كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فالحمد لله اللطيف الخبير، الذي جعل بلطفه ورحمته مَنْعه لعباده المؤمنين بعض ما يشتهون، هو عين العطاء، وجعل بخبرته وحكمته عافيتَهم في دينهم وآخرتهم ثم دنياهم، في البلاء.
قال -تعالى- في كتابه العزيز: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)(البقرة:155-157).
قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فيها: نعم العدلين ونعمة العلاوة، فالعدلان: الصلوات، وهي الثناء في الملأ الأعلى، والرحمة، والعلاوة هي الهداية.
والبلاء إنما يكون بشيء، وليس حرماناً مطلقاً ولا منعاً مطلقاً، وإنما مع المنع عطايا، وليس عطاءً واحداً، ومع الألم رجاءٌ يُذهب مرارته وحرَّه (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ)(النساء:104).
مساكين أهل الدنيا أذلُّوا أنفسهم لغير الله، فجاءهم الشقاء بلا سعادة تخففه، وعَبَّدوا أنفسهم لأهوائهم وسادتهم وكبرائهم، فجاءهم الألم بلا رجاء في رحمة الله، فوالله لو كانت قصور مثل قصور الجنة، ولذات مثل لذاتها -وهيهات ذلك- لما نفعهم ذلك، ولا وجدوا له لذة ولا سعادة، فإن القلب الإنساني مفطور على السكون إلى الله دون من سواه.
(الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ . الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ)(الرعد:28-29).
طوبى لهم: حسنى وكرامة لهم، ومن ذلك شجرة في الجنة، فالكرامة حاصلة لهم في الدنيا والآخرة، فسبحان من فضَّل العباد بعضهم على بعض (انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً)(الإسراء:21).
نسأل الله أن يُفضلنا يوم القيامة على كثير من عباده المؤمنين، وأن يَمُنَّ علينا بالنظر إلى وجهه، ولذة الشوق إلى لقائه، وأن يُكرمنا بطاعته، والتمتع بقربه في الدنيا والآخرة، واللهم إنا نسألك من فضلك ورحمتك؛ فإنه لا يملكها إلا أنت.
اللهم إنا نسألك بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق أحينا ما علمت الحياة خيراً لنا، وتوفنا ما علمت الوفاة خيراً لنا، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، ونسألك نعيماً لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع، ونسألك برد العيش بعد الموت، والرضا بعد القضاء، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين.