الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الخميس 11 فبراير 2021 - 29 جمادى الثانية 1442هـ

عِبَر من التاريخ... لماذا تختلف حضارتنا عن حضارتهم؟

كتبه/ رجب صابر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

لقد فقدَتْ الحضارة الغربية جمال الروح، وجمال الذوق الفطري، وجمال الخُلُق؛ جاء هذا الوصف على لسان الأستاذ أبي بكر الإنجليزي المسلم الذي كان أستاذًا للغة العربية في جامعة فؤاد سابقًا (القاهرة حاليًا)، وقد اعتنق الإسلام وهو في القاهرة، وشغل وظيفة أمين القسم الشرقي في المكتبة الوطنية بلندن.

فقال للشيخ "مصطفى السباعي" شارحًا أسباب اعتناقه للإسلام: إن هذه الحضارة الغربية تفتقد الشرف والجمال! فقال له السباعي: أما فقدانها للشرف فلا أنازعك فيه! وأما فقدانها للجمال؛ فكيف والناس يرونها أروع حضارة عنيت بالجمال؛ جمال الطبيعة، وجمال اللباس، وجمال المدن، وجمال البيت، وجمال المرأة أيضًا؟! فقال: إنها فقدَتْ جمال الروح، وجمال الذوق الفطري، وجمال الخُلُق.

إن عددًا من الغربيين يتطلع إلى حياة روحية يأنسون إليها بعد أن فجَّرت حضارتهم المادية في نفوسهم وحياتهم كل ينابيع الألم والحيرة والاضطراب، وتستطيع أن تلمس هذا من حديثك مع كل غربي ذي تفكير متزن، وإحساس روحي وخلقي.

إن الحضارة الغربية تمثِّل أكثر ما وصل إليه الإنسان من حياة مادية، لكن ليس هذا وحده هو الذي يسعد الناس، ويجعلهم يشعرون بالطمأنينة والراحة النفسية، ومِن الواضح بمكان أن هذه الحضارة المادية لم تستطع أن تحفظ التوازن بين الحياتين: المادية والروحية؛ فلن تستطيع هذه الحضارة أن تستمر طويلًا في التصدر لدور القيادة العالمية، ومِن باب أولى الفكر الشيوعي؛ لأنه أشد إغراقًا في المادية وحربًا للروح، والقيم الدينية والأخلاقية، وأما العالم الشرقي ذو الديانات الوثنية لا يمكن أن يقوم بدور ريادة البشرية؛ لأن الحضارة تقوم على العلم والتفكير الصحيح، والتجرد من الخرافات والأوهام، والوثنية في حد ذاتها نقيض ذلك كله، كما أن الروحانية الوثنية تفر من الحياة، وتنهزم من أداء الواجب، وتعتبر رقي الإنسان المادي رجسًا يجب أن يتطهر منه وتشن الحرب عليه.

ليس هناك مَن يستطيع القيام بالدور الحضاري المرتقب إلا أمة واحدة هي أمتنا، ولن يستطيع حمل اللواء لحضارة الغد غيرنا، ومن أسباب ذلك:

أولًا: أننا نتحرك من خلال عقيدة صافية نقية، وشريعة حكيمة صالحة ومُصْلِحة لكل زمان ومكان، فديننا يشمل ما يخص الروح وما يخص البدن، وما يتعلق بالفرد وما يتعلق بالمجتمع، يخاطب العقل والوجدان، يسعى لصلاح الدنيا، ويحض على الفوز بالآخرة.

ثانيًا: أن الروحانية في ديننا بنَّاءة وليست هدامة، فديننا لا يأمرنا بذبح شهواتنا، بل ترويضها بمقتضى الشرع، وديننا لا يأمرنا بقتل الدنيا، بل يأمرنا بسياسة الدنيا بالدين، ونقرأ في كتاب ربنا: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) (القصص:77).

ثالثًا: أننا أثبتنا في الماضي قدرتنا على إنشاء مثل هذه الحضارة المرتقبة، ومهما قيل عن حضارتنا من قبل الخصوم والجاحدين، فإن أحدًا لا ينكر أنها كانت أكثر من الحضارة الغربية الحديثة رحمة بالناس، وسموًّا في الخلق وعدالة في الحكم، وإشراقًا في الروح واقترابًا من درجة الكمال الإنساني في مختلف عصور التاريخ؛ فلهذا ولغيره نقول: نحن أولى بقيادة الدنيا، ونشر حضارتنا من كل المنافسين على ساحة الصراع العالمي. (ينظر مِن روائع حضارتنا للدكتور مصطفى السباعي).

فاللهم أعد للمسلمين مجدهم وعزهم، وكم في التاريخ من عِبَرٍ، فاعتبروا يا أولي الأبصار.