الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 19 أكتوبر 2022 - 23 ربيع الأول 1444هـ

الوصايا النبوية (7) (أعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا) (موعظة الأسبوع)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

المقدمة:

- الإشارة إلى أهمية الوصايا النبوية: (مقدمة الموعظة الأولى).

- وصية اليوم: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ علَى الطُّرُقَاتِ)، فَقالوا: ما لَنَا بُدٌّ، إنَّما هي مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قالَ: (فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا المَجَالِسَ، فأعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا)، قالوا: وَما حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قالَ: (غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأذَى، وَرَدُّ السَّلَامِ، وَأَمْرٌ بالمَعروفِ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ) (متفق عليه).

- بيان إجمالي لمعنى الوصية: لا يجوز الجلوس في الطريق إلا بحقه وشرطه، وهو ما جاء في الحديث، فإذا لم يكن هناك بد، فعلى مَن يجلس أن يعطي الطريق حقها كما يأتي(1)، وهذا من محاسن شريعة الإسلام العظيمة.

الحق الأول: غض البصر:

- لأن الطريق تسلكها النساء لحاجتهن، وقد تفتح أبواب البيوت والنوافذ والشرفات، فيقع النظر على حريم الناس وعوراتهم: قال تعالى: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) (النور: 30)، وقال: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) (الإسراء: 36)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- عن نظر الفجأة: (اصرِفْ بصرَكَ) (رواه مسلم وأبو داود واللفظ له)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لَكَ الأولى، وليسَت لَكَ الآخرَةُ) (رواه أبو داود والترمذي، وحسنه الألباني).

- ولأن الطريق يمر بها عموم الناس، ومنهم مَن تظهر عليه النعم، أو يحمل مِن متع الدنيا، أو يركب من وسائل السير الفارهة وغيرها، فيقع النظر بما يؤذيهم بالحسد والتطلع لما عندهم: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وازهَدْ فيما عندَ النَّاسِ يحبُّكَ النَّاسُ) (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (وارضَ بما قَسَمَ اللهُ لكَ تكُنْ أغْنَى الناسِ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني)، وقال: (انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا ‌تَزْدَرُوا ‌نِعْمَةَ اللهِ) (رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إذا رأى أحدُكم من أخيهِ ما يعجبُهُ فليدعُ لَهُ بالبرَكةِ) (رواه النسائي في السنن الكبرى، وابن ماجه، وصححه الألباني).

الحق الثاني: كف الأذى:

- هي كلمة جامعة تتناول كل أنواع الأذى القولي والفعلي، (وضع البضائع خارج المحلات - إلقاء النفايات بأنواعها - غرس المواسير الحديدية والكتل الأسمنتية أمام المحلات - وضع الكراسي والسيارات في مداخل البيوت والمساجد وغيرها)(2): قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (‌مَنْ ‌آذَى ‌الْمُسْلِمِينَ ‌فِي ‌طُرُقِهِمْ، ‌وَجَبَتْ ‌عَلَيْهِ ‌لَعْنَتُهُمْ) (رواه الطبراني، وحسنه الألباني)، وعن أبي برزة -رضي الله عنه- قال: قُلتُ: يا نَبِيَّ اللهِ، عَلِّمْنِي شيئًا أَنْتَفِعُ به، قالَ: (اعْزِلِ الأذَى عن طَرِيقِ المُسْلِمِينَ) (رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ في الجَنَّةِ، في شَجَرَةٍ قَطَعَها مِن ظَهْرِ الطَّرِيقِ، كانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ) (متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لا ضررَ ولا ضِرارَ) (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني)، وقال أبو طالب المكي: "وكان الورعون لا يشترون شيئًا ممَّن قعد يبيعه على طريق" (كتاب قوت القلوب لأبو طالب المكي).

الحق الثالث: رد السلام:

- مَن جلس بالطريق، فإنه يمر به المارة فيسلمون عليه، فيجب عليه رد السلام، والسنة الزيادة إكرامًا لمَن سلم: قال تعالى: (وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا) (النساء: 86).

