الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الخميس 03 يوليه 2008 - 29 جمادى الثانية 1429هـ

قراءة لكتاب "الأسرار الخفية وراء إلغاء الخلافة الإسلامية"

كتبه/ محمد سرحان

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

التعريف بالكتاب

أصل هذا الكتاب هو كتاب "النكير على منكري النعمة من الدين والخلافة والأمة" لآخر شيوخ الإسلام في الخلافة العثمانية الشيخ "مصطفى صبري".

يتحدث فيه عن إلغاء "الخلافة العثمانية" ودور "كمال أتاتورك" وأتباعه في إلغاء الخلافة، وحقيقة وجهته وأتباعه ومرادهم الخبيث وعدائهم للدين وللإسلام والمسلمين.

وقد قام الدكتور "مصطفى حلمي" بتحقيق هذا الكتاب، والتعليق عليه وبيان غوامضه، والتعريف بالأشخاص والجمعيات والجماعات السياسية المختفية وراء الأحداث التي صاحبها المؤلف، والتي ربما تخفى عن أجيال المسلمين المعاصرة لبعد الزمان والمكان، والتشويه المتعمد للحقائق حتى يظهر "أتاتورك" والاتحاديين -أتباعه- في صورة بهية خادعة للأجيال

لو أردنا عرض الكتاب أو اقتباس كلمات ومواقف مهمة منه فلابد من عرض صفحاته كلها تقريبا

.
وجنح المحقق إلى هذه التسمية "الأسرار الخفية وراء إلغاء الخلافة الإسلامية" ليكون مطابقاً لما أسفرت عنه حركة "كمال أتاتورك" ومن معه.

وقد حصل هذا الكتاب ومحققه د/ "مصطفى حلمي" على جائزة "الملك فيصل العالمية في الدراسات الإسلامية" سـنـ1985ــة م.

التعريف بشيخ الإسلام "مصطفى صبري"

من مواليد" تركيا" وبها كان طلبه للعلم. عين وهو في الثانية والعشرين مدرساً بجامع "السلطان محمد الفاتح" وكان كـ"الأزهر" في "مصر" له جهد كبير في التصدي لأتاتورك وأتباعه، واعتقل بسبب ذلك فترة من الزمن، وظل في جهده هذا حتى توفي بـ"مصر"  سـنـ1373ـةهـ.
كان عضوا في مجلس الشيوخ العثماني ثم نائباً لرئيس الوزراء.

له مؤلفات كثيرة منها:

قولي في المرأة - تحت سلطان القدر - مسألة ترجمان القرآن وغيرها.

التعريف بالدكتور "مصطفى حلمي"

هو "مصطفى محمد حلمي سليمان" ولد في "مصر" عام 1341هـ /1922م.

حصل على ليسانس الآداب والماجستير والدكتوراه من "جامعة الإسكندرية".

عين مدرساً بكلية دار العلوم ودرس في "جامعة الملك سعود"

ومن أشهر مؤلفاته:

منهج علماء الحديث والسنة في أصول الدين - السلفية بين العقيدة الإسلامية والفلسفة الغربية - قواعد المنهج السلفي - ابن تيمية والتصوف - الإسلام والمذاهب الفلسفية المعاصرة، وغيرها كثير.

هذا الكتاب:

يقع الكتاب في 287 صفحة بالمقدمات والفهارس، وهو عبارة عن قسمين:

القسم الأول: وهو نصف الكتاب تقريباً مقدمات للدكتور "مصطفى حلمي" وكلامه حول الكتاب الأصلي وبيان كثير من الحقائق في الحقبة التاريخية موضوع الكتاب.

القسم الثاني: هو النص الكامل لكتاب "النكير" لشيخ الإسلام "مصطفى صبري" مع تحقيقات وتعليقات د/ "مصطفى حلمي".

يبدأ الدكتور "مصطفى حلمي" مقدماته عن الأثر الخطير الفادح لإلغاء الخلافة على أمة الإسلام، وما نجم بعد ذلك من الصراعات والاتجاهات، وغلبة التيار التغريبي المدعم بالجيوش، وأصبحت الأمة معمل تجارب لاستيراد الدساتير والقوانين والفلسفات والقيم والعادات من الغرب وإحلالها محل الشريعة الإسلامية، وتقلص مفهوم الدين ليصبح علاقة بين الفرد وربه، وحصر إتـِّباعه داخل المساجد؛ تقليدا للمفهوم الكنسي في العصور الوسطى، بينما انطلق الدين في الغرب يمارس هذه السياسة على أوسع نطاق بخلاف ما تزيفه بعض وسائل إعلامه لخداعنا، وصار الدين هو المحرك الأول لساستهم وعامتهم وأن الغرب عاد للدين بعد مرحلة العلمانية على عكس ما سار عليه المسلمون في" تركيا" أو غيرها من البلاد الإسلامية.

ونستطيع أن نقول إن الكتاب سواء مقدمات الدكتور "مصطفى حلمي" أو الكتاب الأصلي "النكير" يدور على ستة محاور:

جنح المحقق إلى هذه التسمية "الأسرار الخفية وراء إلغاء الخلافة الإسلامية" ليكون مطابقاً لما أسفرت عنه حركة "كمال أتاتورك" ومن معه.

المحور الأول: دور "كمال أتاتورك" وأتباعه في إلغاء "الخلافة الإسلامية"، وعلاقته بالدول الأوروبية وخاصة" بريطانيا" التي صار أداة طيعة لها في تنفيذ مخططاتها في الكيد لهذا الدين، حتى أنه عرض على "السفير البريطاني" أن يتولى حكم "تركيا" بعد وفاته من أجل استمرار جهوده العلمانية. وكيف خُدع به المسلمون أولاً، وتصوروا أن تجربته المنقذ من تدهور الأمة حتى خدع به في البداية أمثال الشيخ "محمد رشيد رضا" -ثم هاجمة هجوماً عنيفاً حينما ظهرت حقيقته- وحتى قال عنه شوقي:

يا خالد الترك        جدد خالد العرب.

