الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فمع هبوب نسيم الشهر الفضيل تتحرك الذكريات، وتحلِّق القلوب في سماء الإيمان، وهي بين ذكرى لما مضى، ورغبة في مزيد من القرب إلى الله -عز وجل- فيما بقى.
وها نحن نقف مع ذكريات وآمال ونصائح للمسلمين ولأبناء الدعوة يوجهها أحد المشايخ الفضلاء، وهو فضيلة الشيخ سعيد الروبي -حفظه الله- من خلال هذا الحوار الذي أجراه معه موقع صوت السلف.
صوت السلف: ما هي ذكرياتكم لأول رمضان مر عليك بين إخوانك في الله، وماذا تفتقد من ذلك الآن؟
سعيد الروبي: لا أذكر تحديدًا أول رمضان مر عليّ بين إخواني في الله؛ فالعهد بعيد، ولكن أذكر أيام الاعتكاف والخباءات، ورقة القلوب، والبكاء والاجتهاد، وهذا ما نفتقده الآن.
صوت السلف: ما هو الشيء الذي تمنيتموه في رمضان العام السابق ولم يحدث وتتمنوا أن لو رأيتموه هذا العام؟
سعيد الروبي: أتمنى لو طرقنا كل بيت فيه رجال أو شباب لم يحرصوا على صلاة التراويح في المسجد؛ لنذكرهم ونشجعهم ونأخذ بأيديهم، وأتمنى لو وجهنا نصيحة إلى الباعة والتجار؛ ليحافظوا أيضًا على صلاة التراويح قبل أن يتوجهوا لبيعهم ومصالحهم.
صوت السلف: رمضان هذا العام أطول نهارا وأقل ليلا فما هي نصيحتكم للعابدين لحسن استغلال ذلك؟
سعيد الروبي: فرصة لا للاستزادة من قراءة القرآن فقط، ولكن لتعلم تفسيره من الكتب المعتمدة الموثوقة السلفية كـ"تفسير ابن كثير" مثلاً.
صوت السلف: ما هي الفرص المتاحة لتقوية أواصر الأخوة بين الإخوة في هذه الأيام؟
سعيد الروبي: بالتجمع في مسجد واحد، والتعاون على فعل الخيرات.
صوت السلف: تواجه عقيدة الولاء والبراء حملات شرسة لإضعافها في نفوس الأمة فما هو دور رمضان في إحياء هذه العقيدة؟
سعيد الروبي: الشهر الوحيد في العام الذي يميز المسلمين عن غيرهم هو شهر رمضان... تتضح فيه الهوية والارتباط بالدين، والشعور الواحد، والعمل الواحد على مستوى جميع المسلمين، فشهر رمضان يبرز المسلمين كوحدة واحدة، وكتلة واحدة متحدة في الأفعال، تكاد تعرف فيه المسلم من غير المسلم، ثم بعد انقضاء الشهر تفرق الفوارق، وتضيع الهوية، ويختلط الجميع.
صوت السلف: يقتصر بعض الدعاة في هذه الأيام على طرح المعاني الوعظية فهل هذا يكفي مراعاة لكون الشهر شهر عبادة وصوم؟ أم أن الأولى استغلال الشهر في تعليم الناس القضايا الأساسية التي تغيب عنهم؟ ولو كان الأمر كذلك فما هي هذه القضايا؟
سعيد الروبي: لابد من الجمع بين طرح القضايا الأساسية في العقيدة، والاتباع، والتزكية، وبين المعاني الوعظية... فهناك شرائح وقطاعات من المجتمع تدخل المسجد في رمضان فقط.. فلابد من إسماعها القضايا الأساسية والمهمة؛ تصحيحًا لعقيدتها، وتصويبًا للأخطاء الموجودة، وربما لا يدخلون المساجد بعد شهر رمضان مرة أخرى، والقضايا الأساسية تتعلق أساسًا بتوحيد الألوهية، وهو توحيد العبادة، وأنصح باختيار موضوعات من كتاب "فتح المجيد"؛ لطرحها على الناس بأسلوب سهل ومختصر.
