كتبه/ أحمد الفيشاوي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد خلق الله -تعالى- عباده حنفاء موحدين، فلم تلبث الشياطين أن اجتالتهم عن دينهم، وأوقعتهم في الشرك بأنواعٍ من التأويل الفاسد، فإن الباطل المحض ممجوج مكروه، لا يكاد يركن إليه أحد إلا بالتلبيس ومزج شيء من الحق معه، وإنما أشرك بالله -تعالى- مَنْ أشرك بالتأويل والشبهات، كما قال -تعالى- عن المشركين: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ) (يونس:18)، وقال -تعالى-: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) (الزمر:3)، فلا يكاد يُوجد من العباد من يُنكر وحدانية الله رأسًا؛ فإن الله -عز وجل- قد أودع في فطرهم وعقولهم الإقرار بربوبيته ووحدانيته وعبادته وحده لا شريك له، وأتم ذلك بإرسال الرسل والأنبياء؛ فأقام بهم -صلوات الله عليهم- البيِّنات والحجج، ودحض بنور دعوتهم الشبهات واللجج؛ ليهلك من هلك عن بينة، وَيَحْيَى مَن حَيَّ عن بينة.
وكان من رحمته وتمام عدله -عز وجل-: أن جعل "دعوة التوحيد" التي بعث بها الأنبياء متواترة مشهورة بين جميع الخلق، ولم يجعل ذلك خاصًّا بمن أُوتي كتابًا كاليهود والنصارى، فلا يتوقف العلم بجنس دعوة الأنبياء على كُتب أهل الكتاب؛ بل مهما حُرِّفت كلُّ كتب الأنبياء أو مُحيت من الأرض؛ فالعلم بجنس دعوتهم ثابت بالضرورة وتواتر النقل عنهم.
ومع ذلك فقد أبقى الله -عز وجل- بتلك الكتب من إثبات وحدانيته ونفي الإلهية عن سواه ما هو معلوم مشهور، ولعل ذلك يبقى بكتبهم إلى آخر الزمان؛ فإن ذلك أقوم للحجة، وأقطع للعذر.
ومن أبرز من حرَّف دين الأنبياء من أهل الكتاب وأدخل فيه الشرك الفظيع: النصارى المثلـِّثون؛ فقد صرَّحوا في "قانون إيمانهم"، وشروح عقائدهم، ومجاري ألسنتهم أنهم يعبدون "الأب والابن وروح القدس": الأبُ الذي في السماء، والابن الذي نزل إلى الأرض وتجسَّد بجسد المسيح، وروح القدس الذي حل على المسيح على شكل حمامة! وأن الله الأب نادى من السماء: "هذا هو ابني الحبيب اسمعوا له" يعني: المسيح، وأن الابن إله حق مِنْ إله حق, مساوٍ للأب في الجوهر، أزلي غير مخلوق, وأن روح القدس -أيضًا- إله حق، مسجود له، ومُمجَّد مع الأب والابن.
ولا شك أن هذا الكلام منهم صريحٌ في إيمانهم بأكثر من إلهٍ، وأنهم لا ينتسبون لـ"دعوة التوحيد" التي بُعث بها الأنبياء، إلا أنهم رغم ذلك التصريح البيِّن حاولوا أن يُلصقوا أنفسهم بـ"دعوة التوحيد"، فقالوا: "الثلاثة واحد؛ "الأب" و"الابن" و"روح القدس" إله واحد"!
ولا شك أن هذا من السفسطة والتلبيس، ولو صح هذا التمويه والإيهام؛ لصحَّ لكلِّ من يعبد مع الله إلهًا آخر -صنمًا، أو وثنـًا، أو شمسًا، أو قمرًا، أو غير ذلك- أن يقول: "الأب والصنم واحد"، أو: "الأب والشمس واحد"، أو: "الأب والقمر واحد"، وهكذا كل من يعبد مع الله -الذي يسمونه "الأب"- أحدًا يقول: "هو والأب واحد"!
ومعلوم أن هذا مخالف لدين الأنبياء مع مخالفته للعقل مخالفةً لا مخرج منها، قد نقول: "الأب والابن واحد" بمعنى: أن من أطاع "الابن"؛ فقد أطاع "الأب" الذي أرسله ونحو ذلك، أما أن يقال: "الأب إله حق، والابن إله حق" فهذا تصريح بتعدُّد الآلهة، فكيف يقال: "لا تعدُّد هنا"؟!
