كتبه/ علاء بكر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإن الثابت من الأدلة الشرعية أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولد يوم "الاثنين"، كما أخبر بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما في "صحيح مسلم"، وقد اختلف فيما عدا ذلك في تاريخ مولده -صلى الله عليه وسلم- على وجه التحديد.
يقول الدكتور أكرم ضياء العمري: "إن القرائن التاريخية المحتفة بالروايات التي تفيد أن مولد النبي -صلى الله عليه وسلم- "عام الفيل" قوية، ويرى "ابن القيم" -رحمه الله- ويتابعه "القسطلاني" أن مولد النبي -صلى الله عليه وسلم- كان في "عام الفيل" بعد حادثة "الفيل"؛ لأن قصة "الفيل" توطئة وإرهاص لظهوره، حيث دفع الله نصارى الحبشة عن "الكعبة" دون حول من العرب المشركين تعظيمًا لبيته".
يقول: "وقد اختلف المؤرخون في تاريخ مولده وشهره، فذهب "ابن إسحاق" إلى أنه ولد لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر "ربيع الأول"، وذهب "الواقدي" إلى أنه ولد لعشر ليال خلت من شهر "ربيع الأول"، وذهب أبو معشر السندي إلى أنه ولد لليلتين خلتا من شهر "ربيع الأول"، وابن إسحاق أوثق الثلاثة". "السيرة النبوية الصحيحة للعمري ا/98 ط. العبيكان".
ويقول المباركفوري في "الرحيق المختوم": "ولد سيد المرسلين -صلى الله عليه وسلم- بشعب بني هاشم بـ"مكة" في صبيحة يوم "الاثنين" التاسع من شهر "ربيع الأول".
وقال: "ويوافق ذلك العشرين أو اثنين وعشرين من شهر إبريل سنة 571م حسبما حققه العالم الكبير محمد سليمان المنصورفوري، والمحقق الفلكي محمود باشا".
قال الألباني -رحمه الله- في "صحيح السيرة النبوية ص13": "وأما تاريخ يوم الولادة فقد ذكر فيه وفي شهره أقوال ذكرها ابن كثير في الأصل، وكلها معلقة بدون أسانيد يمكن النظر فيها ووزنها بميزان علم "مصطلح الحديث"، إلا قول من قال إنه في الثامن من ربيع الأول، فإنه رواه مالك وغيره بالسند الصحيح عن محمد بن جبير بن مطعم، وهو تابعي جليل، ولعله لذلك صحح هذا القول أصحاب التاريخ واعتمدوه، وقطع به الحافظ الكبير محمد بن موسى الخوارزمي، ورجحه أبو الخطاب بن دحية، والجمهور على أنه في الثاني عشر منه. والله أعلم".
وهذا الاختلاف في تحديد يوم ميلاده -صلى الله عليه وسلم- يرجع إلى أنه لم يثبت في ذلك حديث صحيح، وما أورده المؤرخون في كتب "السيرة" فبدون أسانيد متصلة كعادة كـُتـَّاب "السيرة"، خاصة وأنه لا يرتبط بتحديد هذا اليوم عمل شرعي، ولا تتعلق به أحكام شرعية، وعلى هذا جرى الحال طوال القرون الخيرية، في عهد الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، كما هو معلوم، لا ينكر ذلك أحد.
قال الحافظ السخاوي في "فتاويه": "عمل "المولد الشريف" لم ينقل عن أحد من السلف الصالح في القرون الثلاثة الفاضلة، وإنما حدث بعد".اهـ. نقلا عن: "سبل الهدى والرشاد للصالحي 1/439 ط. وزارة الأوقاف المصرية".
يقول الشيخ على محفوظ في كتابه "الإبداع في مضار الابتداع" في بدع الموالد وأول من أحدثها: "قيل: أول من أحدثها بـ"القاهرة" الخلفاء الفاطميون في القرن الرابع –أي: الهجري-، فابتدعوا ستة موالد: المولد النبوي، ومولد "الإمام علي" -رضي الله عنه-، ومولد السيدة "فاطمة الزهراء" -رضي الله عنها-، ومولد "الحسن" و"الحسين" -رضي الله عنهما-، ومولد "الخليفة الحاضر" –أي: الخليفة الفاطمي الذي يحكم الدولة-، وبقيت هذه الموالد على رسومها إلى أن أبطلها الأفضل ابن أمير الجيوش، ثم أعيدت في خلافة "الآمر بأحكام الله" في سنة أربع وعشرين وخمسمائة بعدما كاد الناس ينسونها".اهـ.