صوت السلف: رمضان شهر خلوة وصيام وتبتل، فهل هناك تعارض بين هذا وبين بذل الجهد في الدعوة إلى الله في رمضان؟
سعيد الروبي: الخلوة لا تتعارض مع الدعوة إلى الله -تعالى- في شهر رمضان... فالمساجد ستستقبل أعدادًا من المصلين الذين يصلون لأول مرة، أو يدخلون المسجد في شهر رمضان فقط، فلنجتهد في دعوتهم إلى الاستمرار والثبات، كما أن أعداد من غير رواد المساجد يكونون في حالة نفسية وقلبية مهيأة لاستقبال المواعظ، والتوجيهات والنصائح، فعلينا ألا نفوت هذه الفرصة، وهذا الموسم في دعوة الناس.
صوت السلف: يقول البعض: يعاني الناس في رمضان من ضعف وخمول نتيجة للصيام فيقل جهدهم في الأعمال الدنيوية فما هي الحكمة في أن يأتي شهر كامل يؤدي إلي تباطؤ اقتصاد المسلمين وإضعافه؟ أم أن الأمر يمكن النظر له من زوايا أخرى؟
سعيد الروبي: الضعف والخمول الذي يعاني منه بعض الناس في رمضان هو في أول يوم فقط، أو على الأكثر في أول يومين، ثم يتلاشى هذا الضعف والخمول، ولا يوجد له ذكر.
ثم إن الرحمة تزداد في شهر رمضان، والإعانة والتقوية من الله -تعالى- لعباده المسلمين؛ فيسهل عليهم الصيام، ويتعودون عليه، ولا يجدون له صعوبة، بعكس الأيام الأخرى في غير شهر رمضان، فقد يوجد فيها صعوبة في الصوم.
وأما تباطؤ اقتصاد المسلمين وإضعافه فهذه شبهة لا حقيقة لها، وعمومًا فأرزاق المسلمين تتزايد وتتضاعف في شهر رمضان، وهذه حقيقة معروفة جدًا على أوسع نطاق.
صوت السلف: القرآن منهج حياة؟ فكيف يمكن للدعاة ترسيخ هذا المعنى في نفوس المقبلين على المساجد في رمضان؟
سعيد الروبي: هذا صحيح ولابد من التركيز على أن المطلوب في شهر رمضان ليس هو الإكثار من تلاوة القرآن في شهر رمضان، ولكن المطلوب هو العمل بهذا القرآن وتنفيذه كما كان الصحابة -رضي الله عنهم- يفعلون مع القرآن، كانوا يتعلمون العشر آيات ثم لا يتجاوزونها حتى يعملوا بها، والصحابة تعلموا الإيمان ثم تعلموا القرآن، فزاد الإيمان خيرًا.
أما الحرص على ختم القرآن أكبر عدد ممكن مع عدم العمل به؛ فهذا خطأ، وهذا خلل يجب علاجه.
صوت السلف: ينتقل بعض الإخوة ـ ومنهم مؤثرون في الدعوة ـ بين المساجد طلبا للقارئ حسن الصوت ،فما هي رؤيتكم لهذا التصرف؟
سعيد الروبي: الصوت الحسن مطلوب، والتأثر بالقرآن مطلوب، ولكن لابد من الموازنة بين المصالح والمفاسد، فلا نحقق مصلحة ويعقبها مفسدة أكبر، ولا نحقق مصلحة شخصية ونفوت مصلحة الجماعة، فالتواجد في وسط الإخوة، وتكثير السواد والعدد، والتقارب، والتعاون أمور مطلوبة، أما الغياب عن المسجد؛ فيؤدي إلى شعور بالغربة، أو الافتقار، أو الوحشة، أو الوحدة؛ لفقد الحبيب والصديق وغيابه، وربما تعطلت نشاطات كان يقوم بها في المسجد، فأنصح بالثبات في المسجد المعتاد عليه خاصة للشخصيات الأساسية في هذه المساجد، بل ولكل أفراد المسجد؛ حرصًا على تآلف القلوب، ورقة الشعور، وتقارب الأبدان.
