الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ ياسر برهامي
الخميس 20 مارس 2025 - 20 رمضان 1446هـ

الوصايا النبوية (16) الوصية بالنساء (موعظة الأسبوع)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فعن عمرو بن الأحوص الجُشَمي، أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع يقول بعد أن حمد الله -تعالى- وأثنى عليه، وذكَّر ووعظ: (واستَوصوا بالنِّساءِ خيرًا، فإنَّما هُنَّ عوانٍ عندَكم، ليسَ تملِكونَ مِنهنَّ شيئًا غيرَ ذلِكَ إلَّا أن يأتينَ بِفاحِشةٍ مبيِّنةٍ، فإن فعَلنَ فاهجُروهُنَّ في المضاجِعِ واضرِبوهنَّ ضربًا غيرَ مبرِّحٍ، فإن أطعنَكم فلا تبغوا عليهنَّ سبيلًا، ألا وإنَّ لَكم على نسائِكم حقًّا، ولنسائِكم عليكم حقًّا، فأمَّا حقُّكم على نسائِكُم فلا يوطِئنَ فُرُشَكم من تَكرَهونَ، ولا يأذَنَّ في بيوتِكم لِمن تَكرَهونَ، ألا وإنَّ حقَّهُنَّ عليكُم أن تُحسِنوا إليهِنَّ في كسوتِهنَّ وطعامِهِنَّ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

مجمل الوصية:

هذه الوصية قالها النبي -صلى الله عليه وسلم- في آخر حياته، في حجة الوداع، وقيل لها: حجة الوداع؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ودع أصحابه، أو كأنه ودعهم فيها، في أعظم مشهد اجتمع فيه المسلمون في حياته -صلى الله عليه وسلم-، فذكرهم فيها بأمور؛ منها: الوصية بالنساء، وهذا يدل على شدة عناية الإسلام بشأن المرأة.

- حرص الإسلام على أن تكون العلاقة الزوجية قوية متماسكة، ووضع من الحلول العملية لضمان استمرار الحياة الزوجية، وبغض في الفرقة بأي سبيل، وجعل الطلاق آخر الحلول: قال -تعالى-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ? إِنَّ فِي ذَ?لِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم: 21).

ـ وضمانًا لاستمرار الحياة الزوجية شرع حقوقًا لكلٍّ من الزوجين، وواجبات على كل منهما تجاه الآخر: قال -تعالى-: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (النساء: 19)، وقال: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ( (البقرة: 228)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (ألا وإنَّ لَكم على نسائِكم حقًّا، ولنسائِكم عليكم حقًّا) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

حقوق الزوجة على زوجها:

تمهيد: تنقسم حقوق الزوجة على زوجها إلى قسمين: (حقوق مالية - حقوق معنوية).

أولًا: الحقوق المالية:

- المهر: وهو المال الذي تستحقه الزوجة على زوجها بالعقد عليها أو بالدخول بها: قال -تعالى-: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) (النساء: 4).

- النفقة: وهو ما تحتاجه الزوجة من طعام ومسكن وملبس، وغير ذلك: قال -تعالى-: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (البقرة: 233)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (دِينارٌ أنْفَقْتَهُ في سَبيلِ اللهِ، ودِينارٌ أنْفَقْتَهُ في رَقَبَةٍ، ودِينارٌ تَصَدَّقْتَ به علَى مِسْكِينٍ، ودِينارٌ أنْفَقْتَهُ علَى أهْلِكَ؛ أعْظَمُها أجْرًا الذي أنْفَقْتَهُ علَى أهْلِكَ ) (رواه مسلم).

ثانيًا: الحقوق المعنوية:

- وهذه الحقوق تتلخص في المعاشرة بالمعروف والإحسان إليها: قال -تعالى-: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى? أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) (النساء: 19).

ويتمثل حسن المعاشرة في الآتي:

1ـ احتمال أذاها، والحلم عند طيشها: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (واسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا؛ فإنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِن ضِلَعٍ، وإنَّ أعْوَجَ شَيءٍ في الضِّلَعِ أعْلاهُ، فإنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وإنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أعْوَجَ، فاسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا) (متفق عليه).

2ـ مداعبتها وملاطفتها ومضاحكتها: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لجابر -رضي الله عنه- لما أراد الزواج: (هَلَّا جَارِيَةً تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ) (متفق عليه)، وفي رواية: (‌فَهَلَّا ‌جَارِيَةً ‌تُلَاعِبُهَا ‌وَتُلَاعِبُكَ ‌وَتُضَاحِكُهَا ‌وَتُضَاحِكُكَ؟) (رواه البخاري).

3ـ تجنب ضرب الوجه والسب والشتم عند تقويمها: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (‌وَلَا ‌تَضْرِبِ ‌الْوَجْهَ، ‌وَلَا ‌تُقَبِّحْ) (رواه أبو داود، وقال الألباني: "حسن صحيح").

4ـ تعليمها ما تحتاجه من أمر دينها أو السماح لها بذلك: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ الله مَسَاجِدَ الله) (متفق عليه)(1).

