جريدة الأهرام: بصفتك عضوًا في اللجنة التأسيسية، متى سيتم الانتهاء من كتابة الدستور؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
تم الانتهاء من 95% تقريبًا من الدستور، فهناك إصرار من القوى السياسية للانتهاء منه في اقرب وقت، ولكن المشكلة أن بعض القوي الليبرالية تريد عرقلة بعض مواد الدستور؛ لعدم رضاها عن بعض المواد.
- وما هذه المواد؟
من أهم المواد "المادة الثانية"، فهناك قوى ليبرالية تعلم حجمها في الشارع ولا تريد الشريعة الإسلامية! وتريد أن تجعل المادة الثانية مبادئ الشريعة الإسلامية؛ لأنها كلمة مجملة محتملة للتأويل والتحريف لكي يتم تحويلها إلى مادة ديكورية -كما يصرحون!-.
ونحن نصر على وضوح مرجعية الشريعة في الدستور، فبعد أن تم الاتفاق في لجنة المقومات الأساسية على أن يكون الأزهر المرجعية في تفسير كلمة مبادئ تم التراجع، ويريدون أن تبقى المادة الثانية كما كانت في دستور 1971 دون تغيير! والأغلبية الشعبية على خلاف هذا الرأي؛ فالاقتراحات الواردة إلى اللجنة من الحوار المجتمعي تؤكد أن رغبه أكثر من 90 % في أن تكون الشريعة، وليس مبادئ الشريعة.
ويمكن أن نقبل بقاء المادة الثانية على ما هي عليه في دستور 1971 إذا أضيفت مادة أخرى تنص على أنه لا يجوز أن يتم إصدار تشريعات مخالفة للشريعة الإسلامية؛ لأنه في هذه الحالة يزول الإجمال والاحتمال للمادة الثانية، فالأصل في ألفاظ الدستور أن تكون واضحة وجامعة ومانعة.
- وماذا ستفعلون إذا لم تتم إضافة أي مواد أخرى؟
في حالة الإصرار على بقاء المادة الثانية كما هي من دون إضافة مادة بعدم جواز إصدار تشريعات مخالفة للشريعة الإسلامية سنصر على مرجعية الأزهر.
- ولماذا تصرون على مرجعية الأزهر في تفسير كلمة مبادئ؟
قضية مرجعية الأزهر بكل وضوح هي للتخلص من التفسير الموجه سياسيًّا للمادة الثانية الذي أصدرته المحكمة الدستورية العليا في العهد البائد، وهو تفسير ليس لغويًّا ولا اصطلاحيًّا، ولا دستوريًّا، ولا قانونيًّا، ولا شرعيًّا! وإنما هو تفسير لإرضاء الأهواء السياسية للنظام السابق، ومعنى كلمة مبادئ الشريعة جعله يشمل فقط ما هو قطعي الثبوت والدلالة معًا! ويفتح الباب إلى الاحتمالات اللغوية غير قطعية الدلالة، فتصبح المادة الثانية ديكورية وتزينية، والنص على مرجعية الأزهر في تفسير كلمة مبادئ سيعيد هذه الكلمة إلى ما قصد به عند وضعها أولاً، وهو القدر المتفق عليه بين المذاهب.
- البعض يقول: أنتم تجيشون المجتمع لتحقيق أهدافكم؟
ليس تجييشًا، ولكن من حقي أن أدافع عن وجهة نظري وأقنع بها المواطنين، وإذا اختاروا ما أقول فهذا دليل على نجاح فكرتنا للوصول إلى الناس.
- لماذا تريدون إضافة مادة السيادة لله في الدستور؟
الديمقراطية في النظام الغربي تعطي السيادة للبرلمان مطلقًا بمعنى أن مِن حقه التشريع ولو بتحليل الحرام وتحريم الحلال، كما تنص دساتيرهم وقوانينهم على إباحة الشذوذ، والزنا!
والنص على أن السيادة لله يمنع إعطاء هذا الحق للبرلمان، كما أنه يمنع إعطاء الحاكم حق التشريع المطلق، فالديمقراطية التي يرتضيها المسلمون هي ديمقراطية منضبطة بالشريعة لها سقف لا يجوز أن تتجاوزه، وهو ما أحل وما حرم الله.
- ولكن البعض يرى أن إضافة هذه المادة يرسخ لمفهوم الدولة الدينية؟
بالعكس، فإن نص السيادة لله في الدستور مانع لإقامة الدولة الدينية؛ لأن الدولة الدينية معناها أن هناك سلطة تحكم باسم الإله، ونحن نقول: "السيادة لله وحده"، وفكرة السيادة للشعب وحده كانت في المجتمعات الغربية رفضًا لفكرة السيادة للحاكم وحده أو لصاحب السلطان الديني وحده، ونحن نرفض الاثنين معًا، فنحن نجعل السيادة لله بمعنى: أن الله -تعالى- هو الذي يشرع ثم الشعب الذي يختار مَن يمثِّل السلطات الثلاث، كما أن إضافة هذا النص يجعل الحاكم والبرلمان ليس لديهما سيادة التشريع المطلق.
