الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فمع هبوب نسيم الشهر الفضيل تتحرك الذكريات، وتحلِّق القلوب في سماء الإيمان، وهي بين ذكرى لما مضى، ورغبة في مزيد من القرب إلى الله -عز وجل- فيما بقى.
وها نحن نقف مع ذكريات وآمال ونصائح للمسلمين ولأبناء الدعوة يوجهها أحد المشايخ الفضلاء، وهو فضيلة الشيخ عصام حسنين - حفظه الله- من خلال هذا الحوار الذي أجراه معه موقع صوت السلف.
صوت السلف: ما هو الشيء الذي تمنيتموه في رمضان العام السابق ولم يحدث وتتمنوا أن لو رأيتموه هذا العام؟
عصام حسنين: أتمنى أن يزيد الإخوة من اهتمامهم بالدعوة الفردية في المساجد من حسن استقبال المصلين، وتقوية الأواصر، وربطهم بالمسجد.
- وأتمنى إعطاء مزيد اهتمام للناشئة بعقد حلقة قرآن لهم، ويوجهون من خلال القرآن لأخلاقه من خلال آياته وقصصه.
صوت السلف: ما هي الفرص المتاحة لتقوية أواصر الأخوة بين الإخوة في هذه الأيام؟
عصام حسنين: نعم. فالله -تعالى- يقول: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات:10)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا) (متفق عليه)، وقال: (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ) (متفق عليه)، ويقول: (الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا) (متفق عليه).
فأمة الإسلام كالنفس الواحدة، كما قال الله -تعالى-: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) (المؤمنون:52)، وقال -تعالى-: (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) (الحجرات:11)، ومعلوم أن الإنسان لا يعيب نفسه إنما يعيب غيره، فدل ذلك على أن أهل الملة الواحدة كالنفس الواحدة، وكذلك يقول الله -تعالى-: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ) (الإسراء:53)، فشياطين الإنس والجن تسعى للإفساد بين المؤمنين خاصة الملتزمين، والداعين إلى الله -تعالى-، المتعاونين على البر والتقوى.
وإذا كان الأمر كذلك فينبغي علينا جميعًا أن نأخذ بأسباب تقوية أواصر الأخوة بيننا:
أولاً: أن نجعلها لله وفي الله، وما كان لله يبقى، وما كان لغيره ينتهي.
ثانيًا: الدعاء.
ثالثـًا: ترك الذنوب والمعاصي فهي سبب الوحشة بين المرء وإخوانه.
رابعًا: الأخذ بزيادة الإيمان حتى لا يجد الشيطان مجالاً للإفساد بين الإخوة.
خامسًا: التعاون على البر والتقوى فإن الله -تعالى- يقول في الحديث القدسي: (وَحَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلَّذِينَ يَتَنَاصَرُونَ مِنْ أَجْلِي) (رواه أحمد).
وتمتد هذه المحبة إلى أن يحب بعضهم بعضًا، وهذا واقع فتجد المتناصرين لله -تعالى- بينهم من الحب والمودة، وإن اختلفت ديارهم وإن تباعد زمان الزيارة بينهم، ما لا يوجد بينهم وبين غيرهم.
وشهر رمضان فرصة عظيمة لتقوية هذه المحبة في الله -تعالى- بالتعاون على البر والتقوى، ووسائل التعاون كثيرة، فالله المستعان، ونسال الله -تعالى- أن يرزقنا حبه وحب من يحبه، وحب كل عمل يقربنا إلى حبه، ونسأله -سبحانه- ألا يجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
صوت السلف: تواجه عقيدة الولاء والبراء حملات شرسة لإضعافها في نفوس الأمة فما هو دور رمضان في إحياء هذه العقيدة؟
عصام حسنين: إن عقيدة الولاء والبراء ركن من أركان التوحيد ومقتضى كلمة التوحيد، فهي ولاء وبراء، ونفي وإثبات، ولاء لله ولكتابه ولرسوله وللمؤمنين، وبراء من الكفر وأهله، من كانوا ومهما كانوا؛ حتى يؤمنوا بالله وحده.
