الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الأربعاء 01 أكتوبر 2025 - 9 ربيع الثاني 1447هـ

الوصايا النبوية (36) الوصية بأصول في التربية (موعظة الأسبوع)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عند جده قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ) (رواه أبو داود، وأحمد، وصححه الألباني في الإرواء).

مجمل الوصية:

في هذه الوصية توجيهان هما من أصول التربية:

الأول: ترسيخ الجانب التعبدي في نفوس الأطفال من الصغر، لينشأ الغَرْسُ موصولًا بربه -سبحانه وتعالى-، وهو ما تضمنه قوله: (مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ...).

الثاني: ترسيخ الجانب الأخلاقي، حيث تعويد الأطفال من الصغر على خُلُق العفة والحياء، وما يحيط بذلك من آداب. وهو ما تضمنه قوله: (وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ).

بيان ذلك من خلال ثلاث وقفات:

الأولى: أهمية تربية الأبناء على تعاليم الإسلام:

- الأبناء نعمة من الله، تمناها الأنبياءُ والصالحون: قال -تعالى-: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا) (الكهف: 46)، وقال -تعالى- عن بعض أنبيائه: (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا) (مريم: 5).

- الأولاد مسؤولية الآباء من يوم الولادة، فالأطفال لا حساب عليهم: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَبْلُغَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الْمَصَابِ حَتَّى يُكْشَفَ عَنْهُ) (رواه أبو داود، والترمذي، وصححه الألباني).

- مرحلة الطفولة هي مرحلة التعليم والغَرْسِ والتثبيت؛ قالوا: (التعليم في الصغر كالنقش على الحجر)، وقال الشاعر:

قد ينفع الأدب الأحداثَ في مَهَلٍ               وَلَـيْسَ ينـفـع عند الكِبَرَةِ الأدبُ

إن الغصونَ إذا قَوَّمْتَها اعْتَدَلَتْ               وَلَنْ يَلِينَ إذا قـَـوَّمْتَهُ الخَـشـَبُ

- أكثر الآباء مشغولون بالتربية الدنيوية (الشهادة، الصحة، المستقبل الوظيفي)، ويغفلون عن التربية الدينية (الصلاة، الأخلاق، المستقبل في الآخرة)؛ قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) (التحريم: 6).

- الحذر من ترك الأولاد لجهات غير أمينة (بيئة سيئة، التقنيات ووسائل الاتصالات الحديثة)(1)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ عَلَيْهِمْ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ) (متفق عليه).

الثانية: لِمَ البداية بالصلاة؟

- الصلاة هي الشعيرة والمعلم الأعظم في بناء الدين، وبغيرها يسقط وينهدم: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ) (رواه أحمد (23496) والترمذي (2616)، وصححه الألباني).

- الصلاة نجاة من هلاك الدنيا والآخرة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ) (رواه النسائي، وصححه الألباني في صحيح النسائي)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

- الصلاة هي العبادة الوحيدة التي لا عذر في تركها، حيث تؤدَّى على كل حال (في المرض والصحة، في السلم والحرب، في السفر والحضر)؛ قال -تعالى-: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) (النساء: 103).

- ولذا كانت أول ما يُربَّى عليه الصغار: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ(2).

- مشروعيَّةُ ضَرْبِ الولد (ذكرًا أو أنثى) على التَّقصير في الصلاة والواجبات إذا بَلَغَ عَشْرَ سِنينَ حتَّى يعتادَ على أدائها، قال: (وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ)(3).

الثالثة: سَدُّ كلِّ ذَرَائِعِ الْفِتْنَةِ بين الذُّكُورِ والإناثِ:

- تعاليم الإسلام للحفظ والوقاية (وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ).

قال الشيخ ابن باز -رحمه الله-: "الحديث عام يعم البنين والبنات، والتفريق يكون بجعل كل واحد من البنين، وكل واحدة من البنات في فراش مستقل، ولو كانوا في غرفة واحدة؛ لأن وجود كل واحد مع الآخر في فراش واحد قد يكون وسيلة لوقوع الفاحشة، وفَّق الله الجميع لكل خير" (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز)، قال -تعالى-: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا) (التغابن: 16).