لا سيما وعامة فِرَق النصارى المشهورة قديمًا وحديثـًا مُجمِعُون على أن "الأب" غير "الابن" غير "روح القدس"، ومَنْ خالفهم في ذلك وقال: "إن الابن هو نفسه الأب، وهو نفسه روح القدس" - وهي هرطقة "سابيليوس"- رموه بالكفر و"الهرطقة"، وحرموه "المغفرة" و"الملكوت"، مع أنه لم يخالفهم في تأليه المسيح "الابن"، ولا في "التجسد" و"الصلب" و"الفداء"، وإنما أنكر حقيقة "التثليث"، وقال: "إن الله حين خلقنا كان هو "الأب"، وحين تجسَّد؛ ليخلـِّصنا كان هو "الابن"، وحين قدَّسنا وطهَّرنا كان هو "روح القدس"؛ فهي أسماء مختلفة لذات واحدة".
ولا شك أن قولَه وقولَهم فيه مِنْ سبِّ الله -عز وجل- وتنقـُّصه ما فيه، مع تجويزهم جميعًا لحلول الرب في مخلوقاته وتوحُّده ببعض عباده "تجسد الإله".
ولذلك فالنصارى المثلـِّثون يعتبرون من مفاخر القديس "أثناثيوس" -أبرز واضعي "قانون الإيمان"- قوله عن الابن: "مساوٍ للأب في الجوهر" وليس: "واحدًا مع الأب في الجوهر"، وقالوا: إن عبارة: "واحدًا مع الأب في الجوهر" لم تكن لتكفي؛ لأنها لا تعطي انطباعًا بأن هناك جوهر يُسمَّى "الأب" وآخر يسمى "الابن"، فكان "أثناثيوس" يحتاط من هرطقة "سابيليوس" الذي كان ينادي بالأقنوم الواحد أو الجوهر الواحد.
وسبب تناقض النصارى واضطرابهم في "عقيدة التثليث" أنهم يريدون الجمع بين التوحيد الحقيقي والتثليث الحقيقي، ولا شك أنهما متضادان متنافران، فإذا وجد أحدهما؛ غاب الآخر ولابد.
أما وقد صرَّحوا بـ"التثليث" الحقيقي؛ فقد فات التوحيد الحقيقي جزمًا، فلا معنى لادعاء "التوحيد" إلا أن يكون توحيدًا مجازيًّا، بمعنى: أن الثلاثة واحد في استحقاق الإلهية والعبادة، فـ"الأب" إله حق، و"الابن" إله حق، و"روح القدس" إله حق؛ فهذا هو حقيقة قولهم، وهذا هو المقصود الأساسي لنص "قانون الإيمان"، وهذا هو التوحيد الذي كان يحارب عنه "أثناثيوس" طيلة حياته ضد "الهراطقة" سواء الآريوسيين منهم "الموحدين"، أو ضد من يسميهم النصارى: "أنصاف الآريوسيين".
فقد كان كلُّ مَنْ لم يقل بقانون الإيمان "الأثناثيوسي" يُتهم بأنه من الآريوسيين الموحديين، أو على الأقل ممَّن تأثر بأقوال آريوس "الموحد"، وقد كان من هؤلاء "الأنصاف" من يقول بألوهية المسيح، ولكن يقول هو مخلوق، وأن جوهره ليس كجوهر الله "الأب"؛ بل إن جوهره بشري كسائر البشر، وأن الله "الأب" هو الذي رفع منزلته؛ ليكون إلهًا معبودًا مثل أبيه، وكان منهم من يقول نحو ذلك في "روح القدس"، وكان منهم من يقول بالأقنوم الواحد وأن "الأب" هو نفسه "الابن" وهو نفسه "روح القدس"، فكان "التوحيد" الذي يدافع عنه "أثناثيوس" ويجادل عليه: مساواة "الابن" و"روح القدس" لله "الأب" في المنزلة وفي الجوهر، لا في المنزلة فقط كما يقول ذلك بعض من ألـَّه المسيح، مع إصراره على تعدُّد الأقانيم وتمايزها.
