كتبه/ محمد سرحان
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فهذا هو الجزء الأول من سلسلة "عودة الحجاب" لفضيلة الدكتور "محمد بن أحمد بن إسماعيل المقدم" -حفظه الله-، الذي قدم لأبناء الصحوة عامة، والسلفية خاصة العديد من الدراسات ما بين مقروء ومسموع، وتحتل هذه السلسة -عودة الحجاب- مكانة بارزة بينها؛ لشمولها وعظيم أثرها، وثناء العلماء عليها.
ومن ذلك ثناء العلامة ابن عثيمين -رحمه الله- إذ سئل:
فضيلة الشيخ:
رجل متبوع، ويرأس جماعة إسلامية كبيرة، يقول لأتباعه: إن النظر إلى المرأة يجوز، وذلك لأن الله -سبحانه وتعالى- لما قال: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) (النور:30)، أن حرف (مِنْ) هنا تبعيضية أي: غضوا بعض أبصاركم، وأطيلوا النظر إلى المرأة، فإذا جاءت أو حصلت الشهوة فغضوا من أبصاركم، فهل يجوز مثل هذا القول؟؟
الجواب:
"هذه مسألة خلافية، والخلاف فيها مشهور، والصحيح: أنه يجب على المرأة أن تغطي وجهها، ولذلك أدلة مذكورة في موضعها، ويحسُن أن تراجع الكتب المؤلفة في هذا، ومن أوسعها كتاب: "عودة إلى الحجاب" ففيه بحوث جيدة طيبة" لقاءات الباب المفتوح (134).
وكذلك أحال عليها العلامة بكر أبو زيد -رحمه الله- في "حراسة الفضيلة"، وغيرهما كثير...
أما الكتاب: "معركة السفور والحجاب"، فهو القسم الأول من هذه السلسلة التي تحتوي بجانبه على القسم الثاني، وهو: "المرأة بين تكريم الإسلام وإهانة الجاهلية"، والثالث: "الأدلة".
بيَّن الشيخ في مقدمة الطبعة الأولى من الكتاب خطورة المعركة؛ معركة "الحجاب"، وأهميتها بالنسبة للاستعمار وأذنابه، وأما مقدمة الطبعة الثالثة فقد بيَّن فيها أهمية إعادة تقويم الرجال؛ خاصة من هو مشهور منهم عند الناس ببيان حقيقته، وحقيقة دعوته وأعماله، وخطورة ما فعله الاستعمار من تلميع وإشهار من تربوا على أيديهم؛ ليقدموا لنا وللأمة الكفر، والفسوق، والعصيان على "طبق إسلامي"، والصلات الوثيقة بين هؤلاء وبين الاستعمار، وأذنابه وأذياله.
ثم بدأ الشيخ -حفظه الله- في سرد تفاصيل الأحداث بداية من أواخر القرن الثامن عشر وبداية التاسع عشر اللذان شهدا طوفان الاستعمار الغربي العسكري والفكري، وانهزام الأمة الإسلامية، واتباعها أمم الغرب المستعمِر، وهجومه على الشرع الحنيف، وبداية فصول المعركة ضد المرأة المسلمة وعفتها وحجابها؛ لإفسادها، ومِن ثمَّ إفساد الأمة، ولقد كانت البذرة الأولى لهذا هي تلك البعثات التي بعثها "محمد علي باشا" والي مصر إلى فرنسا؛ لتعلم الخبرات والمهارات الفنية لتعود البعثات ومعها إمامها الذي بُعث كمرافق للبعثة واعظـًا وإمامًا الشيخ "رفاعة الطهطاوي"؛ ليبذر البذور الأولى لدعوات التغريب والوطنية القومية بمفهومها المادي المنابذ للرابطة الإسلامية بين المسلمين مهما تباعدت أوطانهم، واستوحى أفكارًا عن المرأة من الحياة الفرنسية أبعد ما تكون عن الإسلام وآدابه.
وقد يتجلى ذلك من مواقفه الجريئة من قضايا: تعليم الفتاة، وتعدد الزوجات، وتحديد الطلاق واختلاط الجنسين حيث ادعى في كتابه: "تخليص الإبريز في تلخيص باريز" ص:305، أن السفور والاختلاط بين الجنسين ليس داعيًا إلى الفساد، وذلك ليبرر دعوته إلى الاقتداء بالفرنسيين حتى في إنشاء المسارح "المراقص" مدعيًا أن الرقص على الطريقة الأوروبية ليس من الفسق في شيء، بل هو أناقة وفتوة، ولم يجد رفاعة لدعوته معارضـًا خاصة وأن حاكم البلاد قد بارك دعوته، وبارك كتابه وما تلاه من كتبه.
