كتبه/ محمد سرحان
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإذا سكنت الكرة الشباك صاح المعلق: "هدف"، وطار "اللاعبون" فرحًا بإحراز "الهدف"، وهتفت الجماهير في مدرجات الملاعب وأمام الشاشات فرحة بإحراز "الهدف".
هذا هو الهدف والغاية عند بعض الناس أن يسكن الكرة الشباك، أو يحرز فريقه "الأهداف"، والبعض هدفه وغايته في الحياة أن يصير ذا مال؛ فيبذل كل ما يستطيع ويفعل أي شيء حرامًا كان أو حلالا في سبيل الحصول على المال، والبعض غايته أن يشتهر ويشار إليه بالبنان، والبعض همته في لقمة تسد جوعته وشربة تروي ظمأه.
والبعض لا يعرف له هدفـًا ولا لماذا يعيش، فهو يسير في الدنيا يأكل ويشرب وينام ليموت، والبعض هدفه وغايته رضا الله ودخول الجنة.
اجتمع عبد الله بن عمر وعروة بن الزبير ومصعب بن الزبير وعبد الملك بن مروان بفناء الكعبة فقال لهم مصعب: تمنوا، فقالوا: ابدأ أنت، فقال: ولاية العراق وتزوج سكينة ابنة الحسين، وعائشة بنت طلحة بن عبيد الله فنال ذلك، وتمنى عروة بن الزبير الفقه وأن يحمل عنه الحديث فنال ذلك، وتمنى عبد الملك الخلافة، فنال ذلك، وتمنى عبد الله بن عمر الجنة.
والبعض علت همته وسما هدفه ليسكن الفردوس الأعلى ويصل إلى الدرجات العلا في الجنة، قال أبو بكر -رضي الله عنه- للنبي -صلى الله عليه وسلم-: (بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا عَلَى مَنْ دُعِىَ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ، فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ كُلِّهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ) متفق عليه، فمن أي أصناف الناس أنت؟ وما هو هدفك وغايتك في الحياة؟ لماذا تعيش؟
على قدر هدفك في الحياة تكون قيمتك ومكانتك فصاحب الهدف الصغير الحقير يعيش صغيرًا ويموت صغيرًا، وصاحب الهدف السامي الكبير يعيش كبيرًا ويموت كبيرًا، وعلى قدر هدفك وغايتك وصدقك فيه تكون مكانتك في الآخرة.
قال ابن القيم -رحمه الله-: "العامة تقول قيمة كل امرئ ما يحسن، والخاصة تقول قيمة كل امرئ ما يطلب". "المدارج".
على قدر هدفك تكون حياة قلبك:
قال ابن القيم -رحمه الله-: "إن ضعف الإرادة والطلب من ضعف حياة القلب، وكلما كان القلب أتم حياة كانت همته أعلى وإرادته ومحبته أقوى". "المدارج".
على قدر الهدف تكون التضحيات:
وقد تكون التضحيات أحيانًا بالنفس والنفيس والغالي والثمين في سبيل الوصول إلى الهدف المنشود والغاية المرادة، لما قتل حرام بن ملحان -رضي الله عنه- قال: "فزت ورب الكعبة"، فكيف فاز وهو قد مات؟ لأنه حقق هدفه ووصل إلى غايته رغم أن الثمن الحياة، وغلام الأخدود دل الملك على طريقة قتله لتصل دعوته إلى كل أهل المملكة، وليظهر عجز الملك وقدرة الله -العلي القدير- الذي يستحق أن يعبد، وليصل إلى رضا الله الذي كان نهاية غايته وهدفه.
