كتبه/ ياسر
برهامي
الحمد
لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقال
الله -تعالى-: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا
بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ
وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ
بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا
عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) (آل عمران: 112-113).
قال ابن كثير -رحمه الله-: "قوله -تعالى-: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ
الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ
النَّاسِ) أي: ألزمهم الله الذلة والصغار أينما كانوا، فلا
يأمنون (إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ)؛ أي: بذمة
من الله، وهو عقد الذمة لهم وضرب الجزية عليهم، وإلزامهم أحكام الملة. (وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ)
أي: أمان منهم ولهم، كما في المهادن والمعاهد والأسير إذا أمَّنه واحدٌ من
المسلمين ولو امرأة، وكذا عبد، على أحد قولي العلماء.
قال
ابن عباس: (إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ)
أي: بعهد من الله وعهد من الناس، و هكذا قال مجاهد، وعكرمة، وعطاء، والضحاك،
والحسن، وقتادة، والسدي، والربيع بن أنس.
وقوله:
(وَبَاءُوا
بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ) أي: ألزموا فالتزموا بغضب من الله،
وهم يستحقونه، (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ) أي: ألزموها
قدرًا وشرعًا؛ ولهذا قال: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ
اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ)؛ أي: وإنما
حملهم على ذلك الكبر والبغي والحسد، فأعقبهم ذلك الذلة والصغار والمسكنة أبدًا،
متصلًا بذلة الآخرة.
ثم
قال -تعالى-: (ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) أي: إنما
حملهم على الكفر بآيات الله وقتل رسل الله، وقُيِّضوا لذلك أنهم كانوا يكثرون
العصيان لأوامر الله -عز وجل-، والغشيان لمعاصي الله، والاعتداء في شرع الله،
فعياذًا بالله من ذلك، والله المستعان".
فقتل
الأنبياء أمرٌ من أسهل ما يكون على اليهود! وهم والله لو كانوا تمكَّنوا من الرسول
-صلى الله عليه وسلم- لقتلوه، لولا أن الله عصمه منهم، وبنو النضير كانت تهدف إلى
قتل الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وبعد خيبر وضعوا السم له -صلى الله عليه وسلم-،
وبنو قريظة كان هدفهم قتل النبي -صلى الله عليه وسلم-، فسبحان الله! هم قتلة
الأنبياء؛ ففي إنجيل متى: "يَا أُورُشَلِيمُ، يا أُورُشَلِيمُ! يا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاء،
وَرَاجِمَةَ المْرْسَلِين إِلَيْهَا!".
هذه
الكلمات موجودة في الإنجيل، واليهود هم المقصودون بها؛ لأن بني إسرائيل هم مَن
كانوا يملؤون القدس، وهؤلاء هم قتلة الأنبياء، نسأل الله العافية.
(وَيَقْتُلُونَ
الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ)؛
فلا غرابة، ولا عجب أن يقتلوا المسلمين اليوم، ويسفكوا دماءهم؛ فهم قد قتلوا
الأنبياء، فكيف بغيرهم من المسلمين؟!
وقد
ذمهم الله -تعالى- بأنهم يقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس -وذلك هو ما ينشغلون
به الآن-؛ قال الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ
يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ
وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم
بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) (آل عمران: 21).
قال ابن كثير -رحمه الله-: "هذا ذم من الله -تعالى- لأهل
الكتاب فيما ارتكبوه من المآثم والمحارم في تكذيبهم بآيات الله قديمًا وحديثًا،
التي بلغتهم إياها الرسل، استكبارًا عليهم وعنادًا لهم، وتعاظمًا على الحق
واستنكافًا عن اتباعه، ومع هذا قتلوا من قتلوا من النبيين حين بلغوهم عن الله
شرعه، بغير سبب ولا جريمة منهم إليهم؛ إلا لكونهم دعوهم إلى الحق، (وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ)
وهذا هو غاية الكبر؛ كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ) (رواه
مسلم).
ولهذا
لما أن تكبروا عن الحق واستكبروا على الخلق؛ قابلهم الله على ذلك بالذلة والصغار
في الدنيا والعذاب المهين في الآخرة، فقال: (فَبَشِّرْهُم
بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)؛ أي: موجع مهين. (أُولَئِكَ
الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ
مِنْ نَاصِرِينَ) (آل عمران: 22)".
هذه
طبيعة هؤلاء اليهود!