الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 24 يناير 2024 - 12 رجب 1445هـ

كيف عامل النبي -صلى الله عليه وسلم- يهود؟ موعظة الأسبوع (5) تعامله مع مؤامرات يهود خيبر

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

مقدمة:

- إشارة مختصرة إلى ما جاء في الموعظة الأولى، وكيف أحسن النبي -صلى الله عليه وسلم- معاملتهم، وسعى في تأليف قلوبهم؛ إلا أن اليهود كما هو حالهم وديدنهم على مر التاريخ والزمان، نقضوا العهود وغدروا وخانوا، وكان آخرهم يهود خيبر: قال الله -تعالى-: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ ‌بَلْ ‌أَكْثَرُهُمْ ‌لَا ‌يُؤْمِنُونَ) (البقرة: 100).

- مَن هم يهود خيبر؟: تقع خيبر شمال شرق المدينة بنحو مائة وسبعين كيلو؛ كانت ديارًا للقبيلة الرابعة من قبائل يهود، وقد أوى إليها كثير من اليهود الذين طردهم النبي -صلى الله عليه وسلم- من المدينة بعد نقضهم العهود، مما جعلهم يظهرون العداوة للنبي -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين، وقد كان لخيبر دور كبير في حشد الجيوش والأحزاب لحرب المسلمين، فصارت مركزًا للدس والتآمر ضد دولة الإسلام الناشئة في المدينة.

كيف عاملهم النبي -صلى الله عليه وسلم-؟

- لما اطمأنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أقوي أجنحة الأحزاب الثلاثة، وهو قريش، وأَمِن منه تمامًا بعد صلح الحديبية -وضع الحرب بين الطرفين عشر سنين- أراد أن يحاسب الجناحين الباقيين -اليهود وقبائل نجد- حتى يتم الأمن والسلام، ويسود الهدوء في المنطقة، ويفرغ المسلمون إلى تبليغ رسالة الله والدعوة إليه. ولما كانت خيبر هي وكرة الدس والتآمر ومركز الاستفزازات العسكرية، ومعدن التحرشات وإثارة الحروب، كانت هي الجديرة بالتفات المسلمين أولًا، قال المفسرون: "إن خيبر كانت وعدًا وعدها الله -تعالى- بقوله: (وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ) (الفتح: 20)، يعني صلح الحديبية، وبالمغانم الكثيرة خيبر".

- فلما رجع النبي -صلى الله عليه وسلم- من الحديبية، أمر بتسيير الجيش الإسلامي إلى خيبر، فخرجوا بروح إيمانية عالية على الرغم من علمهم بمنعة حصون خيبر، وشدة بأس رجالها وعتادها الحربي، فكانوا يكبرون ويهللون بأصوات مرتفعة، قال سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه-: خرجنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى خيبر، فسرنا ليلًا، فقال رجل من القوم، لعامر: يا عامر ألا تسمعنا من هنيهاتك، وكان عامر رجلًا شاعرًا، فنزل يحدو بالقوم، يقول:

اللهم لولا أنت ما اهتدينا            ولا تصدقنا ولا صـلينا

فـاغفر فداء لك ما اتقينا             وثبت الأقدام إن لاقـينا

وألـقـيـن سـكـيـنـة علينا             إنا إذا صـيـح بـنا أبينا

- وصول النبي -صلى الله عليه وسلم- والجيش الإسلامي على مشارف خيبر، وفزع اليهود وخوفهم ودخولهم الحصون: عن أنس -رضي الله عنه-: أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- خَرَجَ إِلَى خَيْبَرَ فَجَاءَهَا لَيْلًا، وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَوْمًا بِلَيْلٍ لَا يُغِيرُ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُصْبِحَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ خَرَجَتْ يَهُودُ ‌بِمَسَاحِيهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَاللهِ، مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (اللهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا ‌نَزَلْنَا ‌بِسَاحَةِ ‌قَوْمٍ ‌فَسَاءَ ‌صَبَاحُ ‌الْمُنْذَرِينَ) (متفق عليه).

- سبحان الله! أين الذين كانوا يجاهرون بالعداوة بالأمس القريب؟! أين التغني بالجرأة والشجاعة في كل مرة قبل قدوم الجيش الإسلامي؟!: قال تعالى: (لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ذَ?لِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ) (الحشر: 13).

التهيؤ للقتال وبشارة الفتح وتساقط حصون خيبر:

- كانت خيبر عبارة عن ثمانية حصون عسكرية كبيرة، من داخلها دورهم التي يسكنونها وفي كل حصن من العدة والسلاح والمؤنة ما يكفيهم لشهور طويلة.

- بدأ المسلمون الهجوم على حصن ناعم، وكان خط الدفاع الأول لليهود لمكانه الإستراتيجي، وكان هذا الحصن هو حصن مرحب البطل اليهودي الذي كان يعد بالألف، فلما خرج إلى ميدان القتال دعا إلى المبارزة، وقال: 

قد عَلِمتْ خيبر أني مَرْحَب          شَاكِي السلاح بطل مُجَرَّب

إذا الحروب أقبلتْ تَلَهَّب

فبرز له على بن أبي طالب، وقال:

أنا الذي سمتني أمي حَيْدَرَهْ         كلَيْثِ غابات كَرِيه المَنْظَرَهْ

وفِيهم بالصَّاع كَيْل السَّنْدَرَهْ

فضرب رأس مرحب فقتله، ثم كان الفتح على يديه.

- واجه المسلمون مقاومة شديدة وصعوبة كبيرة عند فتح بعض هذه الحصون، منها حصن ناعم الذي استغرق فتحه عشرة أيام، وهكذا تساقطت حصون اليهود الواحد تلو الآخر، حتى انحصر ما بقي منهم في آخرها، وقد أيقنوا نزول الهزيمة بهم.

- أرسل ابن أبي الحُقَيْق إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أنزل فأكلمك؟ قال: "نعم"، فنزل، وصالح على حقن دماء مَنْ في حصونهم من المقاتلة، وترك الذرية لهم، ويخرجون من خيبر وأرضها بذراريهم، ويخلون بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبين ما كان لهم من مال وأرض، وعلى الصفراء والبيضاء -أي: الذهب والفضة- والكُرَاع والْحَلْقَة إلا ثوبًا على ظهر إنسان، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وبرئت منكم ذمة الله وذمة رسوله إن كتمتموني شيئًا"، فصالحوه على ذلك، وبعد هذه المصالحة تم تسليم الحصون إلى المسلمين، وبذلك تم فتح خيبر.

- أراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يجلي اليهود من خيبر، فقالوا: "دعنا نكون في هذه الأرض، نصلحها ونقوم عليها، فنحن أعلم بها منكم"، ولم يكن لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا لأصحابه غلمان يقومون عليها، وكانوا لا يفرغون حتى يقوموا عليها، فأعطاهم خيبر على أن لهم الشطر من كل زرع، ومن كل ثمر، ما بدا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يقرهم.

- فلما كان زمان عمر -رضي الله عنه- أجلاهم وأخرجهم من خيبر بعد ما تجرؤا بإيذاء بعض المسلمين.

- وهكذا كانت خيبر آخر معقل لليهود في جزيرة العرب، وهو يوم لا ينساه يهود الزمان: عندما دخلت القوات الصهيونية القدس عام 1967 تجمهر الجنود حول حائط البراق، وأخذوا يهتفون مع موشى ديان: "هَذَا يَوْمٌ بِيَوْمِ خَيْبَرَ... يَا لِثَارَاتِ خَيْبَرَ" (كتاب: "قادة الغرب يقولون دمروا الإسلام أبيدوا أهله"، عبد الودود يوسف).

خاتمة:

- إنَّ عَدَاءَ الْيَهُودِ للإِسْلامِ وَأَهْلِهِ لَيْسَ بِدْعًا وَلا حَدَثًا، بَلْ عَدَاءٌ قَدِيمٌ وَحِقْدٌ دَفِينٌ: قال -تعالى-: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) (المائدة: 82).

- وتِلْكَ الْعَدَاوةُ لَيْسَتْ جُغْرَافِيَّةً وَلا تَارِيخِيَّةً وَإِنَّمَا هِيَ عَدَاوَة دِينِيَّة عَقَدِيَّة، قال -تعالى-: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) (البقرة: 120).

- إن هذه الغزوة، وغيرها من الوقائع والأحداث تكشف لنا خبث اليهود وحقدهم ونقضهم للعهود ومخالفتهم للاتفاقيات، فهؤلاء قوم لا يفهمون لغة الحوار ولا السلام، وإنما يفهمون لغة واحدة هي لغة السلاح والقوة، فالواجب على المسلمين أن يعملوا بذلك متى توافرت لهم القوة: قال -تعالى-: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ) (الأنفال: 60).

- تلاوة بعض الآيات التي تظهر ضلال هذه الفئة، وكيف غضب الله عليها، ليسمعها المسلمون فيزدادون بغضا وكراهية لهذه الفئة الملعونة: قال -تعالى-: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا... ) (المائدة: 82)، وقال -تعالى-: (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (البقرة: 75)، وقال -تعالى-: (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) (البقرة: 61).

وقال -تعالى-: (وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً. وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) (النساء: 156-157)، وقال -تعالى-: (لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) (آل عمران: 181)، وقال -تعالى-: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ) (المائدة: 64)، وقال -تعالى-: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) (المائدة: 82). وقال -تعالى-: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) (البقرة: 120)، وقال -تعالى-: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) (البقرة: 109)، وقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا ‌الَّذِينَ ‌آمَنُوا ‌إِنْ ‌تُطِيعُوا ‌فَرِيقًا ‌مِنَ ‌الَّذِينَ ‌أُوتُوا ‌الْكِتَابَ ‌يَرُدُّوكُمْ ‌بَعْدَ ‌إِيمَانِكُمْ ‌كَافِرِينَ) (آل عمران: 100).

اللهم أنج المستضعفين من المسلمين في فلسطين وفي كل مكان، واهزم اليهود الكفرة أعداء الدين.