التفريط ينشأ عنه الكوارث، ولا يجدي عند ذلك الندم (حوادث الزنا بين المحارم أكثرها بسبب ذلك).

بل يُعَلَّمُ الأبناءُ تعاليم وآداب الإسلام عمومًا، وللوالدين أجر (آداب اللباس، آداب النوم، آداب الكلام، آداب السلام، آداب الطعام، آداب المسجد، إلخ).

الخاتمة: الحثُّ على تعليم الأولاد كل ما ينفعهم ويصلحهم:

كما يُؤْمَرُ الصَّبيُّ والجارية بالصلاة لسبع، ويُضْرَبَانِ عليها لعشر، كذلك يُؤْمَرَانِ بصوم رمضان، ويُشَجَّعَانِ على كل خير، من قراءة القرآن، وصلاة النافلة، والحج والعمرة، والإكثار من التسبيح والتهليل والتكبير والتحميد، ويُمْنَعَانِ من جميع المعاصي.

نسأل الله أن يحفظ أولادَنا وأولادَ المسلمين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) قبلَ عقودٍ يسيرة من الزمن، كان الأولادُ يتهافتونَ إلى الوالدِ مِنْ كلِّ مكانٍ تهافتَ الفراشة على الزَّهرة بمجرد دخوله إلى البيتِ، ويَهْرَعُونَ إلى الباب لاستقباله والسَّلامِ عليه، ويُحَاوِلُونَ الجلوسَ بالقرب منه وقتَ الأكلِ والشُّرْبِ، وكان الصِّغَارُ يتزاحمون على النَّومِ بجانب والدهم، ويمرحون ويفرحون لرؤيته وتقبيل يده. أما في عَصْرِ الإنترنت وانشغالِ مُعْظَمِ النَّاسِ بالهواتف (الغَبِيَّةِ) ووسائل (التَّقاطعِ) الاجتماعي -إنْ صَحَّ التَّعبيرُ-، فقد عَزَفَ أكثرُ الأطفال والمراهقين وحتى الشباب عن مُجَالَسَةِ آبائهم والحديث إليهم والاستفادة من تجاربهم، وفي حالات كثيرة يخرج الأبناءُ من الغرفة واحدًا بَعْدَ الآخر بمجرد دُخُولِ والدهم إليها، فيبقى وحيدًا فريدًا مع نفسه، وذلك بسبب انشغالهم بالصداقات الوهميَّة والألعاب الإلكترونية ومنصَّات التواصل الاجتماعي، أو ربَّما لكثرة غياب الوالد عن البيت، أو لأسباب أخرى.

(2) وللصلاة في الصغر فوائد كثيرة تَعُودُ على الأطفال: منها: تقوية علاقته بالله -تعالى-. ومنها: غَرْسُ قيم التواضع والشكر عمليًّا من خلال السجود وعلة ذلك. ومنها: أنها تربية نفسية حيث السكينة من كثرة الحركة والتوتر. ومنها: تعويد على الجماعية واجتناب الوحدة. ومنها: التَّعَوُّدُ على الالتزام والانضباط من خلال مواعيد الصلاة.

(3) ويُشْتَرَطُ في ضَرْبِ الصَّبيِّ على الصلاة أن يكون ضَرْبًا هَيِّنًا غير مُبَرِّحٍ، لا يَشُقُّ جلدًا، ولا يَكْسِرُ سِنًّا أو عَظْمًا، ويكون على الظهر أو الكتف وما أشبه ذلك، ويُتَجَنَّبُ الوجه؛ لأنه يُحَرَّمُ ضربه. والضرب نوع من العقوبة، وإلا فقد يكون غيره أنجع في العقوبة، فيُتَخَيَّرُ الأنسب.