صوت السلف: ما هي نصيحتكم للإخوة في التعامل مع المفطرين في رمضان؟
سعيد الروبي: يحتاج إلى تقارب مع المفطر، وفتح حوار طويل وتتكرر معه، وهذا يتطلب بذل جهد ووقت مع المفطر حتى تتم معالجة حالته بمعرفة أسبابها، وكيفية علاجها مع الرفق واللين، ولا يكفي لإقناعه كلمات عابرة سريعة مختصرة.
صوت السلف: ماذا يمثل رمضان للأقليات الإسلامية في الخارج؟ وكيف يؤثر في حياتهم وفي تعاملاتهم مع غير المسلمين؟
سعيد الروبي: يمثل لهم رمضان مشهد الإحساس بالذات والهوية الإسلامية، وتوحيد الصفوف والقلوب، والاعتزاز بدينهم وإسلامهم، وكثيرًا من غير المسلمين يسألون عن تفاصيل الصيام وأحكامه، وقد يدخل بعضهم في الإسلام عندما يجد من يشرح له شرحًا وافيًا قويًا.
صوت السلف: نصيحة توجهونها في رمضان لـ (طلبة العلم، الشباب، النساء، التجار، الآباء وأولياء الأمور).
سعيد الروبي:
- نصيحة لطلبة العلم في رمضان:
فرصة لتعلم التفسير؛ وهو من العلوم التي لم تأخذ حقها عند طلاب العلم.
- نصيحة للشباب:
شهر رمضان فرصة للتدرب على مجاهدة النفس، والتحكم فيها لبقية العام.
- نصيحة للنساء:
شهر رمضان هو شهر التقوى، والتعود على الحجاب فلنستمر على الحجاب طيلة العام.
- نصيحة للتجار:
تربحون كثيرًا في شهر رمضان، وتخسرون أيضًا كثيرًا، تربحون الأموال وتخسرون الحسنات... فتاجروا مع الله -تعالى-، وتاجروا مع الناس تربحوا الدنيا والآخرة... والآخرة خير وأبقى.
- نصيحة للآباء وأولياء الأمور:
شددوا على أولادكم بخصوص الصلاة، وصلاة الجماعة، وطبعًا الصيام.
صوت السلف: يزداد الزخم الإعلامي في رمضان بكل وسائله الملهية والمفسدة فكيف يمكن للدعاة مواجهة هذه الحملة بإمكانياتهم المحدودة؟
شياطين الإنس أحيانـًا أخطر من شياطين الجن:
سعيد الروبي: يظهر هذا في شهر رمضان حيث يتولى شياطين الإنس إلهاء الناس، وإشغالهم، وتضييع أوقاتهم؛ فعلى الدعاة التحذير من هؤلاء، وتوضيح أهمية الوقت، وشرف الزمان.
صوت السلف: طول فترة النهار وشدة الحر ..كيف سيؤثر ذلك على تدريب الأبناء على الصيام وكيف يمكن التعامل مع هذا الأمر؟
سعيد الروبي: لابد من إشغال الأبناء باستمرار حتى لا يشعروا بطول الوقت، أو العطش بأي عمل نافع ومفيد، مع اصطحابهم إلى المساجد، ونصحهم بالبقاء فيها لفترة طويلة؛ فهذا يبعدهم عن أجواء البيت، والطعام والشراب، والجوع والعطش، كما كان الصحابة -رضي الله عنهم- يفعلون مع أولادهم الصغار فيصطحبونهم إلى المساجد، مع إعطائهم اللعب لإشغالهم، وإبعادهم عن البيوت.
صوت السلف: لا يأتي رمضان إلا والمسلمون يعانون من نكبة أو جرح هنا أو هناك فما هو واجبنا تجاه إخواننا لاسيما في هذه الأيام المباركة؟
سعيد الروبي: لابد من تذكير الناس بقضايا المسلمين في كل مكان، مع تذكيرهم بالدعاء المستمر لإخوانهم في كل مكان.
تقبل الله منا ومنكم.