وفي سـنـ1894ــة ظهر أول كتاب في مصر أصدره صليبي حقود من أولياء "كرومر" الملقب باللورد، محتميًا بالنفوذ البريطاني، وهو: "مرقص فهمي" المحامي دعا فيه صراحة وللمرة الأولى في تاريخ المرأة المسلمة إلى تحقيق أهداف خمسة محددة، وهي:
1- القضاء على الحجاب الإسلامي.
2- إباحة اختلاط المرأة المسلمة بالأجانب عنها.
3- تقييد الطلاق وإيجاب وقوعه أمام القاضي.
4- منع الزواج بأكثر من واحدة.
5- إباحة الزواج بين المسلمات والأقباط، ولم تكد الضجة من وراء هذا الكتاب تهدأ حتى صدم المسلمون بقذيفة أخرى هي كتاب "المصريون" للدوق "داركير" هاجم فيه المصريين ونساء مصر، وتعدى على الإسلام ونال من الحجاب وقرار المرأة في بيتها، واقتصار وظيفتها على تربية النشء ورعاية الزوج.
ثم جاء بعد ذلك دور فتنة الأجيال وداعية السفور في عهد الاحتلال "قاسم أمين"، ذكر الشيخ -حفظه الله- قصة حياة "قاسم" كاملة، والمراحل التي مر بها، والمؤثرات التي أثرت في حياته وغيرت فكره ومنهجه في الحياة.
قرأ "قاسم أمين" كتاب "داركير" فتألم أشد الألم فألف ردًا بالفرنسية عليه إلا أن رده اتسم بالخنوع والذلة، واستنكر خطة بعض السيدات المصريات اللائي يتشبهن بالأوروبيات؛ فوشى به خصومه إلى الأميرة "نازلي فاضل" أنه يعنيها بهذا التعريض؛ لأنه لم يكن بين المصريات من يفعل ذلك غيرها.
غضبت الأميرة مما فعله "قاسم"، وقالت للشيخ "محمد عبده" قولاً شديدًا، وتهددت وتوعدت، وقد أشير إلى جريدة المقطم لسان حال الإنجليز في ذلك الوقت بتعقب آراء "قاسم أمين" والرد عليه، لكن لم تلبث الحملة أن ألغيت بعد أن اقتنع "قاسم" بضرورة تصحيح خطأه، واتفق معه "سعد زغلول"، و"محمد عبده" على أن ينشر كتابًا يصحح فيه ما قاله، ويؤيد فيه الدوق "داركير"، ويناصر "مرقص فهمي" وهكذا خرج "قاسم أمين" على البلاد بكتابه: "تحرير المرأة" سـنــ1899ـة، دعا فيه إلى نفس ما سبق أن دعا إليه ذلك الصليبي بحذافيره، إلا أنه لم يتعرض لمسألة زواج المسلمات من الأقباط.
وذكر الشيخ -حفظه الله- ظروف تأليف هذا الكتاب وعرضه، وفنَّد ما فيه، وقد جاءت ردود الفعل على هذا الكتاب موجة عارمة من المعارضة ما بين مقالات، وكتب، وأشعار، وغير ذلك... ووقف العلماء والدعاة والمفكرون وقفة شديدة في وجهه ووجه دعوته، وقد ترجم الإنجليز هذا الكتاب ونشروه في مصر، والشام، والهند، وغيرها من البلاد... ولم يلبث "قاسم" حين واجه هذه المعارضة التي أحرجته كثيرًا أن أسفر عن وجهه الحقيقي، وخلع عنه ثوب الحياء وقناع التدين، وكشف في جرأة وصراحة عن أهدافه المغرضة في كتاب ظهر في العام التالي وهو كتاب: "المرأة الجديدة"، وأغلقت أبواب كبار المصريين في وجه "قاسم"، لكن "سعد زغلول" الصديق الحميم الذي كان لا يفارقه والذي صادقه مع غيره في صالون "نازلي فاضل"، فتح له بيته، ولم تكن أفكار "رفاعة الطهطاوي" و"قاسم أمين" وغيرهما... لتأخذ طريقها إلى التنفيذ لولا الدور الكبير الذي لعبه "سعد زغلول" في إبرازها ومساندتها، وتنفيذها.
