كتبه/ سعيد السواح
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فلا يستقيم عبد على منهج الحق والخير وهو لا يؤمن باليوم الآخر، يوم الجزاء على العمل في الحياة الدنيا، فالتكذيب باليوم الآخر والبعث والجزاء هو سبب كل شر وفساد يأتيه العبد.
والداء العضال الذي يحجب الإنسان عن قبول الحق والإذعان له هو الكبر.
أيها الحبيب:
الإنسان يحتاج أن يقتطع من وقته ويخلو فيه بنفسه ليتفكر ويتذكر نعم الله عليه، فهذا دافع لتصحيح المسار ولشكر المنعم -سبحانه- على نعمائه.
ولقد نبهنا الله -تعالى- على كثرة نعمه علينا وعلى إحسانه وبره وجوده وكرمه، فقال -سبحانه-: (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ . وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ . وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ . وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ . أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ . إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ)(النحل:17-22).
فهذه أيها الحبيب مقارنة بين الحق الخلاق العليم، وبين الآلهة المزعومة التي يعبدونها من دون الله، ففيها تبكيت للمشركين وإبطال لإشراكهم بإنكار أن يساويه ويستحق مشاركته ما لا يقدر على خلق شيء من ذلك، بل على إيجاد شيء ما، وكان كذلك تنبيه الرحمن على كثر نعمته وإحسانه بما لا يحصى، فلا يستطيع الإنسان ضبط عدد نِعَم الله، وبالتالي لا طاقة للإنسان أن يقوم بحقها من أداء شكرها.
ولكن ربك غفور؛ فهو يتجاوز -سبحانه- عن تقصير الإنسان في أداء شكر هذه النعم.
ومن إحسانه -سبحانه- أن لا يقطعها عنه مع تفريط الإنسان في شكر النعم.
ولكن عليك أيها الإنسان أن تبذل قصارى جهدك في شكر الله -تعالى- مع الاعتراف بالعجز عن القيام بأداء الشكر.
ولكن من شكرك لنعم ربك أن تصرف هذه النعم فيما من أجله أنعم الله بها، وإياك والاستكبار عن الحق وعن قبوله، وعن الإذعان لهذا الحق، فالله -تعالى- يبغض المستكبرين الذين يتكبرون عن آيات الرحمن (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ)(الأعراف:146).
ولقد وصف الله لنا حالهم عندما يعالجون النزع الأخير، قال -تعالى-: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ)(الأنعام:93).
وكفى بالاستكبار أن يكبَّ أهله على وجوههم في النار (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)(غافر:60).
فعليك أيها الحبيب أن تذكر وتتذاكر نعم الله عليك، ثم تنظر كيف سبيلنا لأداء شكر المُنعِم على نعمائه، لتعلم أن أعظم هذه النعم هي نعمة الإسلام (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً)(المائدة3).
فهلا اعترفت لله -تعالى- بهذه النعمة، وهل قمت بشكره -سبحانه- عليها، هذا يتطلب منك أن تكون مطبقاً لقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)(البقرة:280).
وتطلب منك أن تستمسك بدينك وأن لا تموت إلا على الإسلام، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)(آل عمران:102).
وليكن إسلامك كإسلام إبراهيم -عليه السلام-:
فهذا إبراهيم الخليل، لما نادى الله عليه بالإسلام، فما كان منه إلا الاستسلام والانقيام والإذعان.
قال -تعالى-: (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ . إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)(البقرة:130-131).
فتتعلم أيها الحبيب:
لتتعلم كيف تشكر ربك أن اصطفاك على الإسلام من غير حول منك ولا قوة، ما كان ذلك إلا بنعمة الله -تعالى- علينا وتوفيقه أن هدانا سبيل الرشاد، وهدانا إلى صراطه المستقيم، لكون مع هذه الرفقة الصالحة من النبيين والشهداء والصالحين، وحسبك بهم رفقة.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحُسن عبادتك.