كتبه/ عبد العزيز خير الدين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فعلى الرغم مما كان بينهما من حبٍّ وعاطفةٍ وإعجابٍ؛ إلا أنَّ المتأمل في الواقع يرى أنَّ أكثر الخلافات الزوجية، والتي تصل أحيانًا إلى الطلاق، كانت بين زوجين عاشا علاقة حبٍّ قبل الزواج.
ولا عجب في ذلك، فكلُّ واحدٍ منهما كان قبل الزواج يُظهر الوجه الأمثل والأجمل للآخر، ويتخيَّر الكلمات والمواقف قبل فعلها، بل يُبطن كل عيبٍ فيه بداخله ويُظهر الابتسامة والبراءة.
وفي كل حوارٍ بينهما كان ينبني على مجاملاتٍ أو حديثٍ وقصصٍ وعباراتٍ خاليةٍ من أي هدف، بل كان يعدها أن يعطيها قطعةً من القمر، وأنه مستعدٌّ لأي تضحيةٍ في سبيل هذا الحب المبني على سراب. وفي المقابل، تقول له: أعيش معك في عشٍّ لو في الصحراء، وأجوع يومًا وأشبع الآخر!
ثم بدأت الحياة الزوجية ونضحت معها الخلافات، وتحول الكلام المعسول والكلمات الرنانة والاندفاع العاطفي إلى الغلظة، والحدة، والتعالي، والغرور، والاصطدام بالواقع، والابتلاء الذي يظهر معادن الناس. وتحولت أيضًا الأحلام والطموحات إلى عقباتٍ في طريق السعادة.
وهذه الأسباب التي ذكرتها أسبابٌ ظاهرة، يشهد الواقع بصحتها؛ إلا أننا ينبغي ألا نُهمل السبب الرئيس لفشل الحياة الزوجية، وهو: أنها أُقيمت على معصية الله؛ فالإسلام لا يمكن أن يُقرَّ تلك العلاقة الآثمة، ولو كانت بهدف الزواج، فكان العقاب الرباني العادل لأهلها بالمرصاد؛ قال الله -تعالى-: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا) (طه: 124).
وما نشاهده من جلوس الحبيب مع حبيبته، والتواصل معها عبر مواقع التواصل، وأحيانًا الخروج معها؛ كل هذه الحيل غير مشروعة، ولا يمكن أن تقوم أسرةٌ على المودة والرحمة بُنيت أصلًا على باطل؛ فالسعادة الحقيقية مع العمل الصالح، والبعد عن الفتن والمعاصي، وتحقيق الإيمان بالله -تعالى-، كما قال الله -عز وجل-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى? وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل: 97).
الحب الحقيقي يظهر بعد التعاملات اليومية المليئة بالأحداث المختلفة، فتنكشف حقيقة الزوج إن كان كريمًا أو بخيلًا، تقيًّا أو منافقًا، رجلًا أو ذكرًا، رحيمًا أو شيطانًا، وكذلك المرأة تبدو على حقيقتها إن كانت مطيعةً أو عاصية، محنةً أو منحة، صابرةً محتسبةً أم قانطةً متضجرة.
ليختر كلُّ واحدٍ منهما الآخر، وليُحسن الاختيار، وليعرف كلُّ واحدٍ منهما ما له وما عليه، وليتقِ الله في الآخر، وليعلم أن الله سيُوفِّق بينهما بالمحبة والترابط؛ قال -تعالى-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ? إِنَّ فِي ذَ?لِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم: 21).
أعاذنا الله وإياكم، وأبناءنا وبناتنا من مرض العشق المحرم، وهدانا لأحسن الأخلاق، إنه نعم المولى ونعم النصير.