًا.

- شرح فقه السنة، وما زال يشرحه.

- شرح زوائد أبي داود على الصحيحين، وما زال الشرح مستمرًا.

- شرح تفسير الطبري يوميًّا في الفجر، ولا يزال الشرح مستمرًا، ولم يمنعه مرض أو سفر عنه بعد الفجر.

- شرح رياض الصالحين، وما زال.

- هذا جزء يسير سبقه العديد من الشروح لأمهات الكتب، ويسع كل من يريد أن يطلع على الشروح كاملة أن يزور موقع أنا السلفي، وغير ذلك كثير من اللقاءات الدعوية والتربوية.

لم يسمع الشيخ العدوي للشيخ ياسر من عشر سنين، ولكنه طيلة العشر سنين لم يتوقف عن اللمز والطعن، ولو سكت كما لم يسمع لكان خيرًا له، ولو تواصل لكان خيرًا له، ولو فتح بابه لمن يأتيه زائرًا لكان خيرًا له.

وفيما يتعلق بالعمل الجماعي، فلو قُدِّر لك زيارة الشيخ العدوي في مقره فسوف ترى أخًا مسئولًا عن أخذ المواعيد، وآخر مسئولًا عن طلبة العلم، وثالثًا مسئولًا عن المكتبة، ورابعًا مسئولًا عن الخطابة في غيابه، إلخ، والجميع يصدر عن أمر الشيخ ولا يستطيع أن يخالف له أمرًا، وهذا لا غبار عليه، بل هو من بديهيات التعاون على البر والتقوى؛ فعلام إذًا ينكر الشيخ على إخوانه ما يقوم به هو من عمل جماعي؟!

أتمنى من الشيخ العدوي -وأنا حقيقة أعلم أنه دَيِّنٌ-: ألا يغلق على نفسه الباب، ويترك نفسه أسيرًا لتلك التصورات الخاطئة، وأن يتجنب الجرأة على اتهام إخوانه وتشويه صورتهم، وأن يبادر بالنصيحة والتواصل المباشر معهم، وانتقاء أفضل العبارات؛ فهو أدعى لقبول النصيحة وحقوق الأخوة؛ خاصة وهو يوجهها لهيئات تمارس العمل الجماعي منذ عشرات السنين، وبها من المشايخ والعلماء مَن يتعاونون على البر والتقوى وأمرهم شورى بينهم، ولا يتكلمون إلا عن دراية بالشرع والواقع ويستقون معلوماتهم من مصادر موثوقة، وليس من دائرة صغيرة مغلقة، ويمارسون العمل الإصلاحي في كل ميادينه -العلمية والتربوية والاجتماعية والسياسية-، ومع ذلك يصبرون على إخوانهم ممن يمارسون عملًا إصلاحيًّا جزئيًّا؛ سواء في نشر علم من العلوم: كمن يهتم بمصطلح الحديث فقط، أو علم القراءات فقط، أو ممارسة الدعوة والوعظ دون غيره، ويرون في ذلك خيرًا.

ورغم أن مشايخ الإسكندرية ودعاتها ينطلقون من مفهوم للإصلاح شامل، ويضربون بأسهمٍ في المجالات: العلمية والدعوية والتربوية، والاجتماعية والسياسية والخدمية؛ إلا أنهم لا يحذرون الناس ممن ينفع المسلمين من الدعاة الذين اختاروا العمل الفردي، واختاروا جزءًا من باب من أبواب الإصلاح، طالما لم يتلبسوا ببدعة يجب التحذير، أو يكونوا همزة وصل بين الشباب وبين مناهج العنف والصدام؛ سواء كان هذا مشهورًا عنهم، أو خفيًّا لا يعلمه إلا المطلعون.

نسأل الله لنا وللشيخ العدوي الهداية والرشاد، والرفق واللين، والتثبت، وحسن النصيحة للمسلمين.