- إذن لماذا يتم رفض مادة السيادة لله؟
ـ هناك قوى ليبرالية ترفض كل ما يمت بصلة إلى المعاني الإسلامية، فمثلاً نحن نريد أن ننص على الشورى بالإضافة إلى الديمقراطية التي يرتضيها الشعب المصري "وهي ديمقراطية لها سقف" وهم يرفضون إضافتها بحجة أنها لفظ غير واضح! ونقول لهم: "اللفظ العربي غير واضح واللاتيني واضح... !"، هذا كلام غير مقبول.
- كيف سيكون وضع الأزهر في الدستور الجديد؟
هناك مادة مستقلة تم وضعها في الدستور تنص على أن الأزهر هيئة مستقلة مجالها مصر والعالم الإسلامي، والعالم كله فيما يتعلق بالشأن الإسلامي، وهناك خلاف بسيط حول وضعها في الهيئات الرقابية أو المقومات الأساسية للمجتمع.
- كيف يتم اختيار هيئة كبار العلماء؟
هيئة كبار العلماء تم اختيارها حاليًا بالتعيين من قبل شيخ الأزهر للمرة الأولي من 26 عضوًا تم اختيار 14 عضوًا منها، ولم يوضع قانون لهذا الأمر بعد، ولن ينص الدستور على كيفية اختيار هيئة كبار العلماء، ولكن لا بد من وضع قانون لكيفية اختيارهم، وأنا شخصيًّا أقترح أن يكون هناك ما يشبه بالجمعية العمومية لكل الحاصلين على دكتوراه من الأزهر أو ما يعادلها من الجامعات المعترف بها من الأزهر، يتولون اختيار هيئة كبار العلماء بالانتخاب.
- هل هناك نية للإبقاء على مجلس الشورى؟
نحن مع استمرار مجلس الشورى وتعديل صلاحياته، ومشاركته الحقيقية بدلاً من وضعه الذي كان ديكوريًّا أكثر منه فعالاً.
- هل سيتم تقليص صلاحيات الرئيس أم ستبقى كما هي في دستور 71 ؟
الاتجاه العام داخل الجمعية التأسيسية هو لتقرير النظام المختلط الذي تتوازن فيه الصلاحيات بين البرلمان ورئيس الجمهورية.
- كيف ترى غياب السلفيين عن الحكومة؟
غياب السلفيين عن الحكومة تجاوز في تشكيلها؛ لأن الرئيس "محمد مرسي" وصل بتحالف سياسي ما بين الإخوان والسلفيين، وباتفاق على أن يتم تشكيل حكومة ائتلافية بنسب الوجود بالبرلمان، وإذا لم يكن موافقًا على الشخصيات التي تم تقديمها لشغل بعض المناصب الوزارية كان من الممكن أن يطلب شخصيات أخرى، لكنه لم يجلس مع أي شخص من الشخصيات التي تقدمنا بها للحكومة سوى شخص واحد هو الدكتور "خالد علم الدين"؛ والذي انسحب اعتراضًا على الطريقة التي تم بها تشكيل الحكومة، وكان لا بد أن يكون هناك تشاور مع القوى السياسية المتحالفة التي أدت إلى وصول الدكتور "محمد مرسي" لكرسي الرئاسة.
- وكيف سيمارس السلفيون دور المعارضة؟
المعارضة السياسية المعروفة عند الغرب أن تأخذ الموقف المخالف للحكومة على الدوام، أما نحن فقضيتنا ليست المعارضة من أجل المعارضة أو أن نأخذ الموقف المضاد تمامًا، فبالرغم من أننا لسنا في الحكومة، لكن ما كان فيه مصلحة البلاد نتعاون معهم فيه، وكل ما فيه مخالفة نعترض عليه، فهناك أشياء الدكتور "مرسي" أعلنها في مشروع المائة يوم: كالنظافة، وتوزيع الخبز، وشارك فيها أعضاء حزب النور والدعوة السلفية، بل وكلف هذا الأمر أحد أبناء الدعوة حياته في منطقة الورديان بالإسكندرية لإصراره على ألا يتولى البلطجية السيطرة على المخابز، وأصر على توزيع الخبز على المنازل بحد أقصى متفق عليه يكفي كل أسرة، فتم قتله داخل المسجد، وما زال القتلة المعروفون الذين أصدرت النيابة قرارات ضبط وإحضار لهم مطلقي السراح، ومعروفة أماكنهم ومسلحين بأسلحة آلية، وتم إبلاغ السلطات الأمنية بمكانهم وتسليحهم، ولم يتم اتخاذ الإجراءات القانونية ضدهم.