قال الشاعر:
لا تحسبن المجد تمرًا أنت آكله لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
وقال آخر:
وإذا النفوس كن كبارًا تعبت في مرادها الأجسام
وبقدر ما تتعنى تنال ما تتمنى، قال الشاعر:
لولا المشقة ساد الناس كلهم الجود يفقر والإقدام قتال
قال ابن القيم -رحمه الله-: "وقد أجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم لا يدرك بالنعيم، وأن من آثر الراحة فاتته الراحة، وأن بحسب ركوب الأهوال واحتمال المشاق تكون الفرحة واللذة؛ فلا فرحة لمن لا هم له، ولا لذة لمن لا صبر له، ولا نعيم لمن لا شقاء له، ولا راحة لمن لا تعب له؛ بل إذا تعب العبد قليلا استراح طويلا، وإذا تحمل مشقة الصبر ساعة قاده لحياة الأبد، وكل ما فيه أهل النعيم المقيم صبر ساعة". اهـ "مفتاح دار السعادة".
قيل للإمام أحمد: متى الراحة؟ قال: عند أول قدم في الجنة.
على قدر هدفك وصدقك يكون أجرك:
قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ) رواه مسلم، وقال -صلى الله عليه وسلم- فيمن تجهز للجهاد ثم أدركه الموت: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَوْقَعَ أَجْرَهُ عَلَى قَدْرِ نِيَّتِهِ) رواه أبو داود، وصححه الألباني، وقال -صلى الله عليه وسلم- فيمن تخلف عن غزوة تبوك من الحريصين على الخروج: (إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلاَّ كَانُوا مَعَكُمْ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟ قَالَ: وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ، حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ) رواه البخاري.
وقال رجل للنبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَلَكِنِّي اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمَى إِلَى هَا هُنَا وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ بِسَهْمٍ فَأَمُوتَ فَأَدْخُلَ الْجَنَّةَ. فَقَالَ: إِنْ تَصْدُقِ اللَّهَ يَصْدُقْكَ. فَلَبِثُوا قَلِيلاً ثُمَّ نَهَضُوا فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ فَأُتِىَ بِهِ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- يُحْمَلُ قَدْ أَصَابَهُ سَهْمٌ حَيْثُ أَشَارَ فَقَالَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم-: أَهُوَ هُوَ. قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: صَدَقَ اللَّهَ فَصَدَقَهُ) رواه النسائي، وصححه الألباني.
وقيل تأتي المعونة -أي الإعانة والتوفيق من الله تعالى- على قدر المؤونة -أي على قدر صدق وإخلاص العبد-.
أهداف المسلم في الحياة:
فللمسلم الصادق أهداف مرحلية: من تعلم العلم وتعليمه ونفي الجهالة عن نفسه، والدعوة إلى الله -تعالى-، والاجتهاد في طاعة الله؛ فلا يدع فرصة يستطيع أن يتقرب فيها إلى الله إلا واهتبلها.
قال وهيب بن الورد -رحمه الله-: "إن استطعت ألا يسبقك إلى الله أحد فافعل".
وقال الشيخ شمس الدين التركستاني: "ما بلغني عن أحد من الناس أنه تعبد عبادة إلا تعبدت نظيرها وزدت عليه".
قال الحسن -رحمه الله-: "من نافسك في دينك فنافسه، ومن نافسك في دنياه فألقها في نحره".
قال هشيم تلميذ منصور بن زاذان: "كان لو قيل له -أي منصور-: إن ملك الموت على الباب ما كان عنده زيادة في العمل".
ومن أهدافه:
بناء أسرة مسلمة، وتربية أولاده على الإسلام وأن يكون منهم القادة والعلماء، ونصرة دين الله -تعالى- بكل ممكن ومستطاع. وغاية أهدافه ومنتهى آماله ونهاية إرادته دخول الجنة والنظر إلى وجه الله الكريم.
فحدد هدفك، واصدق الله في تحقيقه، واستعن بالله عليه، وابذل جهدك وعرقك في تحقيقه، ولا تنسه في لحظه من اللحظات؛ استصحبه دائمًا معك كل وقت، لا تنسه في وقت الرخاء أو الشدة، أو وقت الفرح أو الغضب، فعش له وبه، واجعل سلوكك وأخلاقك على قدر أهدافك.
نسأل الله الجنة ونعوذ بالله من النار، وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.