وكيف استطاع تدريجيا من إلغاء الخلافة فبدأ بعزل الخليفة عن الحكم وصار دوره شرفياً. في حين كان الحكم والحكومة في يده هو، ثم إلغاء "المحاكم الشرعية" ثم إلغاء الخلافة، والسير بتركيا إلى العلمانية اللادينية، فاستحق بحق أن يكون "دجال اللادينية الأكبر" كما وصفه د/ "مصطفى حلمي"، ثم بيان علاقته باليهود خاصة يهود الدونمة الذي ينتمي إليهم> والدكتاتورية والعنف الذي عامل به المسلمين وغلظته عليهم، وفرضه العلمانية اللادينية بالقوة والبطش والتنكيل والشنق مع العطف التام على اليهود والنصارى.

المحور الثاني: "الخلافة العثمانية" وبيان حقيقتها وفضلها على المسلمين، وما فعلته في خدمة الإسلام والمسلمين، وقوة المسلمين وانتشار الإسلام في ظلها، وكشف زيف وفساد ما يدعيه ويثيره البعض حولها، والرد على الشبهة التي طالما تتردد وتثار في كتب التاريخ المدرسي وعلى ألسنة المغرضين والمخدوعين من أنها كانت استعمارا واحتلالا للبلاد الإسلامية، مع بيان أهمية الخلافة وخطورة إلغائها.

وكذلك فضلها على أوروبا، وأنها علمتهم المبادئ والقيم والعلم والحضارة وغير ذلك كثير مع بيان الكوارث التي أصابت المسلمين بعدها، وبيان ما آلت إليه الأمة الآن وما كانت عليه في ظل الخلافة لمعرفة دورها في حماية الأمة وتوحيدها.

المحور الثالث: "دور الدول الأوربية واليهود" وأن هؤلاء بدافع حقدهم الصليبي واليهودي ظلوا في حرب مع دولة الخلافة طيلة خمسة قرون تقريبا يحرك ذلك ليس الساسة فقط بل القساوسة والرهبان والحاخامات، بل حتى من اشتهر منهم بالإلحاد والسخرية من الدين كـ"فولتير" الذي كان ينظم الأشعار الحماسية لمقاتلة الأتراك، واتحادهم ضدها في حروب كثيرة ثم إثارة الثورات العربية وتشجيعها كما حدث مع "الشريف حسين"، وتشجيع انفصال الدول العربية عنها كما حدث مع "محمد على "وكذلك "دول البلقان" وغيرها التي كانت تحت حكمهم، وخطورة ذلك على الأمة الإسلامية كلها مع بيان حقيقة هؤلاء وحقدهم وكيدهم للإسلام والمسلمين، ثم الدور الصليبي اليهودي وخطواته في قطع فلسطين من جسد الأمة الإسلامية.

المحور الرابع: "السلطان عبد الحميد" الخليفة المفترى عليه وعرض المشاكل التي جابهته وجهوده -رحمه الله- في الحفاظ على الخلافة والأمة وجهود الأوربيون واليهود والكماليين وبعض الفاسدين والمفسدين والموالين لأعداء الأمة ضده وسبب إخفاقه ونجاح أتاتورك.

المحور الخامس: تجلية كثير من الحقائق والأحداث التاريخية، وإظهار حقائق دول وأشخاص ودورهم خلال هذه الحقبة التاريخية الهامة.

المحور السادس: قضية فصل الدين عن السياسة، ثم في النهاية فشل التجربة الكمالية وفشل وخذلان كل من يحاول إبعاد هذه الأمة عن دينها.

ولو أردنا عرض الكتاب أو اقتباس كلمات ومواقف مهمة منه فلابد من عرض صفحاته كلها تقريبا. ولا نكون مبالغين إذا قلنا أن كل صفحة من صفحات هذا الكتاب لا تخلو من فائدة إما عن مخططات أعداء الإسلام والمسلمين، وحقيقة عدائهم وكيدهم لهذا الدين، أو أهمية وجود خلافة للمسلمينن وأنها حصن حصين للأمة، أو ضرورة التمسك بهذا الدين والعض عليه بالنواجذ، وأنه لا صلاح للأمة ولا خلاص لها مما هي فيه ولا قدرة لها على مواجهة أعدائها إلا به، أو تصحيح المفاهيم عن "الخلافة العثمانية" وكشف حقيقة "كمال أتاتورك" وأتباعه، ودورهم في إلغاء "الخلافة الإسلامية" وإبعاد "تركيا" عن دينها وإسلامها، وكذلك دور الصليبين واليهود في ذلك ودورهم وخطواتهم في قطع فلسطين من جسد الأمة. وغير ذلك من الفوائد.

فدراسة هذا الكتاب مهمة ليس لمعرفة حقبة تاريخية هامة من حياة المسلمين فحسب، ولكن ليبصر المسلم كثيرا من الأحداث والتطورات والمواقف من منظور إسلامي يعرف به حقيقة ما يدور حوله من الأحداث، والدوافع ورائها حتى لا ينخدع بكلمات معسولة، أو مصافحات وابتسامات تخفي ورائها قلوب أشد من قلوب الذئا،ب وكيد وحقد وعداء وخداع للمسلمين.

فحري بك أخي المسلم دراسة هذا الكتاب الذي يكشف تلك الحقائق الخفية.

وصلى الله وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد -صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وصحبه وسلم.