كتبه/ محمد سرحان
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فهذا هو الجزء الثالث من السلسلة المباركة -إن شاء الله- "عودة الحجاب"، وهذا القسم الذي اهتم فيه المؤلف بثلاث قضايا أساسية:
الأولى: كيف حمى الإسلام أتباعه من فتنة المرأة، ومن الوقوع في الفواحش.
والثانية: فضائل الحجاب ومساوئ التبرج.
الثالثة: شروط الحجاب، وأدلة وجوب تغطية وجه المرأة. فجاء الكتاب في ستة أبواب، كل باب يحتوي على عدة فصول.
بدأ الشيخ -كما في الجزأين السابقين- بمقدمة ربط فيها بين "عودة الحجاب" إلى وجوه المسلمات والصحوة الإسلامية الناهضة التي أشرقت بنورها كثير من البلاد الإسلامية، فبعد الحملات العسكرية والفكرية للقضاء على هذا الدين وأهله والتي خُيِّل لأعداء الإسلام مِن كثرتها وشدتها أن الأمة مجتمعة قد استجابت لجهودهم وأزمعت أن تودع الإسلام نهائيًّا إلى غير رجعة؛ إذ بالطائفة الظاهرة المنصورة مِن علماء الأمة الربانيين يتصدون عن وعي واقتدار في كل عصر ومصر لأعداء الإسلام، وإذ بشباب في ريعان الصبا وفتيات في عمر الورود ينسابون مِن كل حدب وصوب ينضمون إلى ركب الإيمان, ينادون بالعودة إلى كتاب ربهم وتحكيم شرعه, حاملين أنفسهم وأنفاسهم وأموالهم وأوقاتهم وزهرات شبابهم على أكفهم، باذلين ذلك كله في سبيل إعلاء كلمة الله.
لقد أذهلت الصحوة الإسلامية أعداء الإسلام وأرعبتهم، يعكس ذلك الرعب تصريحات ساستهم وقادتهم، منها ما قاله "بن جوريون" رئيس الوزراء اليهودي الأسبق: "نحن لا نخشى الاشتراكيات ولا الثوريات ولا الديمقراطيات في المنطقة، نحن فقط نخشى الإسلام، هذا المارد الذي نام طويلاً وبدأ يتململ من جديد".
وذكر المؤلف -حفظه الله- طرفـًا من هذه الأقوال والتصريحات، ثم ذكر المبشرات مِن سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التي تبشِّر باقتراب الوعد الحق الذي وعد الله عباده المؤمنين في قوله -تبارك وتعالى-: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (الصف:9)، ومنها ما رواه شداد بن أوس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِيَ الأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا) (رواه مسلم).
إن واقع الصحوة الإسلامية العالمية اليوم يبشِّر أنها أخذت تقترب شيئًا فشيئًا من الوعد المرتقب الذى بشَّر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قوله: (ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ) (رواه أحمد، وصححه الألباني)، وآية ذلك:
أنك ترى الشباب يترقى رويدًا رويدًا ليصل إلى منهاج النبوة، وها هم يحيون الدعوة إلى تحكيم كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- الصحيحة في كل ما يعرض لهم من قضايا ومشكلات.
وها هم يجدِّدون الدعوة إلى نبذ الفرقة والاختلاف والاعتصام بحبل الله والائتلاف بالتمسك بالسنة والبراءة من البدعة.
وها هم ينفضون الغبار عن تراثهم، ويحيون مفاهيم السلف الصالح -رضي الله عنهم- ويجتهدون في أن "يترقوا" إلى منهج السلف الصالح، وأن "يتساموا" إلى أخلاقهم وعباداتهم وجهادهم، وأن "يتقدموا" إلى تصوراتهم التي تلقوها مِن مشكاة النبوة الخاتمة، دونما كدر ولا دخن، أليست هذه أهم خصائص "منهاج النبوة"؟
ثم يعود المؤلف للكلام عن قضية المرأة بين الإسلام والأعداء، ويخص بالذكر الكلام حول القضية موضوع الكتاب، وهي الحجاب وحكم تغطية وجه المرأة والجدل المثار حولها، وربط المؤلف بين الجدل حول هذه القضية ووقت إثارتها، فقال: "لقد راجت هذه القضية في توقيت لافت للنظر من حيث اقترانه بأحداث سياسية جذرية، وتحركات فكرية علمانية، وحملات قمع محمومة، وإجراءات تعسفية حاولوا من خلالها إخفاء هزيمتهم النفسية أمام الصحوة الإسلامية الجارفة، وخنق هذه الدعوة الناشئة ووأدها في مهدها"، وقد كتب الشيخ هذا الكلام في جمادى الآخرة 1409هـ، وانظر اليوم 1431هـ!
