كتبه/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فالقضية الفلسطينية قضية محورية في اهتمامات المسلمين، وقد مرَّتْ بعددٍ مِن الأطوار، ومنذ الانسحاب الأحادي للصهاينة من غزة عام 2005م تكررت مواجهات يكون أحد طرفيها: الكيان الصهيوني، والجانب الآخر: المقاومة الفلسطينية؛ كلها أو فصيل منها "بالذات الفصائل الإسلامية".
ولا شك أن المسلم لا بد أن يُناصِر بقلبه ودعائه ثم بكل وسيلة ممكنة، كلَّ مَن يقوم بواجب الجهاد، وإن اختلفنا معه في أمورٍ أخرى، بل وإن اختلفنا معه في طريقة إدارته للمعركة، وهذا لا يمنعنا من تقديم واجب النصح.
ونحن لا نستنكِر على "حماس" -وغيرها مِن فصائل المقاومة- شراء السلاح من إيران، أو حتى قبول الهبات منها، وإنما الإنكار ينصب على أمرين:
الأول: الثناء المطلق على إيران دون إشارة إلى جرائمها العقدية في حقِّ الصحابة، وجرائمها في حق الأمة في: العراق، وسوريا، واليمن، وغيرها!
الثاني: عدم عمل ممانعة ضد الغزو الشيعي للأجيال الناشئة في فلسطين.
وفي عام 2009م كانت هناك حرب إسرائيلية على حماس، وكان تأييدنا لحماس، وبعده كتبتُ هذه النصيحة للإخوة في حماس، وأعيد الآن نشرها كما هي بعد معركة: "سيف القدس"؛ آملين أن يكون التقدُّم الذي حدث في تلك المعركة دافعًا لحماس لكي تتعامل مع "إيران" على أنها مجرد بائع سلاح، وأنها لو كانت تعتبر القضية قضيتها لدفعت بحليفها الرئيسي في المنطقة "حزب الله"، إلى خوض المعركة بجوار إخوانه الفلسطينيين.
نصيحة إلى الإخوة في "حماس"... "الأحضان الإيرانية ليست دافئة!"
فقد فَرِح المسلمون في كلِّ مكان -بفضل الله سبحانه وتعالى- بتثبيته المجاهدين في غزة في وجه العدو اليهودي الكافر، الغاصب المعتدي، وبما أكرمهم به من صدِّ هجومه، ومنعه مِن تحقيق أهدافه في إسقاط حركة المقاومة الإسلامية، وإحلال العملاء مكانها.
ورغم أن قوة إسرائيل الآن هي أضعاف ما كانت عليه منذ أربعين سنة، ورغم أنها واجهت بضعة آلاف من المقاتلين الذين ليس عندهم إلا التسليح الخفيف بلا طيران، ولا دفاع جوي، ولا دبابات، ولا مدرعات، وبعد حصارٍ طويل ظالم؛ إلا أن الله ثبَّتهم هذه المدة كلَّها، وقد كانت الجيوش العربية في سنـ67ـة قد انهارت في عدة ساعات وليس أيامًا، وقُتِل مئات الآلاف، واحتـُلت أراضي المسلمين، وسقطت القدس في أيدي اليهود مع الجولان وسيناء، وغزة بأسرها، والضفة الغربية؛ مما يجني المسلمون ثماره المُرَّة إلى الآن! وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وله الحمد -عز وجل- على كلِّ حال، وهو -سبحانه وتعالى- ينصر مَن يشاء، وهو العزيز الرحيم، لا يخلف وعده، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
وإنما كان ثبات المجاهدين بتوكلهم على الله وحده، وحبِّهم لنصرة دينه وإعلاء كلمته، ومع ذلك كله أنزل الله عليهم نصره في هذه الموقعة التي ليست هي آخر المواقع، ولا نهاية المعركة، بل ما بعدها أشد منها.