- هذه العقيدة التي تحفظ للأمة دينها، وقوتها وتمكينها، بل واقتصادها وأرضها وإذا وقع فيها خلل أدى إلى فساد كبير؛ قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) (الأنفال:73)، وإذا نظرنا إلى واقعنا اليوم نرى خللاً عند كثير من المسلمين في هذه العقيدة؛ بسبب الحرب الضروس التي تشن عليها من العدو في الخارج، ومن أوليائه في الداخل، إما عن عمد، وإما عن جهل، ليسهل سيطرة الغرب على المسلمين واحتلال أرضهم ونهب خيراتهم وفتنتهم عن دينهم كما قال الله -تعالى-: (وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) (الممتحنة:2)، وقال الله -تعالى-: (وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) (البقرة:217).
- وهذه العقيدة هي التي تفسر لنا حقيقة الصراع بين الكفار والمسلمين، وبين الغرب الصليبي والشرق المسلم: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) (البقرة:120).
- وإذا كان الأمر كذلك فالمسؤولية على عاتق العلماء والدعاة إلى الله -تعالى- كبيرة، توجب عليهم أولاً: الوعي بهذه الحقيقة، ودراسة قضية الولاء والبراء دراسة جيدة وإنزالها على الواقع بفهم صحيح بعيدًا عن الإفراط أو التفريط، والوقوف على هذه الثغرة، ومضاعفة الجهد، للمحافظة على عقيدة الناس؛ لأن تذكير الناس بما هم عنه غافلون من الواجبات مستشعرين الميثاق الذي أخذه الله على أهل العلم: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) (آل عمران:187).
وقوله -تعالى-: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) (لقمان:17).
- وتذكير الناس بها من خلال آيات ربنا -تعالى-، وأحاديث نبينا -صلى الله عليه وسلم-، بفهم علماء الأمة الثقات الذين يسيرون على منهج سلف الأمة -رحمهم الله-، ويأتي علينا شهر رمضان اللهم بلغنا إياه-، وهو فرصة للتذكير ولتثبيت هذه العقيدة في نفوس المصلين من خلال ما يتلى من آيات في صلاة التراويح وسيكون التذكير بها يوميًا إذا كانت الكلمة بين التراويح من الآيات التي تتلى في الصلاة بذكر ما تضمنته الآيات من فوائد وأحكام.
- ولنضرب مثلاً ذكره الله -تعالى- في سورة الممتحنة يوضح هذه العقيدة بجلاء، بعدل وقسط وبوسطية بعيدًا عن الإفراط أو التفريط؛ فلقد بدأ -تعالى- السورة بنهي المؤمنين عن اتخاذ الكافرين أولياء: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ . إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ . لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ . قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ... ) (الممتحنة:1-4).
والمودة من معاني الموالاة، ثم بغَّض الكفار إلى المؤمنين بقوله: (عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ) و(وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ) و(يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ).
ثم بيَّن حقيقة الصراع بين الكفر والإيمان (أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ)، فالجريمة -في نظر الكفار- التي ارتكبها المؤمنون إيمانهم بالله -عز وجل- ربهم، ثم حذر -تعالى- المؤمنين من موالاة الكفار بقوله: (وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ).
ثم يبغضهم -تعالى- إلى المؤمنين أيضًا ويحضهم على التبرؤ منهم بقوله: (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ)، ثم ضرب الأسوة الحسنة للمؤمنين بقوله: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ... )، فهذه هي الغاية: (حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ).
وحذر الله -تعالى- من التولي والإعراض عن هذه العقيدة، وأن من تولى فسيستبدل الله خيرًا منه: (وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (الممتحنة:6).
وبيَّن الله -تعالى- أن هذه المعاداة مستمرة حتى يؤمنوا بالله وحده، وإن فعلوا جعل الله بينكم وبينهم مودة، فالبغض يعود محبة، والبراء يعود موالاة إذا آمنوا.
- ثم بيَّن الله -تعالى- أن هذا البراء ليس معناه الظلم أو العدوان، وإنما نعاملهم بالبر والإقساط طالما لم يقاتلونا أو يخرجونا أو يظاهروا على إخراجنا: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة:8)، أما إن كانوا بغير هذا الوصف فقد نهانا -تعالى- عن موالاتهم، وقال: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الممتحنة:9).
- هكذا تعرض القضية كما بينها ربنا -تعالى- وينبغي تأصيل قضايا الاعتقاد والكلام عن محاسن شريعة الإسلام، وتعميق الإيمان بالله واليوم الآخر، خاصة في نفوس الناشئة والشباب، والله -تعالى- أعلم.
صوت السلف: يقتصر بعض الدعاة في هذه الأيام على طرح المعاني الوعظية فهل هذا يكفي مراعاة لكون الشهر شهر عبادة وصوم؟ أم أن الأولى استغلال الشهر في تعليم الناس القضايا الأساسية التي تغيب عنهم؟ ولو كان الأمر كذلك فما هي هذه القضايا؟
عصام حسنين: الداعي ينطلق في دعوته من شمولية شريعة رب العالمين، ويأمر بالمعروف إذا ظهر تركه، وينهى عن المنكر إذا ظهر ارتكابه، ويحض الناس على طاعة الله -تعالى- ويحذرهم من معصيته، ويؤصل في نفوسهم قضايا الاعتقاد وأصول الإيمان، وبالجملة يدعو إلى دين الله -تعالى- بحسب واقعه ومكانه، وأن يراعي طبقات المدعوين وأن تشتمل موعظته أو خطبته أو كلمته على أصول الدعوة الثلاثة: التوحيد والاتباع، والتزكية.
ولابد من معالجة الواقع، ومتابعة الأحداث؛ لأن المكر إذا ظهر ولم ينكر أضر العامة، ولكل ساقطة لاقطة، ولابد من الكلام عما يغفله كثير من المسلمين حتى يعلم الجميع أن شريعة الله -تعالى- صالحة لكل زمان ومكان، وشاملة كاملة لا نقص فيها، لا كما يردد العلمانيون الزنادقة على صفحات الجرائد وشاشات الفضائيات، وأنهم يجب أن يعيشوا بشريعة أرحم الراحمين، وأن يتحاكموا بها وإليها.
- وهنا مكمن الخطورة أن الكلام والتركيز على بعض قضايا الوعظ يظهر الدين بصورة العاجز عن معالجة قضايا الحياة، أو أن الشريعة غير صالحة، ونساعد بذلك على اللمز في شريعة الله -تعالى-، وما كان يعاب على شيوخ الأوقاف وما تابع ذلك من انصراف الناس عنهم صار عيبًا فينا -نعوذ بالله من ذلك-.
- وأيضًا قد يؤدي هذا الخطاب المتواصل في مسائل الوعظ والتخويف بالنار أن يؤدي إلى الملل والرتابة، وعدم تأثر النفوس بذلك إلا تأثرًا وقتيًا سرعان ما يزول مع قناة أخرى أو فيلم أو بمجرد خروجه من المسجد، وإنما هذا يكون متخللاً الخطبة أو الكلمة التي تجمع الأصول الثلاثة كما بيَّنا قبل، أو يكون من حين لآخر كالملح في الطعام وكما قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِي الأَيَّامِ مَخَافَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا" (متفق عليه).
وكما قالت عائشة -رضي الله عنها- لعبيد بن عمير -رحمه الله-: "خفف فإن الوعظ ثقيل".