فعلى هذا أول من أحدث ما يسمى بـ"المولد النبوي" هم بنو عبيد الذين اشتهروا بـ"الفاطميين".
وقد قرَّر هذا جماعة من المتأخرين منهم:
ـ العلامة الشيخ على محفوظ في كتابه: "الإبداع في مضار الإبتداع"، والعلامة الشيخ محمد بخيت المطيعي في كتابه: "أحسن الكلام فيما يتعلق بالسنة والبدعة من الأحكام"، والشيخ إسماعيل الأنصاري في كتابه: "القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل"، والشيخ ابن منيع في "رده على المالكي"، وانظر بقية من قال به من أهل العلم لما نقله الشيخ مشهور حسن سلمان -حفظه الله- في تعليقه أثناء تحقيقه لكتاب: "الباعث على إنكار البدع والحوادث" لأبي شامة ص (96).
الأيام التي كان يحتفل بها الفاطميون:
يقول المقريزي في كتابه "الخطط 1/490 وما بعدها": ذكر الأيام التي كان الخلفاء الفاطميون يتخذونها أعيادًا ومواسم تتسع بها أحوال الرعية وتكثر نعمهم.
قال: "وكان للخلفاء الفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم؛ وهي مواسم "رأس السنة"، و"مواسم أول العام"، ويوم "عاشوراء"، ومولد النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومولد "علي بن أبي طالب"، ومولد "الحسن" و"الحسين"، ومولد "فاطمة الزهراء"، ومولد "الخليفة الحاضر"، و"ليلة أول رجب"، و"ليلة نصفه"، و"موسم ليلة رمضان"، و"غرة رمضان"، و"سماط رمضان"، و"يلة الختم"، وموسم "عيد الفطر"، وموسم "عيد النحر"، و"عيد الغدير"، و"كسوة الشتاء"، و"كسوة الصيف"، وموسم "فتح الخليج،" ويوم "النوروز"، ويوم "الغطاس"، و"يوم الميلاد"، و"خميس العدس"، و"أيام الركوبات"".اهـ.
وقال المقريزي في "إتعاظ الحنفاء 2/48، سنة 394": "وفي ربيع الأول ألزم الناس بوقود القناديل بالليل في سائر الشوارع والأزقة بـ"مصر".
وقال في موضع آخر "3/99"، سنة (517): "وجرى الرسم في عمل المولد الكريم النبوي في ربيع الأول على العادة". وانظر "3/105".
ووصف المقريزي هيئة هذه الاحتفالات التي تقام للمولد النبوي خاصة وما يحدث فيها من الولائم ونحوها. انظر "الخطط 1/432-433، صبح الأعشى للقلقشندي 3/498-499".
فالـ"مولد النبوي" سـُنة فاطمية ابتدعها "الفاطميون" من غلاة "الشيعة"؛ ليستميلوا بها عوام "المصريين" في فترة حكمهم لـ"مصر". وقد ادعى الفاطميون أنهم من آل البيت، وغالوا في آل البيت؛ ليخدعوا العوام، فلينظر من يحتفل بالمولد النبوي بمن يقتدي؟
ماذا قال أهل العلم عن "الدولة الفاطمية" العبيدية التي أحدثت هذا الأمر "المولد النبوي"؟
قال الإمام "أبو شامة" المؤرخ المحدث صاحب كتاب "الروضتين في أخبار الدولتين ص 200-202" عن الفاطميين العبيديين: "أظهروا للناس أنهم شرفاء فاطميون فملكوا البلاد، وقهروا العباد، وقد ذكر جماعة من أكابر العلماء أنهم لم يكونوا لذلك أهلاً ولا نسبهم صحيحًا، بل المعروف أنهم "بنو عبيد"، وكان والد عبيد هذا من نسل القداح الملحد المجوسي، وقيل: كان والد عبيد هذا يهوديًّا من أهل "سلمية" من بلاد "الشام"، وكان حدادًا.