- هل تعتقد أن السلفيين يستطيعون المحافظة على النسبة التي حصلوا عليها في انتخابات مجلس الشعب؟
بالتأكيد... وأتوقع أن تزيد، فالسلفيون بعد عام ونصف العام من المشاركة في الحياة السياسية ما زالوا يكسبون ثقة الأكثرية من الشعب المصري، وأنهم متميزون بالصدق والشفافية والوضوح، ومارسوا السياسة ليس بالطريقة التي يمارسها أكثر السياسيين من الوصولية ونقض العهود، فالسلفيون ما زالوا يحتفظون بجزء كبير من مصداقيتهم، والثقة فيهم تؤهلهم لمراكز أفضل في الانتخابات القادمة، كما أنهم مرتبطون بالشارع، وهناك تلاحم بينهم وبين المواطنين حيث استطاعوا حل كثير من مشاكل المواطنين.
- ولكن التيار الإسلامي فقد كثيرًا من شعبيته في الفترة الأخيرة، والدليل على ذلك أنه لم يستطع أن يحافظ على الأصوات التي حصل عليها في مجلس الشعب مقارنة برئاسة الجمهورية؟
السبب هو تخوف الكثيرين من سيطرة فصيل واحد على السلطة التشريعية والتنفيذية مما أدي إلى تفتيت الأصوات، وهذا لن يحدث في انتخابات مجلس الشعب القادمة؛ لأن مساحة الاختيار أوسع.
- ألا تعتقد أن وجود أكثر من حزب إسلامي سيؤدي إلى تفتيت أصوات الإسلاميين؟
الأحزاب التي تجتمع على أشخاص ليست جديرة بالقبول، فلا بد أن تجتمع على فكرة وعلى منهج، وعلى كيان قائم، وأظن أن الكيانات الحقيقية الموجودة هي كيانات الدعوة السلفية والإخوان، ولكن لا شك أنها ستؤدي إلى تفتيت جزئي للأصوات.
- هل سيتحالف السلفيون مع الإخوان أو غيرهم من الأحزاب الإسلامية الأخرى في انتخابات مجلس الشعب القادمة؟
ـ هذا الكلام سابق لأوانه؛ لأنه لم يتضح بعد ما سيسفر عنه الدستور والقانون في طريقة الانتخابات، وهذا له تأثير كبير على موازنات التحالفات.
- شهد حزب النور في الفترة الأخيرة خلافات واستقالة بعض الأعضاء... ما تعليقك؟
الاختلاف في وجهات النظر أمر طبيعي وفطري، والبعض قد يفضل الانسحاب عند الاختلاف، ولكن هؤلاء نسبة ضئيلة جدًا، وأبناء الدعوة السلفية هم الذين أسسوا الحزب والذين ما زالوا -بحمد الله- هم الأغلبية المتماسكة لا تتأثر بتصرف أفراد معدودة.
- لماذا أجرى الحزب اختبارات أولية للمرشحين للمناصب القيادية به؟ وهل المقصود بتلك الاختبارات إقصاء بعض الشخصيات؟!
الهدف من هذه الاختبارات هو تأهيل أعضاء الحزب لرفع المستوى الثقافي والسياسي، بحيث يكونون قادرين على التعامل في القضايا السياسية، ولم تكن الاختبارات للإقصاء كما ادعى البعض، والدليل على ذلك نتيجة الاختبارات التي بلغت 98%، فأي حزب جماهيري لا يسعي لإقصاء أحد من أعضائه، ولكنه يسعى لضم أشخاص جدد، خاصة أننا مقبلون على انتخابات مجلس الشعب والانتخابات المحلية، والاستفتاء على الدستور.
- هل ترى أن هناك قصورًا أمنيًا ساهم في حدوث هذه المشكلة بسيناء؟
بالطبع فغياب الأمن في سيناء أدى إلى حرية الحركة للجماعات التكفيرية، والأمر يحتاج إلى استعادة الشرطة لهيبتها في مصر بصفة عامة وسيناء بصفة خاصة، وبذل محاولات سياسية لتغيير معاهدة "كامب ديفيد" في حجم التسليح الذي يسمح ببسط السيادة المصرية على سيناء.
- في رأيك كيف يتم النهوض بسيناء؟
لا بد من وضع خطة لتوطين وتسكين المصريين في سيناء، ولا بد من مشروع قومي لا يقل عن مشروع السد العالي وقناة السويس لتعمير سيناء بالبشر، وهي بها أراضٍ هائلة وخيرات كثيرة؛ فكيف لا تستغل استغلالاً مناسبًا يسمح بوجود الكثافة السكانية داخل سيناء التي تمنع الاعتداء عليها، فالذي يغري باحتلال سيناء من القوات الأجنبية بين الحين والآخر هو الفراغ السكاني، فالسلاح الأول قبل أي سلاح مادي في حماية سيناء زيادة الكثافة السكانية بها، ويجب على الأحزاب وكل الهيئات والجمعيات الخيرية أن تقوم بدورها تجاه أهالي سيناء؛ لتعويض الفقر الاجتماعي من خلال الأنشطة المشروعة.