- ومن سوء الأدب في ذلك ألا يرد إلا على مَن يعرفه، بل بعضهم لا يرد على العمال والبسطاء كبرًا وتعاليًا: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَن كانَ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِن كِبْرٍ) (رواه مسلم)، وفي الحديث: "أنَّ رَسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مَرَّ علَى غِلْمَانٍ فَسَلَّمَ عليهم" (متفق عليه).  

- المتأمل في ألفاظ السلام، يجدها دعوة كريمة من المسلِّم إلى المسلَّم عليه، وفيها من أسباب المغفرة لكل منهما ما فيها: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ المسلمَ إذا صافَح أخاه ‌تحاتَّتْ خطاياهُما كما يتَحاتُّ ورَقُ الشَّجَرِ) (رواه البزار، وصححه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب).

- الإشارة إلى بعض آداب السلام  والرد: (التحذير من الاكتفاء بالإشارة، استحباب الرد بأكمل صورة، أفضلية رد الجماعة كلهم، الرد على غير المسلمين بـ"وعليكم" فقط، الحذر مِن استبدال تحية الإسلام بغيرها).

الحق الرابع: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر(3):

- ما دام الإنسان يجلس في الطريق؛ فقد تحمَّل مسئولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكلِّ ما يشاهده: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَن رَأَى مِنكُم مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بيَدِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسانِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وذلكَ أضْعَفُ الإيمانِ) (رواه مسلم)، وفي رواية: (وليسَ وراءَ ذلكَ مِنَ الإيمانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ) (رواه مسلم).

- هذا أصل في مجتمعات المسلمين: قال تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) (آل عمران: 110)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (والَّذي نَفسي بيدِهِ لتأمُرُنَّ بالمعروفِ ولتَنهوُنَّ عنِ المنكرِ أو ليوشِكَنَّ اللَّهُ أن يبعثَ عليكُم عقابًا منهُ ثمَّ تَدعونَهُ فلا يَستجيبُ لَكُم) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني)، وقال تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ . كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ? لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (المائدة: 78-79).

خاتمة:

- إعادة التنبيه على فضل الوصية، وأن مِن عظيم تشريع الإسلام وآدابه ما جاء فيها: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (بُعِثتُ لأُتَمِّمَ صالِحَ الأخْلاقِ) (رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني).

- والتنبيه على أن مجتمعات المسلمين، هي الأصل فيما وصل إليه غيرهم من مظاهر تحضُّر، ونظام في شوارعهم وطرقهم (إعادة حديث الوصية).

نسأل الله تعالى أن يصلح مجتمعات المسلمين، وأن يرزقهم العمل بتعاليم هذا الدِّين العظيم.

والحمد لله رب العالمين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) خلاصة الكلام: أنه لا يجوز الجلوس في الطريق إلا بشرطين: الأول: قضاء المصالح (كالباعة، والحراس، والمنتظر غيره، ونحوهم)، والثاني: أن يؤدي حق الطريق.

(2) ومن ذلك أيضًا: انبعاث أصوات الموسيقى والغناء مِن المحلات والبيوت والمقاهي، وغيرها؛ مما يتأذى به السليم؛ فكيف بالمريض السقيم؟! ومنه أيضًا: القاء أدوات البناء ومخلفاته في طرق الناس.

(3) وصور المنكر في الطرقات في هذا الزمان تكاد لا تحصى! ولكن هذا ليس معناه سقوط هذا الحق عمَّن جلس في الطريق، وإنما معناه: زيادة الحرج من الجلوس في الطرقات؛ وإن لم تستطع إزالة المنكر فزل أنت عنه. ومِن صور ذلك: سماع المنكرات من السباب والشتم، وسب دين الله، والأغاني، والعري، والتدخين في حضوره، بل وترك إجابة نداء الصلاة من الجلساء، وغير ذلك، نسأل الله العافية؛ فكيف بمَن يجالسون بعضهم على شواطئ البحار، وما يسمونه الكورنيش، وهم متلبسون بأنواع من المنكرات؟!