دليل التلوين الآمن للبيض والفسيخ الصحي
كتبه/ عبد المنعم الشحات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فعلى الرغم من أن وسائل الإعلام تتعامل مع كثير من قضايا الالتزام بالقاعدة المشهورة "الباب الذي يأتي من الريح سده واستريح" حتى ولو كان سده لن يريح، بل سيميت الإيمانَ في القلوب والحياءَ في المجتمع، ومن أوضح الأمثلة على ذلك مسألة تَسَتُّرِ بعض المجرمين وراء النقاب، فلا يجد القوم لذلك حلاً إلا القضاء على النقاب، بل والحجاب! وإن ترتب على ذلك ما ترتب من فساد الدين والأخلاق، وعلى الرغم -أيضًا- من اتباع القوم لقاعدة "التيسير في الدين" التي تجعلهم يتساهلون في كثير من الأحكام الشرعية؛ فلا بأس بإخراج زكاة الفطر نقودًا لا طعامًا من باب التيسير، والتصدق بقيمة الحج والعمرة تقوم مقامهما في الثواب، ولا داعي لإتعاب النفس! وغيرها من الفتاوى الكثيرة التي تشتمل على عدوان على هيئات شرعية مقصودة للشارع، في تشريعها أنواع من الحكمة إن خفيت على هؤلاء فلا تخفى على أهل العلم المستضيئين بنور الوحي. وعلى الرغم من دندنة القوم -دائمًا- حول عدم الاهتمام بما يسمونه قشورًا، وينعون على كل من يهتم بأمور من الهدي الظاهر بأنه يهتم بالقشور.
على الرغم من ذلك كله؛ فإن القوم فيما يتعلق بشم النسيم -ذلك اليوم الذي ما أنزل الله به من سلطان- يتحولون إلى أصوليين شديدي التمسك بالهيئات! حتى وإن كانت عسيرة!! وحتى وإن كانت قشورًا حقيقية!!
فمِن ذلك تمسكهم بتلوين قشر البيض، مع أنه قشر حسًّا ولغةً! بخلاف الأحكام الشرعية التي يرونها هم قشورًا، بالإضافة إلى أنه قشر مآله السريع إلى التكسر، مع ذلك يتمسك القوم بتلوين ذلك البيض! ولَمَّا ثبت لديهم أن معظم أنواع الألوان المتداولة مضرة بالصحة لم يتعامل القوم مع هذا الموضوع بقاعدة "الباب الذي يأتي من الريح" بل تعاملوا بطريقة العَاضِّ على سُنَّة الفراعنة بالنواجذ، فما أن يقترب ذلك اليوم حتى تجد الصحف وقد عقدت أبوابًا ومقالاتٍ لإرشاد المستهلك لأنواع الألوان الصحية، مع علمهم بأن هذه الأنواع الصحية غير شائعة، وأنها غالية الثمن، مما يعني أن معظم الناس سوف يستمرون في استخدام الألوان الغير صحية، ومع ذلك فكل ذلك عند القوم محتمل في سبيل الحفاظ على الهيئة الظاهرة لاحتفال شم النسيم!!
وأما الفسيخ؛ فحدث ولا حرج عن المخاطر المحتملة منه! وبالمناسبة فإن الفقهاء قد اختلفوا في حكم أكل الفسيخ، فمنهم من منع بناء على أنه ينتن قبل تمليحه، ومنهم من أجازه على أساس أن الأصل في الأشياء الحل، والصحيح هو التفصيل، فيُمنع منه إن عُلِمَ أنه أَنْتَنَ*، ويباح فيما عدا ذلك، ولكن الإقبال الكبير على الفسيخ في ذلك اليوم يجعل ذلك اليوم مناسبة لطرح كل مخلفات مصنعي الفسيخ، وتبذل السلطات جهودًا ضخمة في ملاحقة الفسيخ الغير صالح للاستخدام الآدمي، وتعلن المستشفيات حالة الطوارئ في ذلك اليوم، ولا يجرؤ أحد على المطالبة بمنع ذلك المظهر من مظاهر الاحتفال بذلك اليوم! فضلاً عن إلغاء الاحتفال من أصله!! كما هو الواجب فعله مع كل هذه المناسبات التي ما أنزل الله بها من سلطان.
بيد أن إصرار القوم على هذا المظهر من مظاهر الاحتفال بيوم شم النسيم راجعٌ -والله أعلم- إلى أن أكل الفسيخ هو أحد أهم أسباب عناية المجتمع المصري بشم النسيم، رغم علمهم بأنه دائر بين أن يكون يومًا فرعونيًّا، أو أن يكون يومًا نصرانيًّا، وأحلاهما مُرٌّ -كما يقولون- ولكن لَمَّا كان موعد ذلك اليوم في أوائل الربيع، ولَمَّا كان من طقوسه أكل الفسيخ، وهو طعام يفضل كثير من الناس أكلَه خارج المنزل؛ فمِن هنا جاء ارتباط الناس بذلك اليوم، ولكن تبقى الحجة قائمة عليهم؛ إذ تمسكوا في هذه المناسبة البدعية بالهيئة وبالظاهر وبالقشور! وتحملوا المخاطر الصحية التي ربما تصل إلى التسمم المميت!! أن يتمسكوا من باب أولى بكل هذا في الأمور الشرعية، وهو الأمر الذي إذا فعلوه سوف يتبرءون من كل المناسبات البدعية، وعلى رأسها شم النسيم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* الراجح أن المنتن مكروهٌ ليس بمحرم؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أكل من إِهَالَةٍ سَنِخَةٍ "أي متغيرة"، إلا أن يُجْزَم بضرره؛ فيحرم. كتبه/ د. ياسر برهامي.