5ـ الاعتدال في الغيرة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (منَ الغَيرةِ ما يحبُّ اللَّهُ ومِنها ما يُبغِضُ اللَّهُ، فأمَّا الَّتي يحبُّها اللَّهُ فالغيرةُ في الرِّيبةِ، وأمَّا الغيرةُ الَّتي يُبغِضُها اللَّهُ فالغَيرةُ في غيرِ ريبةٍ) (رواه أبو داود، وحسنه الألباني).

6ـ العدل بين الزوجات في النفقة والمبيت: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (‌مَنْ ‌كَانَ ‌لَهُ ‌امْرَأَتَانِ ‌يَمِيلُ ‌لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَدُ شِقَّيْهِ مَائِلٌ) (رواه النسائي، وصححه الألباني).

7ـ عدم إساءة الظن بها: عن جابر -رضي الله عنه- قال: "نَهَى رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلًا يَتَخَوَّنُهُمْ، أَوْ يَلْتَمِسُ عَثَرَاتِهِمْ" (متفق عليه).

حقوق الزوج على زوجته:

1- معرفة مكانته في الدين؛ فقد عظم الإسلام من مكانة الزوج: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يَصْلحُ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَر وَلَوْ صَلحَ لِبَشَر أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَر لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا مِنْ عِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا(رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني).  

2- وجوب طاعته في المعروف: عَنْ حُصَيْنِ بن مِحْصَنٍ، عَنْ عَمَّتِهِ، أَنَّهَا أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَاجَةٍ، فَقَضَى لَهَا حَاجَتَهَا، ثُمَّ قَالَ: (أَذَاتُ بَعْلٍ أَنْتِ؟)، قَالَتْ: "نَعَمْ"، قَالَ: (فَكَيْفَ أَنْتِ لَهُ؟) قَالَتْ: "مَا آلُوَهُ إِلا مَا عَجَزْتُ عَنْهُ"، قَالَ: (فَانْظُرِي كَيْفَ أَنْتِ لَهُ فَإِنَّهُ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ(رواه أحمد والطبراني في الأوسط، وصححه الألباني)، وقال الله -تعالى-: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ(النساء:34).

3- إعانته على طاعة الله: قال الله -تعالى-: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (قَلْبٌ شَاكِرٌ، وَلِسَانٌ ذَاكِرٌ، وَزَوْجَةٌ صَالِحَةٌ تُعِينُكَ عَلَى أَمْرِ دُنْيَاكَ وَدِينِكَ خَيْر مَا اكْتَنَزَ النَّاسُ(رواه البيهقي في شعب الإيمان، وصححه الألباني). (إشارة إلى قصة الزوجين اللذين تحولا بعد الطاعة إلى التفريط والمال والدنيا؛ كانت النهاية: أنتِ طالق"؛ فاحذري أن تعينيه على المعصية.

4- استئذانه فيما لا بد من إذنه فيه: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ(متفق عليه)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَلا تَأْذَنَ فِي بَيْتِهِ إِلا بِإِذْنِهِ(متفق عليه).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "إذا خرجت من داره بغير إذنه؛ فلا نفقة لها ولا كسوة". وقال أبو هريرة -رضي الله عنه-: "وَلاَ يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَصَدَّقَ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا إِلاَّ بِإِذْنِهِ" (رواه أبو داود، وقال الألباني: "صحيح موقوفًا").  

5- حفظ ماله وعياله، وتدبير شئون منزله: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا(متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (نِسَاءُ قُرَيْشٍ خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الإِبِلَ؛ أَحْنَاهُ عَلَى طِفْلٍ، وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ(متفق عليه).

6- التبعل والتزين له وحده: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا؛ قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ(رواه أحمد وابن حبان، وصححه الألباني).

ـ المتبذلة مقصِّرة في حقِّ زوجها، ومخالِفة لفطرة الله في النساء: قال الله -تعالى-: (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ(الزخرف:18).

تقويم الزوجة:

قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (‌فَإِنْ ‌فَعَلْنَ ‌فَاهْجُرُوهُنَّ ‌فِي ‌المَضَاجِعِ، ‌وَاضْرِبُوهُنَّ ‌ضَرْبًا ‌غَيْرَ ‌مُبَرِّحٍ، ‌فَإِنْ ‌أَطَعْنَكُمْ ‌فَلَا ‌تَبْغُوا ‌عَلَيْهِنَّ ‌سَبِيلًا) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

خاتمة:

ـ من سعادة الزوجين: التعاون على بناء البيت على الدِّين لتكون لهم السعادة الأبدية: قال -تعالى-: (إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ . هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ . لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ . سَلَامٌ قَوْلًا مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ) (يس: 55-58).

(رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) (الفرقان: 74).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) قال النووي -رحمه الله-: "ولكن بشروط ذكرها العلماء مأخوذة من الأحاديث؛ وهي: ألا تكون متطيبة، ولا متزينة، ولا ذات خلاخل يسمع صوتها، ولا ثياب فاخرة، ولا مختلطة بالرجال، ولا شابة ونحوها، ممَّن يفتتن بها، وألا يكون في الطريق ما يخاف منه مفسدة ونحوها) (شرح النووي على مسلم).