هذا هو المعنى الأول والمقصود الأساسي للتوحيد عند "أثناثيوس" وعند واضعي الأمانة والقائلين بها.
وكما هو ظاهر فإن هذا التوحيد مجازيٌّ محضٌ، لا يمتُّ بصلة لوحدانية الله -عز وجل- التي جاء بها الأنبياء، فهو توحيد اعتباري، كما نقول مثلاً: "إن بني آدم كلهم واحد"، أي: باعتبار أصلهم وجوهرهم، فليس هذا توحيدًا في الحقيقة، فدعوى النصارى أن الثلاثة واحد إنما هو بهذا المعنى.
لقد كان واضعو "الأمانة" يعنون حرفيًّا ما يقولون؛ فقولهم عن "الابن": "إله حق مِن إله حق مساوٍ للأب في الجوهر"، وقولهم عن "روح القدس": "مسجود له مع الأب"، ونحو ذلك كانوا يؤكدون به على تمايز "الأب" و"الابن" و"روح القدس"، وأن لكلٍّ منهم ماهية وكينونة ووجود وذات غير ماهية وكينونة ووجود وذات الآخر.
فعبارات "أثناثيوس" في "قانون الإيمان" صريحة مقصودة لم يكتنفها ركاكة ألفاظ أو سوء تعبير، بل هي ألفاظ مقصودة تؤدي معانٍ مقصودة، فمهما حاول النصارى بعد ذلك الادعاء والانتساب لـ"دعوة التوحيد" التي جاء بها الأنبياء؛ فإن "قانون الإيمان" يفضحهم؛ إذ صرَّحوا فيه بثلاثة آلهة متمايزة متغايرة، فلا ينفعهم بعد ذلك ضرب الأمثال على توحد "الثالوث" ولو كان المُمثـَّل به صحيحًا! فكيف لو كان المُمثـَّل به حجة عليهم؟!
فإن الأمثلة التي يضربونها لتوحُّد "الثالوث" لا تخرج عن كونها ثلاثة ذوات بينهم علاقة ما، أو ذات واحدة لها عدة صفات:
أما النوع الأول: فهو حُجَّة عليهم في أنهم يعبدون ثلاثة آلهة؛ إذ مثـَّلوا لعقيدتهم بثلاث ذوات متمايزة متغايرة، كتمثيلهم "الثالوث" بالشمس وشعاعها وحرارتها المنفصلين عنها، فإن هذه ثلاثة ذوات، ولا يقول عاقل أن هذه الثلاثة "واحد"! أما إن قالوا: "الشمس وضوؤها وحرارتها القائمان بها بلا انفصال عنها"؛ فهاتان صفتان من صفات الشمس، فهذا يدخل في النوع الآتي، وعلى كلٍّ فلا يقول عاقل أن ضوء الشمس أو حرارتها أو أيًّا من صفاتها أنها: "شمس حق من شمس حق"! ولا أن الشمس وضوءها وحرارتها "واحد"! ولا أن صفة الشمس أو صفة أي ذات تنتقل؛ لتتحد بذات أخرى!! وعلى كلٍّ فإنهم يُنكرون كون "المسيح" مجرد صفة لله "الأب" كما سيأتي.
أما النوع الثاني: فلا حجة لهم فيه؛ إذ أنه لا يُطابِق عقيدتهم، وهو كتمثيلهم للثالوث بقول المسلمين: "بسم الله الرحمن الرحيم"؛ ففي هذا المثال: أن المسلمين يعبدون ذات واحدة متعددة الصفات، وعامة علماء النصارى بفرقهم المشهورة يُنكرون أن يكون "الابن" مجرد صفة لـ"الأب"، ويعتبرون ذلك من الهرطقات القديمة المندثِرة، ويؤكدون على أن لـ"الابن" جوهرًا وذاتًا كجوهر "الأب" وذاته، وهذا هو صريح أمانتهم؛ فليس لهم في هذا المثال حجة ولو كان مطابقـًا؛ فكيف والمسلمون لا يقولون أن رحمة الله التي هي صفته: "إله حق من إله حق"، ولا أن رحمته تتحد بشيء من مخلوقاته لا "المسيح" ولا غيره؟! ومن شذَّ من فرق المسلمين، وزعم أن الله أو صفته تحل بشيء من المخلوقات؛ ضلـَّله عامة المسلمين كتضليلهم لمن قال ذلك من النصارى.
