السؤال:
ما فهمته أن مقاصد الشريعة هي قواعد يدور حولها الشرع، وليست لنشرِّع نحن شرعًا آخر عليها، لكن البعض يفعل أشياءً مستدلاً عليها بمقاصد الشريعة، وللتوضيح فقد حدث التالي: كنت أناقش بعضهم فقال لي: إن الحرب أصبحت على الدين واضحة، ويجب على كل مسلم النزول للشارع لقول الحق في وجه السطان الجائر والخروج عليه. فقلت له: ولو حدثتْ مفاسد أكبر من إزهاق الآلاف من الأرواح التي يحتاجها العمل الإسلامي؟!
فقال: نعم، إن حدث ذلك فنحتسبهم شهداءً! ثم قال: إن أول مقاصد الشرع حفظ الدين، ويسبق مقصدي حفظ النفس والمال، وأنت ترى الحرب على الإسلام.
واستدل بأحداث: كقتل المسلمين، واعتقال الآلاف، وقراءة الإنجيل في المدارس، وغلق المساجد بعد الصلوات، وغير ذلك، ثم تابع فقال: فحفظ الدين مقدم على النفس، فإذن وجب على المسلمين النزول لحفظ الدين، واستدل بذلك أيضًا على إنهاك اقتصاد الدولة!
والسؤال: هل لنا أن نستدل بمقاصد الشرع كأساس لإصدار الحكم كما في المثال؟ أم أن ما فهمته صحيحًا أن المقاصد هي محاور -بلغة معاصرة- يدور حولها الشرع، وليست أصولاً فقهية أو قواعد أحكام لكي نبني عليها؟ وبناءً على ذلك هل ترتيب مقاصد الشرع توقيفي؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فترتيب المقاصد جاء بالاستقراء من أدلة الشرع، ولا نزاع في وجوب تقديم الدين على النفس، ولكن هل النزول للشوارع فيه حفظ للدين؟! وهل إنهاك الاقتصاد فيه حفظ للدين أم تضييع له؟!
وهل اعتقال الآلاف تضييع للدين ندفعه باعتقال المزيد؟!
وهل قتل بعض المسلمين هو ضياع للدين ندفعه بمزيدٍ مِن قتلهم؟!
هل رأيتَ عجبًا أكثر من ذلك؟!
وإذا كان حفظ النفس بالنطق بكلمة الكفر وفعل المحرم عند الإكراه هو المشروع؛ لأن فيه بقاء الدين بطمأنينة القلب بالإيمان؛ فكيف لا يشرع بمجرد السكوت عن ظلم ظالم أو مرتكب منكر؟! هذا لو سلمنا أن وجود رجل -أو جماعة معينة- في السلطة هو حفظ للدين وغيابه ضياع له! وهو كلام باطل.
وأما التعميمات الباطلة نحو "إغلاق المساجد!"؛ فكم من المساجد أغلق في بلدكم أيها السائل أو صاحبك المحاور؟!
وأما قراءة الإنجيل في المدارس؛ فهل هذا صار مقررًا في كل طابور صباح في جميع المدارس، ولا وسيلة لحفظ دين الطلاب إلا بالنزول للشوارع لكي لا يبقى أحد من المتدينين والملتزمين يدفع هذا البلاء؟!
ألم يضع نظام الإخوان في مادة التربية الوطنية أشياءً من الإنجيل؛ فلماذا لم يكن هذا تضييعًا للدين؟!
فالحقيقة أن المشكلة ليست في القواعد الشرعية، ولكن في تطبيقها على الواقع، فانهيار الاقتصاد والمزيد من القتل، والاعتقال، والتشديد على الإسلاميين لا يكون في واقع الحال إلا تضييعًا للدين والنفوس والأموال، وليس حفظًا للدين!
فكفانا رفع شعارات يُخدع بها بسطاء المتدينين ليدفعوا إلى هاوية مهلكة بها بسبب قرارات القيادة الخاطئة.