كتبه/ عبد المنعم الشحات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد أثارت الصورة التي نُشرت للشيخ "ياسر برهامي" مع الممثل "هاني رمزي" عاصفة من النقد الموجَّه للشيخ من أبناء الدعوة السلفية قبل غيرهم، ودافع الشيخ عن نفسه بأنه لم يكن يعلم شيئًا عن حال المذيع، وأن الأخ الوسيط أخبره فقط بأنه مذيع نصراني يريد أن يناقش الشيخ حول تخوفات النصارى من الحركة الإسلامية "بالمناسبة أعرف اسم ذلك الوسيط وهو ممن يُوثق بعلمه وأمانته واطلاعه على الحالة الإعلامية، وأستغرب عدم قيامه بتوضيح الملابسات للشيخ".
إلا أن الشيخ "ياسر برهامي" عاد وقرر في مداخلته مع الشيخ "خالد عبد الله" أنه على استعداد لتلبية دعوة أي مذيع ولو كان "باسم يوسف" طالما سوف يلتزم الأدب؛ مما آثار موجة ثانية من الاعتراضات.
وتعليقًا على هذا الموقف أقول:
1- جزى الله كل غيور على الدعوة السلفية وعلى نقائها -من المنتمين إليها ومن غيرهم- خير الجزاء على غيرته ونصيحته الصادقة.
2- ومع هذا يوجد لوم وعتاب على كل مَن قَبِل مِن غير الشيخ "ياسر" مثل هذا الموقف أو استنكره بطريقة أكثر لطفًا بكثير مما تم مع الشيخ؛ مما يوغر الصدور بلا شك، ومع هذا يبقى علينا أن نتدبر في أية نصيحة؛ وإن صدرت بطريقة غير لطيفة.
3- خرَّج بعض الفضلاء المسألة على عيادة المريض الكافر، وهذا يحتاج إلى إعادة توصيف "علاقة الضيف بمذيع التوك شو"، وأظنها ليست من باب الزيارة وإنما من باب الدعوة، وأظن أن أي إسلامي يذهب إلى أي قناة يذهب وهو يعلم أنه ضيف ثقيل ما طلبوه إلا لإحراجه "أو ادعاء الحياد على الأقل"، والجميع يوافق على الذهاب من حيث المبدأ مع تفاوت بينهم في هذا الباب.
4- وأظن أن الذي ساعد على هذا التصور هو "كمين نشر الصورة قبل إذاعة الحلقة"، وأكاد أجزم أنه لو تزامن الأمران لما أثارت الحلقة أية اعتراضات أو على الأقل لخرجت الاعتراضات هادئة من الفريق الذي يفضل مقاطعة كل أو بعض القنوات العالمانية.
5- على أن مسألة التزاور مع الكافر علقها الشرع على المصالح الشرعية المعتبرة، وبهذا الاعتبار يمكن وصفها بأنها ليست من مسائل الموالاة -أي ليست موالاة مطلقًا ولا مشاح في الاصطلاح-؛ فكيف بلقاءات تكييفها الأدق أنها من باب الدعوة والبلاغ؟!
ولا شك أن هناك صنفًا من المدعوين سيكون من هؤلاء المستهزئين، وقد استدل الشيخ في حواره مع الشيخ "خالد عبد الله" بقوله -تعالى- لموسى وهارون -عليهما السلام-: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى) (طه:43)، ومن الواضح أنه يستدل بباب الدعوة وهو يريدها ويقصدها، ومن هنا تعلم أن الجلوس مع المستهزئ بغرض البيان لا ينافي نهي الله عن الجلوس معهم؛ لأن الله قيد النهي بحال الاستهزاء فقال: (فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) (النساء:140).
وبالطبع ثمة أدلة أخرى يُستفاد منها هجر أمثال هؤلاء، ومِن ثَمَّ يمنع معه صور مباحة مع غيره، ولكن يبقى "باب الدعوة" مفتوحًا غير مقيد "حتى مع فرعون".
6- وهذا لا يعني إطلاق الجواز فضلاً عن المشروعية، ولكن يبقى هذا هو الأصل ما لم ينقدح في النفس أو يُعلم بالتجربة وجود مفسدة أكبر "وأنا شخصيًّا أفضل مقاطعة غلاة المذيعين المشهورين بالفسق أو الإفراط في السخرية؛ وإلا فلا يكاد يوجد مَن يسلم مِن شيء من ذلك، والاتجاه الإسلامي بصفة عامة يعاني من ضعف إعلامه كما يؤكد الجميع وبالتالي يضطرون إلى الاستفادة من المساحة الضيقة التي يعطيها لهم الإعلام المضاد".
