بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد؛
تابعت أمانة "مجمع الفقه الإسلامي الدولي" التابع لـ"منظمة المؤتمر الإسلامي" عبر وسائل الإعلام المختلفة ما تردد عن قيام أحد القساوسة المصريين "الأنبا بيشوى سكرتير "المجمع المقدس" للأقباط الأرثوذكس" بالتشكيك في بعض آيات القرآن الكريم، حيث نقل عنه أنه تساءل في نص محاضرة له وُزعت ضمن الكتيب الرسمي لمؤتمر "تثبيت العقيدة" الذي عُقد بمدينة "الفيوم" في 21 سبتمبر 2010 عمَّا إذا كانت بعض آيات القرآن الكريم قد قيلت وقتما قال نبي الإسلام "القرآن" أم أضيفت فيما بعد في عهد عثمان بن عفان، ودعا إلى مراجعتها قائلاً: "الحوار والشرح والتفاهم يجعل الشخص المقابل لك يبحث داخل ذهنه ويفتش حتى يلغي آية تتهمنا بالكفر".
وإن أمانة "المجمع" باسم علماء الأمة الإسلامية، وباسم الشعوب الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها، لـَتعبر عن عظيم استنكارها وشجبها لمثل تلك المزاعم والأقوال والأفكار، وتؤكد على أنها وأمثالها تمثل استفزازًا لمشاعر المسلمين، واعتداء صارخًا على كتابهم الذي له عندهم عظيم المكانة وأجل المنزلة، وأنها لا تصدر إلا عن أنفس حاقدة على "القرآن الكريم"، وعلى الإسلام والمسلمين، بل وعلى البشر جميعًا، مردها إثارة الضغائن والأحقاد والفتن بين الأمم والشعوب، وتقطيع الصلات بين بني البشر الذين قال الله –تعالى- فيهم في قرآنه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات:13)، كما أنها تنبئ عن جهل بمكانة "القرآن الكريم" السامية، ومنزلته العالية.
وهي إذ تستنكر وتشجب؛ لـَتؤكد للعالم بمختلف أجناسه ودياناته وعقائده على حقيقة مسلمة يعلمها أهل الديانات السماوية جميعًا؛ وهي: أن "القرآن الكريم" هو الكتاب السماوي الوحيد العصي على التحريف الذي لم تمتد إليه أيدي البشر بالتغيير أو التحريف بالزيادة أو النقصان؛ لأن الله -تعالى- هو الذي تكفل بحفظه وصيانته عن أي تدخل بشري من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن غيرهم منذ أن أنزله الله -تعالى- على رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى يوم القيامة.
كما تؤكد -أيضًا- على أن "القرآن الكريم" بكل سوره وآياته وكلماته وحروفه هو كتاب الله –تعالى- المنزل على رسوله محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-، وأن صحابته -رضوان الله تعالى عنهم- لم يتدخلوا بالزيادة أو النقصان في نصه المقدس حال جمعه ولو بحرف واحد، وأن دور الخليفة الراشد عثمان بن عفان -رضي الله عنه- لم يزد ولم ينتقص من النص الذي تركه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولو بحرف واحد، وأنه سيظل محفوظًا مصانًا عن أي تحريف إلى يوم القيامة، قال -تعالى-: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9)، وقال -تعالى-: (بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ . فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ) (البروج:21-22)، كما أنه سيظل عزيزًا محاطًا بالقدسية والتعظيم إلى يوم القيامة رغم أنف المتطرفين والحاقدين الذين لن ينالوا من حملاتهم سوى الخسران المبين في الدنيا والآخرة، قال -تعالى-: ( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) (الصف:8).
هذا وإن أمانة "المجمع" تدعو غير المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وبخاصة أهل الكتب السماوية من اليهود والنصارى، لما بينهم من روابط إيمانية إلى أن يتعرفوا على ما يحمله "القرآن الكريم" من قيم رفيعة، ومبادئ سامية، تنبذ العنف والكراهية، وتدعو إلى السلام والتسامح والتراحم بين بني البشر جميعًا، وتؤكد لهم بأنهم إذا فعلوا ذلك؛ أيقنوا أن فريقًا من المتطرفين والحاقدين على الإسلام والمسلمين يقودون مثل تلك الحملات يريدون تضليلهم والتغرير بهم؛ ليحرموهم من نور الحق الذي جاء به الإسلام، وما يحمله من خير للإنسانية جمعاء، وأنهم يحاولون إشعال نار الفتن والعداوات بينهم وبين المسلمين على مر العصور.
كما تدعوهم إلى أن يقفوا بحزم وشدة في وجه التطرف والمتطرفين، وأن لا يتركوهم يقودونهم إلى الأفكار التي تشعل نيران الفتن في مجتمعاتهم وخارجها.
وإن أمانة "المجمع" إذ تبين هذا تتساءل: أليس من الواجب على رؤساء الأديان إشاعة روح التسامح والسلام بدلاً من محاولات إشاعة الفتن والكراهية في المجتمعات الإنسانية.
كما أنها تؤكد للأمم المتحدة على دعواتها السابقة، والتي طالبتها فيها مرارًا وتكرارًا بضرورة إصدار قانون يضع الضوابط والأحكام لحرية التعبير عن الرأي التي صارت سببًا لإيذاء الآخرين، بما يحفظ حرمة مقدساتهم ورموزهم الدينية، وتؤكد لها بأن أي استهانة بمشاعر المسلمين في هذا الصدد سيؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها على السلم العالمي.
وتخاطب المسلمين فرادى وجماعات في مشارق الأرض ومغاربها بأن أمثال تلك المزاعم والأفكار إنما تعبر عن الخوف من المد الإسلامي، والمكانة العظيمة التي للقرآن الكريم والتي تزداد يومًا بعد يوم في نفوس البشر جميعًا، وأن تلك الحملات وأمثالها يجب أن تكون دافعًا لهم إلى جمع الكلمة وتوحيد الصف ونبذ الفرقة فيما بينهم، كما يجب أن تكون دافعًا لهم على زيادة العمل على تعريف الناس بالإسلام العظيم، وما يشتمل عليه "القرآن الكريم"، من قيم فاضلة ومثل عليا تدعو إلى إشاعة السلام والتسامح بين بني البشر جميعًا، وكذا تعريفهم برسالة رسوله الأمين محمد -صلى الله عليه وسلم- وأنه مرسل للناس كافة، قال -تعالى-: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) (سبأ:28)، وأنه رحمة الله للعالمين، قال -تعالى-: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (الأنبياء:107)، وتناشدهم بألا تكون ردود أفعالهم على تلك الحملات وأمثالها سببًا في ارتكاب حماقات تخالف تعاليم دينهم.
هذا وصلى الله وسلم وبارك على رسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلم.