السؤال:
1- كيف خرج "الحسين" -رضي الله عنه- على خليفة زمانه "يزيد بن معاوية" إن لم يكن هذا أمرًا مشروعًا، وهو يعلم أنها الحرب بينه وبين جيوش بني أمية؟ وقد كان يدعو الصحابة للخروج معه، والذين لم يخرجوا معه فإنهم لم يذموا "الحسين" -رضي الله عنه- الذي قتل شهيدًا ثابتًا على موقفه، ولم يتهموه بهدم الدولة، وأنه لا يقيم اعتبارًا للمصالح والمفاسد، كما يقول الدكتور "ياسر برهامي" عن الإخوان.
2- ما رد مشايخ الدعوة السلفية على هذا الدليل في مسألة التمسك بالشرعية، والذي ينسف ما تستدلون به مِن أن الإخوان يهدمون الدولة لأجل الشرعية، وهو أن "عبد الله بن الزبير" -رضي الله عنهما- كان هو الحاكم الشرعي، وأقام الحرب ولم ينسحب مِن مواجهة "الحجاج" الظالم الذي كان معه الجيوش الجرارة، وقد رُميت "الكعبة" نفسها بالمنجنيق وهدمت -وليس مجرد دولة أو محافظة!-، ومع ذلك أصر "ابن الزبير" وثبت في حربه حتى قتل -رضي الله عنه- هو أيضًا، وكان قد دخل على أمه "أسماء" -رضي الله عنها- يستشيرها؛ فشجعته على مواصلة القتال مِن أجل حقه الشرعي في الخلافة والحكم، وشجعته على عدم ترك ذلك للظالمين، وهذا في وجود الصحابة وغيرهم مِن العلماء مِن أهل الحل والعقد الذين بايعوا عبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما-؛ أليس هذا دليلاً يؤكد صحة ما يفعله الإخوان؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
1- فـ"الحسين" -رضي الله عنه- في أول خروجه ظنَّ أن المصلحة في خروجه أرجح مِن المفسدة، والصحابة نهوه عن الخروج وحذروه "ولم يخرجوا معه"، وقد تبيَّن صحة وجهة نظرهم، وأن الصواب كان معهم في ذلك، وأنه مجتهد مخطئ -رضي الله عنه-.
ومع ذلك فهل دعا "الحسين" -رضي الله عنه- العامة إلى مصادمة جنود "يزيد" وهم محيطون بهم؟!
وهل قام أنصاره بتفجير المصالح العامة "أو هدمها في زمنهم"، أو تعطيل الطرق والسعي إلى أن لا يجد الناس كفايتهم؛ لينهار الاقتصاد؟!
وهل كان أتباع الحسين -رضي الله عنه- يبحثون عن جنود "يزيد" في أي مكان ويقتلونهم، أو يحرقون الأموال العامة والخاصة؟!
2- إنما دخل "ابن الزبير" -رضي الله عنهما- على أمة أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- يستشيرها في الاستسلام الذي يعقبه القتل أو الاستمرار الذي يعقبه التمثيل به؛ فقد علم أنه مقتول على أي حال بعد أن انسحبتْ عنه الجنود، ولم يعد ممكنًا خيار المسالمة التي يعقبه استمرار الدولة والدعوة، وحفظ الدماء والأعراض والأموال كما كان معروضًا على الإخوان! بل هذا الذي ذكرناه هو الذي طلبَه "الحسين" -رضي الله عنه- مِن قـَتَلَتِه: "أن يتركوه يرجع إلى مكة، أو يذهب للثغور، أو يذهب إلى "يزيد" فيضع يده في يده"؛ فهل كان هذا هو الذي طلبتموه؟!
فعبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما- علِم أنه مقتول؛ فآثر أن يُقتل كريمًا على أن يقتل حبيسًا أسيرًا، وكذا فعل الحسين -رضي الله عنه-، ولم يكن معروضًا على أحدهما ما عُرض عليكم.
أما الاحتجاج بإصابة "الكعبة"؛ فأي احتجاج هذا في عقل أو شرع؟!
فـ"الكعبة" كبناءٍ يمكن إصلاحها وإعادة بنائها "وهي ولم تهدم"، وقد أعاد "ابن الزبير" -رضي الله عنهما- بناءها بالفعل.
أما هدم الدولة؛ فأنتم تعلمون أن المقصود الدخول في الفوضى والاقتتال الداخلي الذي ينتهي بالقضاء على الإسلاميين أولاً مع "خسائر هائلة" للمجتمع كله في "الأرواح، والأعراض، والأموال" وهدم الدعوة قبْل الدولة، وبالقطع لم يكن هذا حال "ابن الزبير" وبني أمية، فالتنافس الذي كان بينهم لا تنهدم معه الدولة ولا الدعوة، ومع ذلك كان ابن عمر ينهى ابن الزبير -رضي الله عنهم- وهو "الحاكم الشرعي" عن القتال، وينهى العامة عن القتال والمشاركة فيه!
ثم ماذا صنع أصحاب "ابن الزبير" -رضي الله عنهما- ومَن بايعوه بعد مقتله؟!
هل استمروا في معارك خاسرة تضر ولا تنفع أم سلـَّموا الأمر لـ"عبد الملك بن مروان" رغم أن "الحجاج" أميره قد قتل الآلاف؟! ولم يقل لهم أحد في زمانهم -ولا في التاريخ-: خونة، ولا عملاء، ولا منافقين، ولا أنهم أعوان للظلمة أو ممن ركن إليهم! بل أكثر العلماء يَرون القتال "قتال فتنة"، وسموها: "فتنة ابن الزبير" مع كونهم يرونه أمير المؤمنين؛ لصحة بيعته قبْل بيعة "مروان" وقبل بيعة "عبد الملك بن مروان".
فوالله! لم أرَ أعجب مِن احتجاجات بأدلة تدل على عكس المقصود مثل ما ذكرتَ من شبهاتهم!