و"عبيد" هذا كان اسمه "سعيدًا" فلما دخل المغرب تسمى بـ "عبيد الله"، وزعم أنه علوي فاطمي، وادعى نسبًا ليس بصحيح، لم يذكره أحد من مصنفي الأنساب العلوية، بل ذكر جماعة من العلماء بالنسب خلافه، ثم ترقت به الحال إلى أن ملك وتسمى بـ"المهدي"، وبنى "المهدية" بـ"المغرب" ونسبت إليه، وكان زنديقًا خبيثًا عدوًّا للإسلام متظاهرًا بالتشيع متسترًا به، حريصًا على إزالة الملة الإسلامية، قتل من الفقهاء والمحدثين جماعة كثيرة، وكان قصده إعدامهم من الوجود؛ لتبقى العالم كالبهائم، فيتمكن من إفساد عقائدهم وضلالتهم، والله متم نوره ولو كره الكافرون.
ونشأت ذريته على ذلك منطوين يجهرون به إذا أمكنتهم الفرصة وإلا أسروه، والدعاة لهم منبثون في البلاد يضلون من أمكنهم إضلاله من العباد، وبقي هذا البلاء على الإسلام من أول دولتهم إلى آخرها، وذلك من ذي الحجة سنة تسع وتسعين ومائتين "299" إلى سنة سبع وستين وخمسمائة "567".
وفي أيامهم كثرت الرافضة واستحكم أمرهم ووضعت المكوس على الناس، واقتدى بهم غيرهم، وأفسدت عقائد طوائف من أهل الجبال الساكنين بثغور "الشام"؛ كـ"النصيرية"، و"الدرزية"، و"الحشيشية" نوع منهم, وتمكن رعاتهم منهم؛ لضعف عقولهم وجهلهم ما لم يتمكنوا من غيرهم, وأخذت "الفرنج" أكثر البلاد بـ"الشام" و"الجزيرة" إلى أن منَّ الله على المسلمين بظهور "البيت الأتابكي" وتقدمه مثل: "صلاح الدين", فاستردوا البلاد، وأزالوا هذه الدولة عن أرقاب العباد.
وكانوا أربعة عشر مستخلفًا، يدَّعون الشرف ونسبتهم إلى مجوسي أو يهودي، حتى اشتهر لهم ذلك بين العوام فصاروا يقولون: "الدولة الفاطمية" و"الدولة العلوية"، وإنما هي "الدولة المجوسية" أو "اليهودية الباطنية الملحدة".
ومن قباحتهم: أنهم كانوا يأمرون الخطباء بذلك –أي: أنهم علويون فاطميون- على المنابر، ويكتبونه على جدران المساجد وغيرها، وخطب عبدهم "جوهر" الذي أخذ لهم الديار المصرية وبنى لهم "القاهرة المعزية" بنفسه خطبة قال فيها: "اللهم صلِّ على عبدك ووليك، ثمرة النبوة، وسليل العترة الهادية المهدية، معد أبي تميم الإمام المعز لدين الله أمير المؤمنين، كما صليت على آبائه الطاهرين، وسلفه المنتخبين الأئمة الراشدين"، كذب عدوّ الله اللعين، فلا خير فيه ولا في سلفه أجمعين ولا في ذريته الباقين، والعترة النبوية الطاهرة منهم بمعزل -رحمة الله عليهم وعلى أمثالهم من الصدر الأول-.
والملقب بـ"المهدي" -لعنه الله- كان يتخذ الجهال ويسلطهم على أهل الفضل، وكان يرسل إلى الفقهاء والعلماء فيذبحون في فرشهم، وأرسل إلى "الروم" وسلطهم على المسلمين، وأكثر من الجور واستصفاء الأموال، وقتل الرجال، وكان له دعاة يضلون الناس على قدر طبقاتهم فيقولون لبعضهم: "هو المهدي ابن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحجة الله على خلقه"، ويقولون لآخرين: "هو رسول الله وحجة الله"، ويقولون لآخرين: "هو الله الخالق الرازق"، لا اله إلا الله وحده لا شريك له، تبارك -سبحانه وتعالى- عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا.
