كتبه/ سامح بسيوني
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فمن الشبهات المثارة حول مشروعية العمل الجماعي المؤسسي التعاوني:
الشبهة الثالثة: البعض ينهى عن العمل داخل الكيانات الإصلاحية؛ بدعوى أنه لا يجوز التسمي باسم غير اسم الإسلام، وأن العمل في كيانات يستلزم التسمي والانتساب؛ واستدلوا بقول الله -تعالى-: (هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ) (الحج: 78).
وللرد على هذه الشبهة نقول:
أولًا: إطلاق الأسماء ابتداءً على أي حقيقة أو كيان لا ضرر منه مطلقًا؛ سواء في الشرعيات أو المباحات، والاسم ما دام لا يشتمل على باطل فليس ممنوعًا شرعًا، وقد سمَّى النبي -صلى الله عليه وسلم- بعض المسلمين بالمهاجرين -من أجل الهجرة-، وسمَّى البعض الأخر بالأنصار -من أجل النصرة-، وسُمي مَن جاء بعدهم بالتابعين -لاتباعهم مَن سبقهم من المهاجرين والأنصار-، بل كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يخص بعضهم بخطاب لهم -وهو موجَّه لكل المسلمين- فيقول: "يا معشر المهاجرين"، وما زال المسلمون يتخذون الأسماء والألقاب التي تميِّز منهجهم أو مذهبهم على مرِّ العصور: كالأحناف، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، والظاهرية، وغيرها.
فما الضير إذًا في تسمي أي كيان باسم مميز له ما دام الاسم لا يحتوي على مخالفة شرعية؟!
ثانيًا: التسمية لأي كيان ليس معناها التعصب لاسم الكيان، أو أن تكون الموالاة والمعادة على مجرد الانضمام للكيان أو المفارقة له، بل الأصل أن كل مسلم يشهد الشهادتين ويعمل حسب استطاعته بمقتضاهما يجب أن يُحَب ويُعَان على طاعته، ويُوالَى على حبِّه لله ورسوله، ولا ينصر من انتمي لكيان ما إن كان مبطلًا ولو كان عدوه كافرًا، ولا يوالى المنتمي لكيان ما في الظلم مهما كان، فالمولاة تكون لكل مسلم حسب دينه واعتقاده وإيمانه، وحسب قربه وبعده مما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وليس على مجرد الاسم الذى ينتسب إليه.
ومع هذا فلا بد أن نعي أن التعصب الذي قد يقع من البعض على الأسماء وارد جدًّا، وقد وقع ذلك بين الصحابة من التعصب لتلك الأسماء التي تنادوا بها: "يا للمهاجرين - يا للأنصار"، ما كادوا أن يقتتلوا عليه، ومع هذا لم ينههم النبي -صلى الله عليه وسلم- عن التسمي بتلك الأسماء، بل نهاهم عن التعصب لها فقط؛ فقال: (مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ؟! دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ) (متفق عليه).
وقد وقع أيضًا من التعصب بين طلبة المدارس الفقهية لمذاهبهم عبر الزمان ما لا يكاد العقل أن يصدقه؛ فهل نهى أهل العلم عن التسمي بهذه الأسماء المذهبية أم أن النهي كان واقعًا على التعصب لها؟!
والإجابة الواضحة: أنه لم ينهَ أهل العلم قطعًا عن التسمي بأسماء المدارس الفقهية، لكن النهي كان واقعًا على التعصب.
ونكمل في المقال القادم -بإذن الله-.