ثم شرع الشيخ -حفظه الله- في الباب الأول من الكتاب وهو فتنة المرأة، واحتياطات الإسلام لسد منابع الفتنة بها، وقد أشار القرآن إلى خطر الفتنة بالمرأة، فقال سبحانه: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) (آل عمران:14)، وحذَّر من فتنتها الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فممَّا قال: (مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ) (متفق عليه)، وقال: (فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ؛ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ في النِّسَاءِ) (رواه مسلم)، لذا اتخذ الإسلام التدابير الواقية من هذه الفتنة، وذلك على طريقين:
الأول: الإجراءات الوقائية:
وذكر منها الشيخُ تحريمَ الزنا وبيان أنه خراب للدنيا والدين، وأسهب الشيخ -حفظه الله- في بيان ذلك مؤيدًا كلامه بالآيات والأحاديث والآثار، ومنها منع الزواج مِمَّن عرف أو عرفت بالفاحشة إذا لم يتب، ومنها تحريم قذف المؤمن والمؤمنة بالفاحشة، ووضع الشرع عقوبة زاجرة وهي الجلد ثمانين جلدة، وحرم الله مجرد حب إشاعة الفاحشة، وحظر على الرجل أن يغيب عن زوجته مدة طويلة، ومنها فرض الحجاب على النساء، واعتبار قرارهن في البيت هو الأصل الأصيل في دائرة عملهن، وتحريم التبرج وإظهار الزينة والتجمل للفت نظر الأجانب، ومنها: تشريع الاستئذان، ومنها: الأمر بغض البصر، ومنها: تحريم مس الأجنبية ومصافحتها والخلوة بها، ومنها: تحريم خروج المرأة متطيبة متعطرة، وتحريم الخضوع بالقول، ومن أعظم وسائل الإسلام لتجفيف منابع الفتنة بالمرأة تحريم الاختلاط المستهتر، وهو اجتماع الرجال بالنساء غير المحارم في مكان واحد يمكنهم فيه الاتصال فيما بينهم بالنظر أو الإشارة أو الكلام أو البدن من غير حائل أو مانع يدفع الريبة والفساد، وقد ذكر المؤلف -حفظه الله- تحت كل أمر من ذلك أدلته من الكتاب والسنة.
الثاني: التدابير الإيجابية:
ومنها: الحث على الزواج، والترغيب فيه، وأنه من سنن الهدى وجادة الإسلام، مع النهي عن التبتل والرهبانية، ومنها: الترخيص لمن لم يقدر على نكاح الحرائر أن ينكح الإماء، ومنها: وجوب التعاون بين المسلمين على تزويج عزابهم من نساء ورجال حتى لا يبقى في القرية أو الحي عزب تخشى فتنته، ومنها: أمر الله -عز وجل- من لم يجد النكاح بالاستعفاف.
أما الباب الثاني: فكان عن معنى الحجاب وتاريخه، فذكر من معاني الحجاب أنه ساتر يستر الجسم فلا يشف ولا يصف، أي هو: حجب المرأة المسلمة من غير القواعد من النساء عن أنظار الرجال غير المحارم لها، فالحجاب لفظ ينتظم جملة من الأحكام الشرعية الاجتماعية المتعلقة بوضع المرأة في المجتمع الإسلامي من حيث علاقتها بمن لا يحل لها أن تظهر زينتها أمامهم.
أما السفور لغة فهو: كشف الوجه، وقد خرج اليوم عن معناه في أصل اللغة وتحول إلى التبرج الفاحش والاختلاط المزري بالأجانب -غير المحارم-.
وللحجاب درجات ثلاث بعضها فوق بعض في الحجاب والاستتار:
الأولى: حجاب الأشخاص في البيوت بالجُدُر.
والثانية: خروجهن من البيوت مستورات.
والثالث: خروجهن مستورات الأبدان من الرأس إلى القدم مع كشف الوجه والكفين عند أمن الفتنة عند بعض الأئمة، واتفق جمهور علماء المذاهب في هذا الزمان على وجوب تغطية الوجه والكفين من المرأة؛ سدًّا لذرائع الفساد وعوارض الفتن.
ثم تبع هذا الفصل الثاني عن تاريخ الحجاب عند أهل الكتاب، وقد كان حجاب المرأة معروفـًا بين العبرانيين من عهد إبراهيم -عليه السلام-، فمن النصوص عند أهل الكتاب -وقد ذكر الشيخ خمسة نصوص- في الإصحاح الرابع والعشرين من "سفر التكوين" عن "رفقة" أنها رفعت عينيها فرأت إسحاق، فنزلت عن الجمل وقالت للعبد: "من هذا الرجل الماشي في الحقل للقائي؟"، فقال العبد: "هو سيدي"، فأخذت البرقع وتغطت".