ولما هلك قام ابنه المسمى بـ"القائم مقامه"، وزاد شره على شر أبيه أضعافًا مضاعفة، وجاهر بشتم الأنبياء، فكان ينادى في أسواق "المهدية" وغيرها: "العنوا عائشة وبعلها، العنوا الغار وما حوى" اللهم صلِّ على نبيك وأصحابه وأزواجه الطاهرين، والعن هؤلاء الكفرة الفجرة الملحدين، وارحم من أزالهم وكان سبب قلعهم، ومن جرى على يديه تفريق جمعهم، وأصلهم سعيرًا، ولقهم ثبورًا، وأسكنهم النار جمعًا، واجعلهم ممن قلت فيهم: (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) (الكهف:104).
ولو وفق ملوك الإسلام؛ لصرفوا أعنة الخيل إلى "مصر" لغزو "الباطنية" الملاعين؛ فإنهم من شر أعداء دين الإسلام، وقد خرجت من حدّ المنافقين إلى حد المجاهرين؛ لما ظهر في ممالك الإسلام من كفرها وفسادها، وتعيَّن على الكافة فرض جهادها، وضرر هؤلاء أشدّ على الإسلام وأهله من ضرر الكفار إذا لم يقم بجهادها أحد إلى هذه الغاية مع العلم بعظيم ضررها وفسادها في الأرض". انتهى كلام أبي شامة -رحمه الله-.
ويزيد الأمر نكارة وسوءً ما دأب عليه المحتفلون بـ"المولد النبوي" مما ورثوه عن "الشيعة" و"الصوفية" من أمور ربطوها ببدعتهم.
فمن ذلك:
إنفاق الأموال على هذا الاحتفال المبتدع، فتقام السرادقات الكبيرة، وتوقد الأنوار الكثيرة، وتقدم أنواع من الحلوى والمأكولات والمشروبات على جموع الناس، ويتنافس الأغنياء في ذلك، مما لا يخلو من رياء وسمعة.
ويجتمع المحتفلون ومعهم آلات الغناء، وتقام حلقات "الذكر الجماعي" المحرف، فيعم الضجيج والصياح والغناء، لساعات وساعات، فينشغلون بها عن واجبات للدين ومسنوناته! والعجب كل العجب من تهافتهم على هذه الأعمال المخالفة للشرع، وتكاسلهم عن واجبات الدين وسننه!!
ومن بدعهم:
الطواف بالشوارع في مراكب مـُزيـَّنة، مغنين ومنشدين وراقصين، في جموع لا تخلو من اختلاط، تنتهي بالجميع إلى قبور الصالحين، أو مساجد بنيت على أضرحة، أو أماكن أعدت لهذه الاحتفالية، فتلقى الكلمات، وتنشد الأشعار، وتتلى المدائح النبوية التي لا تخلو من غلو في النبي -صلى الله عليه وسلم- يصل إلى الشرك -والعياذ بالله تعالى-، خاصة "بردة البوصيري"، ومن أبياتها:
فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم
وفيها يقول:
يا أكـرم الرسـل مـا لي من ألـوذ به سواك في الحادث العمم
ويقول آخر:
مولاي مولاي فرِّج كل معضلة عني فقد أثـقلت ظهري الخـطيات
واعـطف عـليَّ وخـذ يا سيدي بيدي إذا دهتني الملمات المهمات
ومن بدعهم المنكرة في احتفالهم بـ"المولد النبوي":
زعمهم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يحضر معهم احتفالياتهم بالروح، أو بالروح والجسد، فتجدهم يقومون في مجالسهم محيين، ومرحبين به -صلى الله عليه وسلم-!!
يقول الشيخ ابن باز -رحمه الله-: "وهذا من أعظم الباطل وأقبح الجهل، فإن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا يخرج من قبره إلى يوم القيامة، ولا يتصل بأحد من الناس، ولا يحضر اجتماعاتهم، بل هو مقيم في قبره إلى يوم القيامة، وروحه في أعلى عليين عند ربه في دار الكرامة".
