كتبه/ مصطفى دياب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإن من سنن الله الكونية في خلقه اقتراف المعاصي، سواء علم العبد بتلك المعصية أم جهلها، ولذا؛ شرع الله لعباده -امتنانًا منه وتفضلاً- الاستغفار والتوبة.
قال تعالى-: (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا) (النساء:110).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (قَالَ اللَّهُ: يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي؛ غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي؛ غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِى بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا؛ لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (وَاللَّهِ إِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً) (رواه البخاري).
قال علي رضي الله عنه-: "عجبت لمن يهلك ومعه النجاة قيل: وما هي؟ قال: الاستغفار".
وقال تعالى-: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران:135).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (سَيِّدُ الاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ)، قَالَ: (وَمَنْ قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ) (رواه البخاري).
وعن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ: (سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ) (متفق عليه).
أخي الحبيب، إذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يكثر من الاستغفار، فنحن العصاة المذنبون أولى ثم أولى، والله المستعان.
ومن آثار الذنوب والمعاصي:
ظلمة القلب، وحرمان العلم، وضيق الرزق، وقصر العمر، ومحق البركة، واستجلاب غضب الرب، ونزول الكوارث والزلازل والبراكين، ومفارقة حزب الرحمن، ومصادقة حزب الشيطان، وضياع اسم الإيمان، والاتصاف بالفسوق والعصيان.
ولعل من أخطرها أن أثر المعصية لا يقف عند نفسك فحسب، بل يتعدى ليكون آفة تفت في عضد الصف المسلم، وكم من مرة أوتيت الجماعة المسلمة من ذنوب ومعاصي أبنائها! فكان خطر المعصية أشد من خطر العدو، وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يرد عاق والديه من صفوف الجهاد؛ خوفًا من أثر معصيته، وكان يقول: "إنكم لا تنصرون عليهم بعدد ولا عدة، ولكن تنصرون بتقوى الله، فإن كنتم في المعصية سوء هزموكم بعددهم وعدتهم."، فاحذر أن تكون سببًا في هزيمة المسلمين.
وإليك -أخي الحبيب- خطاب ابن عباس -رضي الله عنهما- لأصحاب الذنوب:
"يا صاحب الذنب، لا تأمن عاقبة ذنبك، واعلم أن ما يتبع الذنب أعظم من الذنب نفسه، فإن عدم استحيائك ممن على يمينك وعلى شمالك، وأنت تقترف الذنب -ترتكب الذنب- أعظم من الذنب، وإن ضحكك عند الذنب وأنت لا تدري ما الله صانع بك أعظم من الذنب، وإن فرحك بالذنب إذا ظفرت به أعظم من الذنب، وإن حزنك على الذنب إذا فاتك أعظم من الذنب، وإن خوفك من الريح إذا حركت ستر بابك وأنت ترتكب الذنب ولا يضطرب فؤادك من نظر الله إليك أعظم من الذنب".
أخي الحبيب، التوبة التوبة.. قبل أن تأتي النوبة.
الإنابة الإنابة.. قبل غلق باب الإجابة.
بشرى لأصحاب الهموم:
قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) (الطلاق:2-3)، فمن لزم الاستغفار؛ جعل الله له من كل ضيق مخرجًا، ومن كل هم فرجًا، ورزقه الله من حيث لا يحتسب.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ فِي صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفَارًا كَثِيرًا) (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني).
قال الشاعر:
أنا إن بكيت فلا ألام على البكاء فلطالما استغرقت في العصيان
يا رب إن لـم تـرض إلا ذا تقـى من للمسيء المذنب الحيران؟
قال بعض العلماء: "العبد بين ذنب ونعمة لا يصلحهما إلا الحمد والاستغفار".
وقال ابن القيم -رحمه الله-: "ليس أنفع لأهل البلاء من الصبر والدعاء، وليس أنفع لأهل العافية من الشكر والثناء".
فالذنب يحتاج إلى الاستغفار؛ لأن الاستغفار تكفير الذنوب، والنعمة تحتاج إلى شكر؛ لأن بالشكر تدوم النعم.
إلهـي لسـت للفـردوس أهـلاً ولا أقوى على نار الجحيم
فهب لي توبة واغفر ذنوبي فإنـك غـافر الـذنـب العظيم
ومن صيغ الاستغفار:
أستغفر الله، رب اغفر لي، وتب عليّ.
أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه.
اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجله، أوله وآخره، سره وعلانيته.
رب اغفر لي ذنبي، وإسرافي في أمري وتجاوز عني.
ومن مزايا الاستغفار أنه:
شعار الموحدين الصادقين المخلصين.
سعادة المؤمن وبه تسمو النفوس وتزكو القلوب.
دعاء الأنبياء والمرسلين وبه ترفع الدرجات، وتحط السيئات.
يرضي الرب، ويغضب الشيطان.