الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 26 يونيو 2019 - 23 شوال 1440هـ

آن الرحيل!

كتبه/ سعيد صابر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

- فإياكم عباد الله وطول الأمل؛ وإلا فها هي الأعوام تمر والأعمار تطوى، والآجال تنقضي، والموت يحصد الناس حصدًا.

- إياكم وطول الأمل؛ فإنه سم قاتل، ومرض فتاك، وخصلة سوء ذمَّ الله بها أقوامًا فقال: (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (الحجر:3).

- طول الآمل آفة قد استشرت ووباء قد تفشى في البشر فلم يفرِّق بين شيخ وشاب، ولا بين من هو تحت الـ20 أو قد تخطى حاجز ال100، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لاَ يَزَالُ قَلْبُ الكَبِيرِ شَابًّا فِي اثْنَتَيْنِ: فِي حُبِّ الدُّنْيَا وَطُولِ الأَمَلِ) (متفق عليه).

يقول شاهد عيان وأحد المعمرين -وهو أبو عثمان النهدي-: "بلغت من العمر 130 سنة وما من شيء إلا وقد عرفت فيه النقص، إلا أملي في الحياة، فإنه كما هو".

إن الآمال والأحلام الوردية دومًا أطول بكثيرٍ مِن الآجال، فالعبد يخطط للأزمنة والسنوات القادمة، وأنه سيفعل فيها ويفعل، وما يعلم المسكين أن اسمه قد نزل في كشف الموتى، وأنه على قائمة المسافرين الذين سيغادرون الليلة فندق الحياة، عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: خَطَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَطًّا مُرَبَّعًا، وَخَطَّ خَطًّا فِي الوَسَطِ خَارِجًا مِنْهُ، وَخَطَّ خُطَطًا صِغَارًا إِلَى هَذَا الَّذِي فِي الوَسَطِ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي فِي الوَسَطِ، وَقَالَ: (هَذَا الإِنْسَانُ، وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ وَهَذَا الَّذِي هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ، وَهَذِهِ الخُطَطُ الصِّغَارُ الأَعْرَاضُ، فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا، وَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا) (رواه البخاري).

ولله در القائل:

"كم من مستقبل يوم لا يستكمله، ومنتظر غد لا يبلغه، ورب شروق بلا غروب، ورب ليل بلا نهار، وكم من رجل أصبح من أهل الدنيا وأمسى من أهل الآخرة".

طول الأمل أس الفساد، ومنبع الطغيان، وموزع ووكيل معتمد لكافة أنواع الانحلال والإجرام، يقول الحسن -رحمه الله-: "ما أطال عبد الأمل إلا وأساء العمل".

فإياكم وطول الأمل فإنه مهلكة ومادة شقاء، قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: (صَلَاحُ أَوَّلِ هَذِهِ الأُمَّةِ بِالزُّهْدِ وَالْيَقِينِ، وَهَلَاكُ آخِرُهَا بِالْبُخْلِ وَالْأَمَلِ) (أخرجه الإمام أحمد في الزهد والبيهقي، وحسنه الألباني).

وقال الفضيل -رحمه الله-: "إن من الشقاء طول الأمل، ومن النعيم قصر الأمل".

وقال أبو الدرداء -رضي الله عنه-: "ألا تسمعون من أخ لكم ناصح، إن مَن كان قبلكم كانوا يجمعون كثيرًا، ويبنون شديدًا، ويأمِّلون بعيدًا؛ فأصبح جمعهم بورًا، وبنيانهم قبورًا، وأملهم غرورًا".

وقال علي -رضي الله عنه-: "أخوف ما أخاف عليكم طول الأمل واتباع الهوى؛ فطول الأمل ينسي الآخرة، واتباع الهوى يصد عن الحق".

فـيـا ساهيًا يا لاهيًا عما يراد به         آن الـرحيل وما قـدمت مـن زاد

ترجو البقاء صحيحًا سالمًا أبدًا         هيهات أنت غدًا فيمَن غدا غـادٍ

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.