"نابليون" المستعمر الفرنسي يحيي "المولد" ويدعمه:
واسمع إلى ما يحدثنا به المؤرخ المصري "الجبرتي" في كتابيه "عجائب الآثار 2/201-249" و"مظهر التقديس بزوال دولة الفرنسيس ص 47" حيث ذكر أن المستعمرين الفرنسيين عندما احتلوا "مصر" بقيادة "نابليون بونابرت"؛ انكمش الصوفية وأصحاب الموالد، فقام "نابليون" وأمرهم بإحيائها ودعمها.
قال في "مظهر التقديس": "وفيها -أي: سنة 1213هـ في ربيع الأول- سأل صاري العسكر عن "المولد النبوي"، ولماذا لم يعملوه كعادتهم؟! فاعتذر الشيخ "البكري" بتوقف الأحوال، وتعطل الأمور، وعدم المصروف، فلم يقبل وقال: (لابد من ذلك)، وأعطى الشيخ "البكري" ثلاثمائة ريال فرانسة يستعين بها، فعلقوا حبالاً وقناديل، واجتمع الفرنسيس يوم "المولد" ولعبوا ودقوا طبولهم، وأحرقوا حراقة في الليل وسواريخ تصعد في الهواء ونفوطًا".
ولعل سائلاً يسأل: ما هدفهم من تأييد ودعم مثل هذه البدع وهذه الموالد؟!
ندع الجواب للمؤرخ "الجبرتي" المعاصر لهم حيث يقول في تاريخه "عجائب الآثار 2/306": "ورخص الفرنساوية ذلك للناس؛ لما رأوا فيه من الخروج عن الشرائع، واجتماع النساء، واتباع الشهوات، والتلاهي وفعل المحرمات".
ونقول في إجمال: إنّ اتخاذ "المولد النبوي" عيدًا شرعيًّا، أو التقرب إلى الله -تعالى- بالاحتفال به لا يجوز شرعًا، وهو ابتداع في الدين لم يـُعرف في عهده -صلى الله عليه وسلم- وعهد السلف الصالح، فما لم يكن في زمنه -صلى الله عليه وسلم- من الدين فلا يكون اليوم من الدين -كما قال مالك رحمه الله-، والإنكار على من ينكر الاحتفال به دليل الجهل العظيم بهديه -صلى الله عليه وسلم-، والخروج عن هدي خلفائه الراشدين -رضي الله عنهم-.
يقول الأستاذ محمد عبد السلام الشقيري عن شهر "ربيع الأول" وبدعة المولد فيه: "ففي هذا الشهر ولد -صلى الله عليه وسلم-، وفيه توفي، فلماذا يفرحون بميلاده ولا يحزنون لوفاته؟ فاتخاذ مولده موسمًا والاحتفال به بدعة منكرة ضلالة، لم يرد بها شرع ولا عقل، ولو كان في هذا خير فكيف يغفل عنه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة والتابعين وتابعيهم، والأئمة وأتباعهم؟! لا شك أنه ما أحدثه إلا المتصوفون الأكالون البطالون، وأصحاب البدع، وتبع الناس بعضهم بعضًا فيه إلا من عصمه الله ووفقه لفهم حقائق الدين".
يقول الشيخ ابن باز -رحمه الله تعالى-: "والرسول -صلى الله عليه وسلم- قد بلـَّغ البلاغ المبين، ولم يترك طريقًا يوصل إلى الجنة ويباعد من النار إلا بينه للأمة، كما ثبت في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلاَّ كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ) (رواه مسلم).
ويقول: "فلو كان الاحتفال بالموالد من الدين الذي يرضاه الله -سبحانه- لبينه الرسول -صلى الله عليه وسلم- للأمة، أو فعله في حياته، أو فعله أصحابه -رضي الله عنهم-. فلمّا لم يقع شيء من ذلك عـُلم أنه ليس من الإسلام في شيء، بل هو من المحدثات التي حذر الرسول -صلى الله عليه وسلم- منها أمته".اهـ.
وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ؛ فَهُوَ رَدٌّ) (متفق عليه)، أي: مردود على صاحبه. وقال -صلى الله عليه وسلم-: (فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني).
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.