لقد أدرك علماء النصارى المثلـِّثين منذ عهدهم الأول صعوبة الدفاع عن "الثالوث المتوحِّد"، وأنهم مهما ضربوا له الأمثال؛ بان فساده وامتناعه ولوازمه الباطلة.
فها هو "إغريغوريوس النزيانزي" التلميذ الأثناثيوسي النجيب، والذي تسميه الكنيسة القبطية بـ"الناطق بالإلهيات" يقول عن "التثليث": "لقد تدارست هذا الأمر في عقلي الخاص بتدقيق، وقلـَّبت الأمر من كل الجهات ومن جميع وجهات النظر؛ لأجد بعض النماذج الموضِّحة لهذا الأمر الهامِّ، ولكنني لم أجد شيئًا على هذه الأرض يصلح أن يكون مثالاً لطبيعة "اللاهوت"!
فإذا كانت الفكرة عند أصحابها القدامى ومنظـِّروها الأوائل لا يمكن إدراكها أو تبريرها تبريرًا منطقيًّا سليمًًا؛ فكيف بمن أتى بعدهم؟!
وأرقى ما استعان به آباؤهم الأوائل من المنطق اليوناني: قولهم: "ثلاثة جواهر يجمعهم الجوهر العام الكلي"، وهو لا يتجاوز ما ذكرناه من التوحيد الاعتباري المجازي، وهو كقولنا: "إن البقر والإبل والغنم يجمعهم اسم بهيمة الأنعام"؛ فليس في هذا أي إشارة إلى التوحيد الحقيقي، وإنما هو توحيد في الأذهان فقط، ليس له وجود في حقيقة الأمر، وهو المعروف في "المنطق" بـ"الفصل" و"الجنس".
وما زال الأمر على هذا الحال إلى عصرنا وإلى آخر الزمان، لا يستطيع أحدهم أن يفهم سر اتحاد "الثالوث" فضلاً أن يشرحه لغيره، وأقوال علمائهم وأكابرهم في هذا كثيرة مشهورة.
يقول القس "بوطر": "قد فهمنا ذلك على قدر عقولنا، ونرجو أن نفهمه فهمًا أكثر جلاءً في المستقبل حين ينكشف لنا الحجاب عن كل ما في السماوات والأرض, وأما في الوقت الحاضر ففي القدر الذي فهمناه كفاية"!
ولا ندري: أي قدر هذا الذي حصل به الكفاية؟! لا شك أنه "التثليث" المحض، أما "التوحيد" فلم يفهموا منه شيئًا.
ونزيد الأمر وضوحًا فنقول لهم: إن "الثالوث المتوحد" ليس أمرًا فوق إدراك العقل -كما تزعمون-، بل هو أمر يعلم العقل بطلانه وامتناعه، وشتـَّان بين ما لا يعلمه العقل وما يجزم العقل بفساده واستحالته!
ولو قـُدِّر أن هذا أمر فوق العقل -كما تزعمون-؛ فلِمَ انتحلتم أقوالاً ظاهرها الشرك المحض، وحاربتم وكفـَّرتم من خالفكم، مع أنكم لا تعرفون تفسيرها، ولا تفهمون حقيقتها، وليست ألفاظ أمانتكم منقولة عن المسيح بأناجيلكم؟! فهل هذا إلا من الافتراء على الله، والقول عليه بغير علم؟!
أما اعتذار "بوطر" عنهم بقوله: "ونرجو أن نفهمه فهمًا أكثر جلاءً في المستقبل حين ينكشف لنا الحجاب عن كل ما في السماوات والأرض"؛ فنقول له ولهم: (فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) (الروم:57).
أما أشهر المحاولات لحل لغز "الثالوث المتوحد" وأكثرها شعبية وقبولاً عند عامة النصارى فهي اختراعة "الأقانيم"، فكلما فضحهم الناس بعبادتهم ثلاثة آلهة، وأحرجوهم بذلك؛ قالوا: "لا؛ بل إله واحد ثلاثة أقانيم"! فهل جاء هذا اللفظ بجديد؟ وهل حقـًّا رفع تهمة تعدُّد الآلهة، أم أنه أكَّدها وثبَّتها؟!
