كتبه/ ياسر عبد التواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فقد ذكرنا في المرات السابقة أن الغيبة هي ذكرك لإخوانك بما يكرهون، وأنك إن كنت صادقاً فهذه الغيبة، وإن كنت كاذباً فهذا بهتان، وإن كنت ناقلاً للغيبة فهو إفك، كما قال ذلك الحسن البصري.
وذكرنا أيضاً أن الغيبة لا تقتصر على اللسان، بل على الإشارة التي تشعر بالانتقاص، أو حتى بتقليد فعل الشخص، ومحاكاة قوله، وكل ما يؤدي إلى أذيته.
وقد تُباح الغيبة في أحوال، مثل: التقاضي، أو أن تذكر عيب الشخص لمن تعلم أن بإمكانه أن يصلحه، أو لمن سيدخل معه في معاملة أياً كانت، كزواج، أو جيرة، أو تجارة، فمن تمام النصح للمسلم أن تذكر ما تعرفه من عيوب الآخرين، وهذا قد يساهم حقيقة في تغيير صاحب الخلق المذموم.
ألا ما أعظم حرمة المسلم! فما بالك بالذي يتجاوز حد الغيبة باللسان والكلام والمحاكاة ليصل أذاه إلى ظلم أو سفك دم أو أكل مال وغير ذلك.
المهم فلعلاج الغيبة خصوصاً وسوء الأخلاق عموماً إنما تعالج بالجمع بين العلم والعمل.
وعلاج اللسان وكفه عن الغيبة على وجهين: أحدهما على الجملة، والآخر على التفصيل.
أما على الجملة: فهو أن يعلم تعرضه لسخط الله -تعالى- بغيبته بهذه الأخبار التي رويناها، وأن يعلم أنها محبطة لحسناته يوم القيامة، فإنها تنقل حسناته يوم القيامة إلى من اغتابه بدلاً عما استباحه من عرضه، فإن لم تكن له حسنات نقل إليه من سيئات خصمه، وهو مع ذلك متعرض لمقت الله -عز وجل-، ومشبه عنده بآكل الميتة.
بل العبد يدخل النار بأن تترجح كفة سيئاته على كفة حسناته، وربما تنقل إليه سيئة واحدة ممن اغتابه فيحصل بها الرجحان ويدخل بها النار، وإن أقل الدرجات أن تنقص من ثواب أعماله، وذلك بعد المخاصمة والمطالبة والسؤال والجواب والحساب.
هكذا ينبغي أن تضع في حسبانك.
أم التفصيل: فالمسلم يتأمل في حاله إذ اغتاب أخاه فأي شيء يحصله... ما لفائدة التي جناها؟
هل غيَّر فيه ما يكره من الخصال بمجرد ذكرها للآخرين؟
هل يستطيع بتلك الغيبة أن يغير حتى وجهة نظر الآخرين في المغتاب؟
أبدا بل ربما عاد الأمر إلى نقيض قصده، وقلَبَ الله -تعالى- قلوب الآخرين عليه هو، فليحذر من ذلك!
أما العمل من أجل التخلص من الغيبة: فتكون بالدعاء له، كما علمنا النبي -صلى الله عليه وسلم- فتقول غفر الله -تعالى- لنا وله.
وكذلك بمحاسبة النفس على الغيبة إما بالاعتذار إن أمكن، أو بالقيام بعمل صالح كلما نلت منه غيبة تصلي أو تصوم أو تتصدق، فتعظم في نفسك تلك المعصية، وتنتبه كلما غشيتها.
أعاننا الله وإياكم على طاعته.