فمِنْ شُكْرِ نعمة الله علينا جميعًا أن نزداد تمسكًا بكتابه وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وألا نداهن في دين الله أحدًا، ولا نضحي بشيء من مبادئنا مجاملةً لأحدٍ، أو ظنًّا منا أن السياسة تقتضي ذلك؛ فإن أعداءنا مِن الكافرين والمنافقين لن يقبلوا أبدًا إلا بمتابعتهم، (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) (البقرة: 120)، ولن تغيرَ مواقفَهم تهنئةٌ بأعيادهم الكفرية، أو مجاملةٌ بترك تطبيق الشريعة.
ولا بد لنا أن نقيم شرع الله في كل بقعة مكَّننا الله فيها، ولقد سَبَق كثيرٌ مِن المسلمين المجاهدين في بقاع كثيرة من الأرض إلى إقامة الشريعة مع أنهم كانوا دون الإخوة في حماس قوة وتنظيمًا وعِلْمًا؛ فلا يسبقنكم -إخوانَنا- إلى الله أحدٍ.
ثم إنَّ مِن أعظم مظاهر إقامة الدين وأسباب النصر: التزام منهج أهل السُّنَّة والجماعة، والبُعد عن أهل البدع وطريقهم؛ خصوصًا مَن ظهر منه عبر التاريخ: الحقدُ على أهل السُّنَّة والجماعة، والتحالفُ مع أعدائهم ضدهم، والاستهانةُ بدمائهم وحرماتهم، بل والفرحُ بإزهاقها، وإن أظهروا -أحيانًا- خلاف ذلك؛ تقيةً كما هو معلوم مِن مذهبهم، فليس مِن أهل بدعة ينتسِبون إلى الإسلام شرٌّ مِن الرافضة.
ولا تزال مخططاتهم للسيطرة على بلاد أهل السُّنة، ونشر التشيُّع بين أبنائها، وتكوين الجماعات السرية والعلنية لتمزيق مجتمعاتهم مستمرة على قَدَمٍ وسَاقٍ في كلِّ مكان.
وكم نبَّه العلماء -حتى مَن كان منهم مغرورًا بزخرفهم مدة من الزمن- على خطرهم! فكيف لا نلقي بالًا لكلِّ هذه التحذيرات؟!
وكيف نحاول اللعب على حبال مقطوعة، ومصالح موهومة؛ هي في حقيقتها مفاسد لا شك فيها؟!
ووالله لن نجد عندهم نصرًا إلا بثمنٍ باهظٍ مِن ديننا، ومِن وحدة صفنا، ومن سلامة معتقدنا، وحتى لو لم نجد من أهل الأرض ناصرًا، فكفى بربك هاديًا ونصيرًا، و(إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (آل عمران: 160).
ووالله لن نجد في أحضانهم التي سارع إليها البعض مقدِّمًا شكرَ المجاملة على دورٍ لم يعملوه، ونصرٍ لم يحققوه، إلا أشواكًا دامية تدمي قلوبنا وأفئدتنا.
فهل يرضى أحدٌ بسبِّ أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأزواجه أمهات المؤمنين، والفرح بقتل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فاتح بيت المقدس، الذي في أعناق المسلمين في الشام كلها، ومصر، والعراق، وغيرها، منةٌ عظيمة له، ولأصحابه المجاهدين من الصحابة والتابعين، بعد منة الله -تعالى- عليهم بالهداية لهذا الدِّين مِن خلال جهادهم وفتحهم لهذه البلاد؟!
أفيكون تقديرنا لهم: موالاة مَن يطعن في دينهم، ويسبهم أعظم السب، وما تخفي صدورهم مِن الحقد أكبر مما تبديه ألسنتهم، وأجندتهم الخاصة بهم لا يتركونها، ولا تخفى على أحدٍ؟!
فاللهم أيِّد المسلمين بنصرك، واهدهم بهداك، وجنِّبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن، وارزقنا التمسُّك بسنة نبيك -صلى الله عليه وسلم-، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين مِن بعده، وأن يجنبنا محدثاتِ الأمور، وكلَ بدعة ضلالة. آمين.