الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فتستنكر الدعوة السلفية وتدين بشدة ما أقدمت عليه قوات جيش الكيان الصهيوني من مجزرة بشعة ضد المدنيين في مخيم النصيرات بقطاع غزة، حيث قامت قواته بقصف مكثف وعشوائي على المخيم، والذي يضم أكبر تجمع للفلسطينيين الذين نزحوا بعد اجتياح اليهود لفلسطين عام 1948م، والذي يقع في وسط قطاع غزة، وهو من الأماكن القليلة التي لم يجتحها الكيان الصهيوني خلال هجمته الإجرامية الأخيرة.
قام الكيان الصهيوني خلال هجومه على المخيم -في محاولاته لاستعادة بعض المستوطنين الغاصبين- بقصفٍ بصورة هي من أشد صور القصف الذي قام به لتمهيد الطريق أمام قواته الخاصة، والتي تخفَّت في خسة في شاحنة لنقل المساعدات، وما إن اكتشف الفلسطينيون المكيدة وبدأوا في المقاومة حتى بادر الكيان بهذا القصف الجنوني لكل مَن أمامه؛ والذي ينم عن حالة من الهلع والارتباك.
ثم ذكر الكيان الصهيوني أنه حرر أربعة من الأسرى، واعترف بمقتل أحد جنوده، وهو عادة ما لا يعترف بالعدد الحقيقي لقتلاه.
وفي المقابل: قتل ما يفوق المائتي والسبعين فلسطينيًّا -نحتسبهم شهداء عند الله سبحانه وتعالى-، وأصاب المئات -نسأل الله أن يشفيهم ويخفف عنهم-.
ولا يزال الكيان الصهيوني يعربد في فلسطين، وهو لا يلتفت لا لعدد القتلى الذي تجاوز الخمسة والثلاثين ألفًا، ولا لأضعافهم من المصابين، ولا لتدمير قطاع غزة بالكامل تقريبًا، ولا يلتفت أيضًا لنداءات المنظمات الدولية، ولا يستجيب لمبادرات وقف إطلاق النار، بل ويسعى لإفشالها، فالصهاينة لا يفهمون إلا لغة القوة والمقاومة والردع.
وإنا أولًا نشكو إلى الله ضعف قوتنا وقلة حيلتنا، وندعوه وحده وهو "القوي العزيز" أن ينتقم من اليهود وممن ساعد اليهود، وممن أيد اليهود، وأن يحصيهم عددًا، ويقتلهم بددًا، ولا يغادر منهم أحدًا.
فقد ترددت الأنباء أن قوة أمريكية خاصة ساهمت في تقديم المساعدة والدعم، ولا غرابة؛ فـ"بعضهم أولياء بعض"، وقد أقام اليهود الأفراح؛ لأنهم استعادوا أربعة من الأسرى بعد مرور قريب من تسعة أشهر على عملية السابع من أكتوبر، وقد قتل منهم في العملية ذاتها ما لا نعلم عدده.
إن عدم قدرة الكيان الصهيوني -إلى الآن- على استعادة كافة أسراه، أو تدمير المقاومة؛ لهو غصة في حلقه، ودليل على فشله وعلى انهيار صورته كدولة لها رؤية إستراتيجية وإمكانات كان يفاخر به العالم قبل أحداث السابع من أكتوبر.
يتحرك الكيان الصهيوني كالذئب المصاب المضطرب، فيقدم على أهوال وجرائم يريد بها الهيبة، وهي تقحمه في مزيدٍ من المصائب وسط سخط غير مسبوق ومتزايد عليه ممَّن لديه بعض الإنسانية من الأنظمة والأفراد.
ولكن نقول لدولنا العربية والإسلامية: إنكم لا يسعكم أن تسخطوا كما يسخط المنصفون حول العالم فقط، ولكن في أعناقكم واجب إغاثة الملهوفين، وإنقاذ المظلومين، وردع المعتدين الغاصبين.
في أعناقكم أمانة بذل أقصى ما تستطيعون لإنقاذ المستضعفين من الرجال والنساء والولدان المنكوبين، وأن تضعوا نصب أعينكم قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه عنه جابر بن عبد الله وأبو طلحة بن سهل الأنصاري أنهما قالا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَا مِنَ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، إِلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ، وَمَا مِنَ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ، إِلَّا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ نُصْرَتَهُ) (رواه أحمد وأبو داود، وحسنه الألباني).
قال صاحب عون المعبود: "والمعنى: ليس أحد يترك نصرة مسلم مع وجود القدرة عليه بالقول أو الفعل عند حضور غيبته، أو إهانته أو ضربه أو قتله، إلا خذله الله".
إن اجتماع الدول العربية والإسلامية اليوم على أمر رشيد -فيه موقف حاسم وخطوات جادة أمام الكيان الصهيوني لردعه عن غيه، وحصاره ليدفع ضريبة تلك المجازر التي يغضب لها رب الأرض والسماوات-؛ لهو موقف ضروري، وخطوات حتمية لإيقاف ذلك العدوان بعد أن بلغ حدًّا غير مسبوق.
وإلى شعبنا الأبي الصامد في فلسطين العزيزة، إن الشجاعة صبر ساعة وإن الله يجازي المؤمن على الشوكة يشاكوها إذا صبر ولم يسخط؛ فكيف بمصابكم؟!
وإن قلوب مليار ونصف من المسلمين معكم، وتتوق إلى نصرتكم، وتلهج الألسنة في هذه الأيام المباركة بالدعاء لكم، وما أمضاه من سلاح!
فاللهم "إنا مغلوبون فانتصر".
اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين.
اللهم إن اليهود لا يعجزونك.
اللهم أنت نعم المولى ونعم النصير.
الدعوة السلفية بمصر
الأحد 3 ذو الحجة 1445هـ
9 يونيو 2024م