السؤال:
- بعض الفقهاء يقول: إن الجزية لا تطبق الآن؛ لأن النصارى يقومون بمحاربة الأعداء مع المسلمين!
- وأيضًا: هناك مَن يقول: إنه لا يجوز أخذ السبايا في الحرب مع الأعداء؛ لأنه انتهى الاسترقاق!
- وهناك مَن يقول بانتهاء جهاد الطلب الآن، وأنه كان في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه الآن أصبحت الدعوة متاحة!
فهل هذا مما سبق له أصل في الشرع أم هو التفاف على الشرع؛ لتمييع الثوابت، وتفريغ الدين من مضمونه، وتعطيل الشرع؟!
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
- فالقول بأن محاربة الكفار ضمن جيوش الدولة الإسلامية سبب لسقوط الجزية قول غير صحيح؛ لأن التشريع العام بنص كتاب الله -تعالى- هو فرض الجزية: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) (التوبة:29)، ولا يجوز لأحد أن يتصور إلغاء تشريع عام بنص الكتاب والسنة برأي بعض الناس، والأصل أن المسلمين لا يستعينون بالمشركين؛ فكيف نجعل القول الذي يخالف نص السنة: (فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ) (رواه مسلم)، سببًا لإلغاء التشريع العام بنص الكتاب والسنة؟!
وقول البعض: "إن أبا عبيدة رد الجزية على بعض النصارى عند العجز عن الدفاع عنهم" مع انقطاع سنده فهو أثر ضعيف، ومع افتراض صحته: لا يصلح دليلاً لجعله تشريعًا عامًا، فيطلب مِن الكفار التجند في الجيوش، وتسقط عنهم الجزية بغير مستند شرعي! بل أقصاه أنه إذا عجز المسلمون عن الدفع عنهم رَدوا عليهم جزيتهم، وليس أنه الأصل!
لكن نقول: ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عاهد يهود المدينة بغير جزية، وعاهد مشركي قريش بغير جزية، ورغم أن هذا قبل نزول آية الجزية، لكن الراجح أنه ليس بمنسوخ، بل هو مُنسأ، مثل: آيات العفو والصفح، والصبر، والمسالمة، فكلها يُعمل بها عند الحاجة إليها.
وقد نص العلماء على جواز موادعة الكفار على مال يُدفع لهم عند ضرورة المسلمين لذلك؛ لدفع صغار أشد من ذلك؛ فبالأولى إذا احتاج المسلمون لضعفهم أن يجاهدوا الكفار بغير جزية فعلوا ذلك بهذه الأدلة -والله أعلم-. أما عند كمال القدرة والتمكين؛ فالواجب مطلقًا العمل بالنصوص الأخيرة النزول.
- وأما القول: بأن الاسترقاق قد انتهى، وأن جهاد الطلب قد انتهى؛ فقائل هذا لا يصح أن يُقال: إنه من الفقهاء! أو يُقال: هذه من زلاته التي غايتها أن تغفر؛ فمن الذي له سلطة إنهاء الأحكام الشرعية الثابتة بالنصوص: القرآنية، والنبوية؟!
قال الله -تعالى-: (وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) (النساء:36)، وقال: (أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) (المؤمنون:6)، في غير موضع مِن "القرآن العظيم"، والسنة كذلك: قولاً، وعملاً، وإقرارًا، والإجماع كذلك منعقد عمليًا ونظريًا على مشروعية الرق؛ فمن يزعم ذلك يجب عليه أن يتوب إلى الله -تعالى-.
- وقال الله -تعالى- في جهاد الطلب: (فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) (التوبة:5)؛ فمن ينسخ هذا وينهيه؟!
- ووجود الدعوة وإمكانها لا يلغي النصوص وينسخها عند أحد مِن أهل العلم، كما أن عجز المسلمين عن القيام ببعض الواجبات لا يُغيِّر وجوبها على مَن قدر عليها.
فليس لهذه الأقوال أصل في دين الله -تعالى-!