ولقد عرفت العرب في جاهليتها حجاب القرار في البيت ونقاب الوجه، ولعل هذا من بقايا الحنيفية السمحة التى تلقاها عرب الجاهلية عن ملة إبراهيم -عليه السلام-، كما تلقوا منها الختان والعقيقة وغيرهما، وعرف ذلك من خلال آثارهم الأدبية وأشعارهم.
أما الباب الثالث: وهو من أهم أبواب الكتاب فَتَعرض فيه المؤلف لفضائل الحجاب ومثالب التبرج، فذكر مِن فضائل الحجاب أنه طاعة لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-، وأنه من الإيمان لأن الله لم يخاطب بالحجاب إلا المؤمنات كما في قوله -تعالى-: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ) (النور:31)، وقوله: (وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ) (الأحزاب:59)، وهو طهارة لقلوب المؤمنين والمؤمنات، قال -تعالى-: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) (الأحزاب:53)، والحجاب عفة وستر وحياء، وهو يناسب الغيرة التى جُبل عليها الإنسان السوي، وذكر تحت كل فضيلة أدلتها من الكتاب والسنة، مع ذكر نماذج من حياة الصحابيات في حرصهن على الستر والحجاب، ونماذج من غيرة الصحابة -رضي الله عنهم-، وذكر مع ذلك أحداثـًا صنعتها الغيرة، ومواقفَ من غيرة الرجال.
أما مثالب التبرج فهو معصية لله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وكبيرة من الكبائر مهلكة، وأنه يجلب اللعن والطرد من رحمة الله، وهو من صفات أهل النار، وهو سواد وظلمة يوم القيامة، وهو من صفات المنافقين، وهو تهتك وفضيحة وفاحشة وسنة إبليسية، ومن سنن اليهود والنصارى، وهو من صفات أهل الجاهلية، وهو تخلف وانحطاط وباب شر مستطير على الأمة يؤدي إلى شيوع الفواحش وسيطرة الشهوات وانعدام الغيرة واضمحلال الحياء وكثرة الجرائم وفساد أخلاق الرجال خاصة الشباب والمراهقين، ودفعهم إلى الفواحش المحرمة بأنواعها، وغير ذلك من شره على الأمة.
وقد أسهب الشيخ -سلمت يمينه- في بيان هذه المثالب وخطورة التبرج على الأمة وعلى المجتمع وعلى المرأة نفسها وعلى أسرتها.
ويأخذنا المؤلف في الباب الرابع إلى شروط الحجاب، وهي ثمانية:
استيعاب جميع بدن المرأة -على الراجح-، ألا يكون زينة في نفسه، أن يكون صفيقـًا لا يشف، أن يكون فضفاضًا غير ضيق، أن لا يكون مبخرًا مطيبًا، أن لا يشبه لباس الرجال، أن لا يشبه لباس الكافرات، أن لا يكون لباس شهرة.
وذكر أدلة كل شرط، ثم أتبع ذلك بفصل موجَّه إلى الأب والزوج والأم والمرأة المسلمة: أين نحن من الحجاب الشرعي؟ مع تعرضه لقضية خطيرة وهي التبرج المقنع أو حجاب التبرج، وهو نوع من التبرج تزعم صاحبته أنها محجبة، مع نصيحة لها ألا تخدع نفسها بهذا، وأن لا تغتر بأنها أحسن حالاً من صاحبات التبرج الصارخ؛ فإنه لا أسوة في الشر، بل عليها طاعة الله بالتزام ما أمر به في أمر حجابها.
والحجاب هو مسئولية المرأة المسلمة ما دامت عاقلة مكلفة، ثم مسئولية وليها سواء أكان أبًا أم ابنًا أم أخًا أم زوجًا أم غيره، ثم مسئولية الحاكم؛ فإن من واجباته حراسة الدين وسياسة الدنيا بالدين.
ثم كان الباب الخامس وهو أدلة ستر الوجه والكفين من الكتاب والسنة، وهو الباب المعنون به الكتاب "الأدلة"، وقد استغرق هذا الباب وحده مائة وتسعة وأربعين صفحة حشد فيها الشيخ كمًّا ضخمًا من أقوال المفسرين والعلماء القدامى والمعاصرين تحت كل دليل بلغت في بعضها عشرين قولاً.