أبرز الشيخ -حفظه الله- الدور الكبير لـ"سعد زغلول" وخطورة ما فعله في تدمير المرأة المسلمة بتفصيل شديد لابد من مراجعته لأهميته، وأهمية هذه الحقبة الخطيرة من حياة الأمة، وتعرض في ثنايا ذلك إلى ثورة عام 1919 وبدايتها، وتحول طريقها من الخروج من الأزهر إلى تحويلها على يد "سعد زغلول" إلى ثورة وطنية ترفع راية تعانق الهلال مع الصليب، والشيخ بجوار القسيس، وهكذا... !! وقصة: "نزع النقاب من على وجه هدى شعراوي"، وقصة: "ميدان التحرير بالإسماعيلية" التي كانت فيه مظاهرة النساء، وحقيقة "سعد زغلول" كزعيم ملهم، لمع وشهر؛ ليؤدي الدور المرسوم له بدقة، وتتبع أيضًا دور الشيخ "محمد عبده" وحقيقة دعوته هو و"الأفغاني" في ميزان الإسلام.
لقد كان سعد زغلول هو المنفذ الفعلي لأفكار "قاسم أمين"، ولا يقل تحمسًا عنه في إفساد المرأة المسلمة،ـ وذكر الدكتور "محمد إسماعيل" طرفـًا من ردود العلماء، والشعراء على هذه الدعوة، والمواجهات التي ووجهت بها أمثال: "محمد طلعت حرب"، و"مصطفى كامل"، و"محمد فريد وجدي"، وشيخ الإسلام "مصطفى صبري"، وعلماء الأزهر، وغيرهم... ممن تصدى لهذه الحملة على المرأة المسلمة.
ثم ذكر الشيخ -حفظه الله- دور الحرب الصليبية الحديثة والاستعمار في هذه الدعوة، ودور "صفية زغلول"، و"هدى شعراوي" وقصتها كاملة بتفاصيلها، ولقاءات "هدى شعراوي" بـ"موسوليني" و"كمال أتاتورك"، وأيضًا دور "درية شفيق" المرأة الغامضة تلميذة "لطفي السيد" التي ماتت منتحرة! وكذا "أمينة السعيد".
ثم عقد الشيخ فصلاً طويلاً عن دور الصحافة في هذه الحملة على المرأة المسلمة مشيرًا إلى أهم الصحف والمقالات، والصحفيين، ثم عقد فصلاً يليه؛ عبارة عن وقفة مع بعض دعاة ما يسمى بـ"تحرير المرأة"، وهم: "إحسان عبد القدوس"، و"نجيب محفوظ"، و"مصطفى أمين"، و"نزار قباني"، و"زكي نجيب محمود"، وبيَّن حقيقة هؤلاء ودورهم، ثم تلا ذلك بموقف الإسلام من دعاة تحرير المرأة، ثم عقد فصلاً كاملاً عن "عميد التغريب" في الفكر المعاصر: "طه حسين"! ودوره فيما سموه: "تحرير المرأة"، وجرائمه في حق الإسلام؛ بيَّن فيه آرائه المخالفة لدين الله -تعالى-، وقصة حياته، والمؤثرات التي أثرت فيه، ومساندة الاحتلال الإنجليزي له، ودور العلماء، بل وطلبة الجامعة المصرية في ذلك الوقت في مواجهته، ودور الأدباء والشعراء في صد دعوته.
ثم ذكر الشيخ -حفظه الله- هذه الدعوة في تركيا، وإيران، وأفغانستان، والجزائر، وغيرها من بلاد المسلمين، ثم عقد فصلاً عن ظهور الحركات النسائية في ظل النظام الجمهوري.
ثم ختم الشيخ كتابه ببيان رجوع المرأة المسلمة إلى حجابها وتمسكها به، وعودة المجتمع المصري وغير المصري إلى الحجاب، وظهوره مرة أخرى في كل مكان، وكذا هذه الصحوة الإسلامية المباركة التي عمت أرجاء الأرض، ومناحي الحياة.
فاللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر كل من يريد السوء بالإسلام والمسلمين، وصلِ اللهم وبارك على عبدك ونبيك محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.