7- كما أن البعض يستدعي موقفًا قديمًا كان معظم الدعاة -خاصة ذوي التوجه السلفي- يتخذونه من وجود برنامج ديني أو مقال ديني في مجلة عالمانية مع تمادي صاحب البرنامج مع القناة أو الجريدة فلا يعرض من الدين إلا مساحة محدودة فتكون النتيجة هي ترويج العالمانية.
وأظن أن الصورة في برامج "التوك شو" مختلفة لا سيما وأنها هجومية في معظمها، ويعرض فيها الضيف الإسلامي "خاصة السلفي" رؤية مخالفة لما تعرضه القناة شكلاً وموضوعًا، وأظن أن بعض الإسلاميين قد غيَّر وجهة نظره في الكتابة للصحف حتى المعروف عنها عالمانيتها طالما قَبِلوا منه أن يتحدث برؤية إسلامية شاملة، وهو موقف له حظ كبير من النظر (ملاحظة: بالنسبة لي فما زلتُ أتحفظ على الانضمام إلى الكتابة في أية جريدة حتى ولو كانت من جرائد الرأي تغليبًا لقاعدة سد الذرائع التي أميل إلى تغليبها).
8- بالنسبة لـ"مؤسسة الدعوة السلفية" فقد ناقش مجلس إدارة الدعوة المؤقت والذي كان يضم آنذاك المؤسسين الستة هذه القضية، وانتهى لعدد من الضوابط، أهمها: "أن المعول الرئيسي على ما تقوله أنت وليس على المنبر الذي تتحدث منه أو المذيع الذي يدير الحوار".
وأظن أن الهجمة الإعلامية الشرسة جدًّا آنذاك جعلت كل المتابعين يرون ذلك نوعًا من الجهاد في سبيل الله، ولم يتطرق أحد إلى تصور أن يكون ذلك نوعًا من التطبيع مع هذه الوسائل، وتَقبَّل أبناء التيار الإسلامي عامة هذه اللقاءات بانشراح كبير سواء ما قام به "ممثلو الدعوة السلفية" أو غيرهم: كالشيخ "حازم صلاح أبو إسماعيل".
9- وبعد أن استقرت الأمور نسبيًّا بدأت الأصوات تخرج بيْن الحين والآخر بعضها ينادي بالاقتصار على القنوات الإسلامية وبعضها يطالِب بمقاطعة قنوات بعينها والبعض يطالب بمقاطعة إعلاميين بعينهم، والمسألة تحتاج إلى إعادة تقييم بين الحين والآخر؛ ولأن الجميع لا يتفقون على رأي واحد "من باب بيان مدى هذا الاختلاف أذكر أنني أتلقى كثيرًا من الرسائل التي تعاتبني عتابًا يصل إلى حد الهجوم أحيانًا والاتهام بالتخاذل لمجرد أنني أصبحت مقلاً في الظهور، وهذا الإقلال بطبيعة الحال فرع على إعمال بعض الضوابط التي ينادي بها غيرهم من الإسلاميين".
10- بالنسبة للمؤسسية داخل الدعوة السلفية فأنا لا أجد حرجًا في أن أعترف أننا حتى الآن لم نطبق منها إلا إعادة الهيكلة ومؤسسية اتخاذ القرار، وجميع مَن يظهر في الإعلام أو في غيره ملزم بالتعبير عن قرارات الدعوة وسياستها، وأما أن تدير المؤسسة أفرادها أو قياداتها بأن تجعل لكل منهم مستشارين خاصين، وسكرتارية، وغير ذلك... فغير مطروح لدينا في هذه المرحلة؛ ومع هذا فهذه المواقف تستدعي إعادة النظر في بعض هذه الجوانب "ملاحظة: مِن الطبيعي أن يحظى الحزب بدرجة مؤسسية أعلى لكونه تنظيمًا سياسيًّا".
وأخيرًا -وبعيدًا عن آحاد المواقف-: أدعو جميع المتابعين أن يقوموا بعمل دراسات حول الظهور في وسائل الإعلام المعادية بين المصالح والمفاسد، ومَن كان عنده في ذلك وجهة نظر فليتفضل بإرسالها إلينا(1)؛ حتى نستفيد منها في إعادة تقييم الموقف.
ومِن وجهة نظري: هناك بعض القضايا تحتاج إلى إعادة تقييمها دوريًّا، على رأسها هذه القضية.
وفي النهاية:
نقول لكل ناصح: جزاكم الله خيرًا.
ونقول لكل جارح: غفر الله لنا.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) من الممكن إليَّ وعبر بريدي الإلكتروني: ([email protected]) أو من خلال بريد موقع "صوت السلف".