استشهد الشيخ بسبع أدلة من القرآن الكريم، وهي قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) (الأحزاب:59)، وناقش تحت هذه الآية اجتهاد العلامة الألباني -رحمه الله- في مسألة تغطية الوجه والكفين.
وقوله -تعالى-: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) (الأحزاب:53)، وهى الآية المسماة بآية الحجاب، وناقش تحتها: هل هذا خاص بأمهات المؤمنين أم عام لجميع نساء المؤمنين؟ وبيَّن أن هذا عام لجميع نساء المؤمنين منطلقـًا من قاعدة: "خطاب الواحد يعمُّ حكمه جميع الأمة"، ودلالة ذلك على عموم حكم الجلباب.
أما الآية الثالثة فهي قوله -تعالى-: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفـًا . وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى) (الأحزاب:32-33).
أما الدليل الرابع والخامس والسادس: قوله -تعالى-: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور:30-31)، ووجه الدلالة في قوله -تعالى-: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا)، بيَّن المراد من هذا، وأقوال العلماء في ذلك، وكذلك قوله -تعالى-: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ)، وبيَّن معنى الخمار، وهو على غير ما هو مشهور متعارف عليه الآن من هذا الاسم.
ثم الدليل السادس من قوله -تعالى-: (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ)، وهذه الآية استشهد بها العلامة الألباني -رحمه الله- على وجوب ستر القدمين، قال المؤلف: "ولا ريب أن الفتنة المتوقعة من كشف الوجه أعظم بكثير وأشد ضراوة من فتنة كشف القدمين أو الضرب بالأرجل".
أما الآية السابعة فهي قوله -تعالى-: (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (النور:60).
أما الأدلة من السنة فقسمها الشيخ إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أحاديث استنبط العلماء منها وجوب الحجاب على المسلمات عامة كقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
القسم الثاني: أحاديث تبيِّن حجاب أمهات المؤمنين، ومنها أحاديث استنبط منها بعض العلماء ما يفيد عموم الحجاب لسائر المؤمنات، منها حديث عائشة -رضي الله عنها- في قصة الإفك.
القسم الثالث: أحاديث تفيد مشروعية الحجاب الكامل لسائر نساء الأمة المحمدية، أو تفيد شيوعه في نساء الصدر الأول، أو تفيد منع الرجال من النظر إلى الأجنبيات، وبيَّن فيها المؤلف -حفظه الله- استنباط بعض العلماء لوجوب الحجاب الكامل على سائر المسلمات، منها ما رواه ابن مردويه عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "رحم الله نساء الأنصار، لمّا نزلت: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ) (الأحزاب:28) شققن مروطهن، فاعتجرن بها، وصلين خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كأنما على رؤوسهن الغربان".
أما الباب السادس: فيرد فيه المؤلف على النصوص التى استدل بها المبيحون للسفور، رفع الغشاوة عنها، ودفع الشبهة فيها، ورد على من استغل هذه الشبهات -ممن في قلوبهم مرض ومن هو على شعبة من النفاق- ليبرروا بها دعوتهم إلى ما يسمى بـ"تحرير المرأة"، وقد بلغت هذه الشبهات ستة عشر شبهة.
وبيَّن في الفصل الثاني من هذا الباب المذاهب الفقهية الأربعة في حكم كشف الوجه والكفين، مع التنبيه على أربعة أمور:
أولها: اتفاق المذاهب الأربعة في هذا الزمان على وجوب تغطية وجه المرأة.
وثانيها: إجماع العلماء على مشروعية الحجاب الكامل لبدن المرأة بخلاف من شذ فزعم أن النقاب بدعة لا أصل لها.
وثالثها: أن التزام الحجاب الكامل كان أحد معالم سبيل المؤمنين في شتى العصور رغم قدم الخلاف الفقهي في المسألة.
ورابعها: الحالات التي يرخص فيها بالسفور أمام الأجنبي كالخطبة.
وخامسها: الحكمة من تشريع الحجاب منع الفتنة في كل مراحلها، والدليل على ذلك.
ثم ختم المؤلف كتابه بتذكرة ومعذرة:
أما التذكرة فهي: للمؤمنين والمؤمنات، وأما المعذرة: فإلى الله -تعالى- من المُعرضين والمغرضين المضلين أصحاب العقلية الورقية التافهة الذين يتولون اليوم البحث في قضايا المرأة والحجاب.
فجزى اللهُ الشيخَ خير الجزاء على هذا البيان، وعلى كتابه هذا وغيره ونفع به.
ودونك هذه المجموعة القيمة "عودة الحجاب"، فاجنِ ثمارها الطيبة.
وصلِّ اللهم وسلِّم وبارِك على عبدك ونبيك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.