السؤال:
انتشر في أفراح كثير من الأخوات التساهل في كشف أجزاء من أجسامهن بحجة أنهن نساء وأخوات بعضهن مع بعض، وللأسف عمت البلوى بذلك دون نكير من الأخوات اللاتي يُُظن بهن العلم بحجة أن عورة المرأة أمام المرأة من السرة إلى الركبة، فصار كثير من الأخوات يكشفن ظهورهن أو بطونهن وأعالي صدورهن، وأحيانًا تجاوز ذلك ما بين السرة والركبة إلى كشف الأفخاذ، واعتادت الكثيرات ذلك لانتشاره -بالفعل- في أوساط الأخوات الملتزمات، ويحتجون أحيانًا بفعل بنات بعض الإخوة الفضلاء أو الدعاة دون نكير من آبائهن.
هذا فضلاً عن رقصهن أمام بعضهن البعض مما علمنا من فتوى لكم -حفظكم الله- أنه لا يجوز؛ لأنه قائم على تجسيم بعض العورات. فنريد من فضيلتكم نصيحة في ذلك يمكننا توزيعها على الأخوات في الأفراح والمناسبات؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فالقول الصحيح في عورة المرأة مع المرأة ومع المحارم هو ما دل عليه قول الله -تعالى-: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور:31)، فكل مَن ذكر في الآية عدا الأزواج يجوز أن تـُظهـِر المرأة أمامه زينتها الباطنة؛ لأن الزينة الظاهرة ذكرتْ في أول الآية تبدو للأجانب، وهي على الخلاف المشهور: الكحل والخاتم أي: الوجه والكفين، أو الثياب الظاهرة.
أما الزينة الباطنة فهي التي تَظهر للمحارم والنساء والأطفال ومن ذكروا في الآية، وهذه الزينة الباطنة هي: الأساور والخلاخيل، والقرط، والعقد والقلادة، والشعر، والدملج يوضع على العضد؛ فمواضع هذه الزينة الباطنة هي التي يجوز ظهورها، وهي: الذراعان إلى العضد، والساقان إلى الركبة، والرأس بما فيها الأذن والشعر والعنق، وموضع القلادة من الصدر.
وتدل الآية بمفهومها على عدم إبداء المزيد عن ذلك، وكذلك يدل عليه عموم الحديث الصحيح: (الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، ويبقى المستثنى من هذا الأمر وهو الزوج الذي يجوز أن تـُظهِر المرأة جميع بدنها له؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (احْفَظْ عَوْرَتَكَ إِلاَّ مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ) (رواه أبو داود والترمذي، وحسنه الألباني).
وحديث فاطمة -رضي الله عنها- الذي فيه: أَنَّ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَتَى فَاطِمَةَ بِعَبْدٍ قَدْ وَهَبَهُ لَهَا وَعَلَى فَاطِمَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- ثَوْبٌ إِذَا قَنَّعَتْ بِهِ رَأْسَهَا لَمْ يَبْلُغْ رِجْلَيْهَا وَإِذَا غَطَّتْ بِهِ رِجْلَيْهَا لَمْ يَبْلُغْ رَأْسَهَا؛ فَلَمَّا رَأَى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- مَا تَلْقَى قَالَ: (إِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكِ بَأْسٌ إِنَّمَا هُوَ أَبُوكِ وَغُلاَمُكِ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني)، يدل على أن الأصل المعروف عندهن عدم ظهور بدن المرأة أمام المحارم إلا ما استثناه الدليل، والآية سوت بين المحارم والنساء وملك اليمين، كما أن ما ذكرنا من مواضع الزينة الباطنة هو ما يبدو في المرأة حال المهنة للحاجة ويشق عليها ستره في منزلها مع محارمها بخلاف: الصدر، والبطن، والفخذ؛ فإنه لا حاجة إلى كشفها.
من هذا يظهر أن ما تفعله الأخوات من التساهل في إبداء الظهر، والبطن، وأجزاء من الثدي؛ خلاف الصحيح من كلام أهل العلم، ولا دليل صحيح من الكتاب والسنة على أن عورة المرأة مع المرأة هي من السرة إلى الركبة، بل هذا الذي يفعلنه من إبداء العورة المحرم؛ أما الأفخاذ والسرة وما تحتها فلا نزاع في تحريم ذلك -فيما أعلم-؛ إلا للزوج كما -ذكرنا-.
ولذلك لبس البنطلون الضيق الذي يجسم العورة المغلظة أو حتى الفخذ لا يجوز ولو أمام أمها وأختها وسائر نسائها؛ فضلاً عن محارمها الرجال.
وبنات بعض الدعاة أو أخواتهم أو حتى زوجاتهم لا حجة في فعلهن؛ فإذا لم يكن في فعل السلف حجة إلا ما كان موافقًا للكتاب والسنة، والإجماع، والقياس؛ فكيف بهؤلاء؟!
خصوصًا أنه ربما لم يطلع أقاربهن على ذلك؛ لعدم حضورهم هذه المجالس، ولو حضروا ولو لم ينكروا؛ لم يكن في ذلك حجة!
وكفى بالتقليد الأعمى مذمة!
وهذه الأمور مع ما ذكرتَ من الرقص الذي يُجسِّم العورات المغلظة، ويدفع إلى النظر إليها -مما لا يجوز إلا مع الزوج- من أكبر أسباب ضعف الالتزام، وبُعد الكثيرات من النساء مِمَّن لم تلتزم بَعد عن الالتزام؛ للصورة المشوهة التي تظهر من المنقبات والمحجبات.
فأنصح الجميع بتقوى الله، والبعد عن مظان الشبهة؛ وبالأولى البعد عن الحرام، وعدم الترخص بتتبع الفتاوى المخالفة للأدلة بمجرد التشهي؛ فإن هذا باب يجتمع على الشخص فيه الشر كله.
وخاتمة كلامي ما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الْحَيَاءُ مِنَ الإِيمَانِ) (متفق عليه)، (إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ إِذَا لَمْ تَسْتَحِي فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ) (رواه البخاري).
والله المستعان.