- ومن القضايا الأساسية التي يحتاجها الناس:
- قضايا العقيدة: الإسلام والإيمان، وتربية الأولاد على منهج النبوة، تصيح الاتباع، الولاء والبراء، والعمل للدين.
المعاملات المالية، وعلم الأحكام عمومًا "الفقه"، فضل الصحابة -رضي الله عنهم- والتحذير من الرافضة وإظهار عوارهم، محاسن الشريعة، وقضية التغريب والتحذير من العلمانية والمنافقين، والله -تعالى- أعلم.
صوت السلف: رمضان شهر خلوة وصيام وتبتل، فهل هناك تعارض بين هذا وبين بذل الجهد في الدعوة إلى الله في رمضان؟
عصام حسنين: نعم. شهر رمضان زمان فاضل شريف، ضيف مضياف، ينزل قليلاً ويرحل سريعًا، وينبغي على كل واحد منا أن يغتنمه، وألا يضيع شيئًا من ساعاته سدى، فيكون للواحد منا أوقات خلوة وعبادة وانقطاع إلى الله -تعالى-، وأوقات للدعوة إلى الله -تعالى-، والتعاون على البر والتقوى، وهذا من العبادة كما هو معلوم، قال الله -تعالى-: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (فصلت:33)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الدَّالُّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).
ولا تعارض إطلاقـًا بين النفع القاصر "أي على نفسه"، وبين النفع المتعدي إلى الآخرين بدعوتهم وتعليمهم، بل الثاني يكون فرضًا في بعض الأحيان في أوقات ظهور المنكر وعدم أو قلة من يأمر وينهى.
- وأما ما ورد عن بعض السلف أنهم كانوا يغرون من مجالس الحديث إلى مجالس القرآن، فهذا يسعهم في زمانهم أو لوجود من يعلم الناس وقلة المنكرات؛ ولأن واقعهم ليس كواقعنا اليوم إطلاقـًا، ولو كانوا في زماننا -رحمهم الله- ما ناموا الليل وما هدأوا بالنهار من تغييرهم لهذا الواقع، فقد ورد عن الإمام الثوري -رحمه الله- أنه كان يبول الدم إذا مر بمنكر ولم يستطع له تغييرًا.
ومالك بن دينار -رحمه الله- كان يقول: "لو استطعت أن لا أنام لم أنم مخافة أن ينزل العذاب وأنا نائم، ولو وجدت أعوانـًا لفرقتهم في سائر الدنيا كلها: أيها الناس: النار.. النار"، أي: احذروها، والله أعلم.
صوت السلف: القرآن منهج حياة؟ فكيف يمكن للدعاة ترسيخ هذا المعنى في نفوس المقبلين على المساجد في رمضان؟
عصام حسنين: نعم. القرآن منهج حياة: (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ) (الأعراف:3)، (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام:162-163)، (أَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ) (المائدة:49)، (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ) (الشورى:52-53).
وهذا معنى ينبغي تأصيله في نفوس المسلمين لإزالة غبار العلمانية التي علق بقلوب الكثير منهم نتيجة حملات الزنادقة الشرسة على شريعة أحكم الحاكمين حتى غاب معنى: القرآن منهج حياة، عن حياة كثير من المسلمين.
وهذا يكون من الدعوة المستمرة لذلك، وربط المسلمين بكتاب ربهم -تعالى-، من خلال الخطب والدروس وحلقات التحفيظ وغير ذلك.
- وإن من الفرص السانحة لترسيخ هذا الاعتقاد ليصبح سلوكًا عمليًا شهر رمضان؛ لأن الناس ولله الحمد يقبلون على المساجد وعلى تلاوة القرآن فيقوم الأخوة في المساجد بـ "عقد حلقات لتحفيظ القرآن وتفسيره.
- درس العصر يكون بقراءة آيات وتفسيرها، والكلمات خلال صلاة التراويح من الآيات التي تتلى في الصلاة عقيدة وعملاً وسلوكًا.
- وعقد مسابقة في حفظ سورة للرجال والنساء والناشئة، والله المستعان.
صوت السلف: ينتقل بعض الإخوة ـومنهم مؤثرون في الدعوةـ بين المساجد طلبًا للقارئ حسن الصوت فما هي رؤيتكم لهذا التصرف؟
عصام حسنين: هذا في الحقيقة مشكلة، وآفة من الآفات التي تنمو رمضان بعد رمضان، ولها آثار سلبية خطيرة على من يفعلها، وعلى الإمام حسن الصوت الذي يأتيه هؤلاء الإخوة من هنا وهناك، حتى أن أحد الإخوة ممن نحسبهم على خير، استفتاني في ترك الصلاة بالناس، وقال: أنا لا أشعر بالقرآن وأصلي لمن ورائي!!
نعم. إنه بشر، وإنها فتنة يخافها على نفسه، وينبغي على كل منا أن يجاهد فليتقوا الله -تعالى- في أنفسهم وفي إخوانهم!
- والحل لهذه الآفة في نظري يكون بإشاعة العلم الشرعي بـ"شروط الإمامة ومعنى حسن الصوت بالقرآن وكيفية تدريب النفس على الخشوع دون نظر للقارئ، والتربية على الشعور بالمسؤولية الدعوية، وعلى الفرق بين النفع القاصر والنفع المتعدي، وبهذا -إن شاء الله- مع الصبر وعدم الملل وقلة الاكتراث بمن يأبى ذلك سيقلل من هذه الظاهرة، والله المستعان.
صوت السلف: ما هي نصيحتكم للإخوة في التعامل مع المفطرين في رمضان؟
عصام حسنين: هي دعوتهم برفق وبالحسنى، ودعوته بتعظيم الله -تعالى- عنده، وتعظيم حدوده، وإرشاده إلى الأسباب المعينة على الصوم والصبر عليه، وأن أبى رهبه بقوله -صلى الله عليه وسلم-: (بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان فأخذا بضبعي وأتيا بي جبلا وعرا فقالا لى اصعد فقلت إني لا أطيقه فقالا إنا سنسهله لك فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل إذا أنا بأصوات شديدة فقلت ما هذه الأصوات قالوا هذا عواء أهل النار ثم انطلقوا بي فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم مشققة أشداقهم تسيل أشداقهم دما قلت من هؤلاء قال هم الذين يفطرون قبل تحلة صومهم فقال أبو أمامة خابت اليهود والنصارى) (رواه الطبراني وابن حبان وابن خزيمة، وصححه الألباني).
هذا عذاب من يفطر قبل غروب الشمس معتمدًا في قبره -عياذاً بالله- فكيف بعذاب من تعمد الفطر ويصر على ذلك! والله أعلم.
صوت السلف: ماذا يمثل رمضان للأقليات الإسلامية في الخارج؟ وكيف يؤثر في حياتهم وفي تعاملاتهم مع غير المسلمين؟
عصام حسنين: شهر رمضان للأقليات المسلمة في الخارج له منزلة كبيرة وطعم خاص عندهم، ويفرحون به جدًا؛ لأنهم يشعرون بأنهم أمة واحدة، يجتمعون في المسجد ويتلاقى بعضهم ببعض عند الإفطار وفي الصلاة.
ونصيحتي: أن يغتنموا هذا الضيف الكريم، وأن يتعرضوا لنفحاته، وأن يودعوه حتى يتوفر لهم الوقت للذكر وتلاوة القرآن والاعتكاف والصيام.
وينبغي لهم أن يتحفظوا لصومهم وأن يتخلقوا بأخلاقه وأن يظهروا صومهم في أماكن المجتمع المختلفة وأن يجد في عمله وأن يظهر الجلد حتى ينفي عن أذهان الكفار أن الصوم مدعاة للكسل وترك العمل.
- وينبغي أيضًا أن ينشطوا ويبذلوا من أوقاتهم وأموالهم في الدعوة إلى الله -تعالى-.
واعلموا أن العالم الكافر ينتظركم، وأن هذا أوان الإسلام؛ لأنهم يئنون من أوضاعهم الفاسدة نتيجة كفرهم.
- وينبغي عليكم أن تهتموا بأولادكم وأن تعودوهم الصوم والصلاة وتلاوة القرآن وحفظه وتفسيره، وأن تنشئوهم على حب الله، وحب القرآن، وحب الرسول -صلى الله عليه وسلم- وحب الصحابة -رضي الله عنهم-، وتقبل الله منا ومنكم.
صوت السلف: طول فترة النهار وشدة الحر... كيف سيؤثر ذلك على تدريب الأبناء على الصيام وكيف يمكن التعامل مع هذا الأمر؟
عصام حسنين: المسؤولية كبيرة على الوالدين تجاه أولادهما: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) (التحريم:6)، (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ رَاعٍ، وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ، وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهْيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا... ) (متفق عليه)، ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلاَةِ لِسَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِى الْمَضَاجِعِ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني).
وقاس العلماء الصيام على الصلاة؛ ليعتادوه في الكبر، ويكون ذلك بالتشجيع عن طريق عقد جائزة في آخر الشهر، وأن نهيئ لعبًا مباحة في البيت "الكمبيوتر وغيره"، ليلهى بذلك عن الطعام والشراب.
- وقبل رمضان يُكلم عن فضل رمضان، الاستعداد له، ولا بأس بزينة البيت لذلك، ليعظم شهر رمضان في نفس الطفل.
- ولا بأس أيضًا -إن كان صغيرًا أن يسحر- يفهم أنه السحور في الصباح، أو يصوم إلى الظهر أو العصر ورويدًا رويدًا يعود حتى يعتاد كمال الصيام.
والله -تعالى- المسئول أن يوفقنا لما يحب ويرضى وأن يتقبل منا صالح أعمالنا، وأن يصلح لنا أولادنا. آمين.
صوت السلف: لا يأتي رمضان إلا والمسلمون يعانون من نكبة أو جرح هنا أو هناك فما هو واجبنا تجاه إخواننا لاسيما في هذه الأيام المباركة؟
عصام حسنين: من معاني الموالاة التي تكلمنا عنها قبل: المودة والنصرة للمؤمنين مهما تباعدت ديارهم أو اختلفت أجناسهم، ولغاتهم؛ قال الله -تعالى-: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ . وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) (المائدة:55-56)، وقال الله -تعالى-: (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ) (الأنفال:72).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ) (متفق عليه)، لا يخذله في موطن يحب نصرته، أو يسلمه للعدو، ويقول: لا شأن لي بك كما يريد دعاة القومية والوطنية والمواطنة؛ فالمسلم أخو المسلم، وهذا يوجب علينا النصرة، ومن النصرة: الدعاء (هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلاَّ بِضُعَفَائِكُمْ) (رواه البخاري)، أي بدعائهم وصلاحهم.
ودعوة الصائم مستجابة فاجعلها لإخوانك المسلمين المستضعفين في كل مكان.
ومن ذلك: التعريف بقضاياهم، ومساعدتهم بما هو مستطاع؛ الذي تتحقق به المصلحة وتندرأ به المفسدة، وبدون ضرر، والله المسئول أن ينصر الإسلام ويعز المسلمين.
وفي الختام:
أسأل الله لنا ولكم بلوغ رمضان، وأن يوفقنا فيه لما تحب ويرضى، وأن يتقبله منا، آمين.
ومن النصرة: ترك الذنوب والمعاصي منا ومنهم، فقد قال الله -تعالى-: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (الأنفال:53)، وقال الله -تعالى-: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) (الشورى:30)، ومن ذلك أيضًا كثرة التضرع إلى الله -تعالى-: (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ) (المؤمنون:76).