لقد عبر "أثناثيوس" في "قانون الإيمان" عن الجوهر باللفظ اليوناني "أوسيا" وذلك في قوله عن "الابن": "مساو لأبيه في الجوهر" وترجم للإنجليزية: "The same essence with the father".
وفي شروحه ورسائله وكتبه كان -أحيانـًا- يستخدم نفس اللفظ: "أوسيا"، وكان -أحيانـًا- يستخدم لفظ: "ايبوستاسيس" كمرادف له، فلا فرق عند "أثناثيوس" ولا عند أهل اللغة بين اللفظين، فكلاهما بمعنى "الجوهر" أو "الذات" أو "الماهية" أو "الكائن" أو "الشخص" أو "القائم بنفسه"، وكلها معانٍ متقاربة، وقد تُرجمت "ايبوستاسيس" إلى اللاتينية: "سبستنتيا" "substantia"، وإلى الإنجليزية: "برسُن" "person"، وإلى السريانية "قنوما".
فلما أراد النصارى ترجمتها للعربية؛ لم يَرُق لهم ترجمتها ترجمة حقيقية معنوية تبين معناها؛ إذ يكون في ذلك تصريح بثلاثة آلهة -أشخاص-؛ فترجموها ترجمة صوريَّة لفظيَّة، واختاروا لذلك لغة مهملة وهي: "السريانية"؛ ليكون ذلك أبعد عن فهم معناها مع أن غالب اصطلاحاتهم الكنسيَّة أصلها يوناني أو قبطي.
إن كل دفاعات النصارى عن "توحد الثالوث" تفضحهم أكثر وأكثر، وتبيِّن أن تثليثهم لا توحيدَ فيه، فحالهم كما قال القائل: "يكاد المريب يقول خذوني"، ولسان حالهم يقول: "المعنى في بطن أثناثيوس"!
ولنعم ما قيل في التثليث:
محالٌ لا يسـاويه محــال وقولٌ في الحقيقة لا يُقـال
وفكرٌ كاذب وحديث زورٍ بدا منهم، ومنشؤه الخيال
ونختم بتلك القصة التي تبيِّن اضطراب عقيدة "التثليث" ولوازمها الباطلة:
قال الشيخ رحمة الله الهندي -رحمه الله-: "نُقل أنه تنصر ثلاثة أشخاص على يد بعض القسيسين، وعلـَّمهم العقائد الضرورية لا سيما عقيدة "التثليث"، وكانوا في خدمته، فجاء صديق لهذا القس وسأله عمَّن تنصر، فقال له: "ثلاثة أشخاص"، فسأل: "هل تعلـَّموا العقائد الضرورية؟"، فقال القس: "نعم"، وطلب واحدًا وسأله عن عقيدة "التثليث"، فقال: "إنك علمتني أن الآلهة ثلاثة: أحدهم: الذي في السماء، والثاني: الذي ولدته مريم العذراء، والثالث: الذي نزل في صورة حمامة على الإله الثاني"! فغضب عليه القس وطرده، وقال: "هذا مجهول"! -؛ لأنه صرَّح بثلاثة آلهة دون أن ينبه على "الاتحاد"-.
ثم طلب الثاني وسأله، فقال: "إنك علمتني أن الآلهة كانوا ثلاثة، وصُلب واحد منهم، فالباقي إلهان"! فغضب عليه القس -أيضًا- وطرده.
ثم طلب الثالث، وكان ذكيًّا بالنسبة إلى الأولين، وحريصًا على حفظ العقائد، فسأله، فقال: "يا مولاي، حفظتُ ما علمتَني حفظـًا جيدًا، وفهمته فهمًا كاملاً بفضل الرب، المسيح الواحد ثلاثة، والثلاثة واحد، وصُلب واحد منهم ومات، فمات الكل بسبب "الاتحاد"، ولا إله الآن، وإلا لزم نفي "الاتحاد"!
فاللهم زينـَّا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين، واحفظ علينا ديننا وعقولنا، وأتمم لنا نورنا، إنك وليُّ ذلك والقادر عليه.