كتبه/ غريب أبو الحسن
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فلعل الكثير يتساءل: لماذا يصر الصحفي إبراهيم عيسى على مهاجمة التراث والدين الإسلامي هذا الإصرار؟!
ولماذا لا يترك فرصة حتى يكيل الهجمات لرموز العالم الإسلامي والعربي؟!
ولماذا تستقبله "قناة الحرة" التابعة للمخابرات الأمريكية لثلاث مواسم متتالية ليقوم بعرض برنامجه: "مختلف عليه"؟!
ولماذا هو الاسم البارز في "مؤسسة تكوين" لـ"تخريب الوعي العربي"؟!
سنحاول في هذه السطور أن نجيب عن الأسئلة المطروحة، ولن نشرِّق في بادئ الأمر أو نغرِّب بعيدًا، بل سننقل عن رجل هو من العارفين بتاريخ الصحفي إبراهيم عيسى، وهو الكاتب الصحفي والمترجم "أيمن شرف"، بل هو من قدَّم إبراهيم عيسى للوسط السياسي وللوسط الناصري، وهو من يُقرُّ إبراهيم عيسى أنه أستاذه في فهم السياسة، قبل أن يتبرأ الصحفي أيمن شرف من إبراهيم عيسى ومن أفكاره، ومن الجهات التي تستخدم إبراهيم عيسى.
إن في مآلات إبراهيم عيسى عبرة لكل صحفي شريف، وكل صاحب كلمة، وكل محب لوطنه ودينه؛ أن يتأمل طريقة إبراهيم عيسى وانحيازاته حتى يتجنبها، فلا يخوض في الوحل كما خاض فيه إبراهيم عيسى، فقد بدأ إبراهيم عيسى -كما يوضح أيمن شرف- كصحفي صغير مفعم بالحيوية، وقد كان أيمن يولى إبراهيم عيسى قدرًا من الرعاية والاهتمام بعد أن أوصى أخوال إبراهيم عيسى الصحفي أيمن أن يواليه بالتوجيه والنصح.
قال الصحفي أيمن شرف في حوار له مع موقع "ذات مصر": "للصحفي إبراهيم عيسى مرحلتين رئيسيتين في حياته: ما قبل الثورة كان يقوم بدور "صحافة التنفيث" التي كان وضعها له صفوت الشريف، وأما بعد الثورة فلم يعد هناك مساحة لصحافة التنفيث فيمم إبراهيم عيسى وجهه صوب "الرجل الأبيض" بالخارج.
لذا سنقسم الحديث عن الصحفي إبراهيم عيسى لمرحلتين: ما قبل الثورة، وما بعد الثورة. وما بعد الثورة أيضًا هي عدة مراحل.
المرحلة الأولى: ما قبل الثورة:
حيث كان يرسم صفوت الشريف السياسات الإعلامية، وكان يفرد مساحة لـ"التنفيث الصحفي"، ويترك مساحة لـ"المعارضة المدارة"، ويترك بعض الصحفيين لمعارضة الدولة، فكانت هناك مساحة لإبراهيم عيسى في الصحافة المصرية كنوع من أنواع المعارضة المدارة والمرسوم لها الخطوط الحمراء؛ فلم يكن إبراهيم عيسى بالصحفي الذي تختاره السلطة في ذلك الوقت ليكون هو المعبر عنها، مثل: إبراهيم نافع، وغيره، ولم يكن إبراهيم عيسى بالصحفي المعارض الذي يملك من الرؤية والفكر ووجهات النظر والمبادئ التي تجعله الصحفي المعارض بحق؛ لذلك اختار إبراهيم عيسى أن يكون ثقب تنفيث لاحتقان الداخل المصري، فيكون المعارض الرسمي الذي تسمح له سياسات صفوت الشريف بالتنفيث عن الداخل المصري المأزوم وقتها، كلما شعر صفوت الشريف أن الضغط قد زاد في المجتمع.
وكما يوضح الصحفي أيمن شرف، فإن إبراهيم عيسى كان على تواصل مع صفوت الشريف، بل كان يلقبه بلقب هو مَن نحته بنفسه حين يتصل به ويقول له: "يا سيد الأخبار"، و"معالي الباشا.. أنت سيد الأخبار!"، ثم يخرج بعد ذلك لينتقده أو ينتقد سياسته أو حتى ينتقد السلطة وفق الجرعة التي يسمح بها صفوت الشريف نفسه! فلم يكن إبراهيم عيسى في يوم من الأيام يملك وجهة نظر مستقلة، بل كما يقول الصحفي أيمن شرف: هو يحسن أن يبيع وجهة النظر لمن يدفع قيمة وجهة النظر.
وكان يترافق مع ذلك من السلوكيات التي تشين أي صحفي حر؛ من ابتزاز رجال الأعمال كي يزيدوا من إعلاناتهم بجريدة الدستور حين كان يديرها إبراهيم عيسى وإلا تعرضوا لحملات موجهة من الجريدة!
ويقول الصحفي أيمن شرف: إن رجال الأعمال هؤلاء لازالوا أحياء؛ مما دفع مالك جريدة الدستور أن يبيعها بعد أن اكتشف أن دخل إبراهيم عيسى من الجريدة أكبر من دخله هو شخصيًّا؛ هذا فضلًا عن الفرق الكبير بين راتب إبراهيم عيسى وبين راتب الصحفيين، ففي الوقت الذي كان يتقاضى فيه الصحفي 200 جنيه، كان راتب إبراهيم عيسى 24000 جنيه!
عمومًا فترة ما قبل الثورة رغم أنها كانت تشين أي صحفي يمارس ما كان يمارسه إبراهيم عيسى، من الصحافة التي تستخدم للتنفيث دون تبني وجهة نظر تخدم الوطن؛ إلا أنها أقل عارًا من الفترة بعد الثورة؛ لأن قبل الثورة كان إبراهيم عيسى يبيع وجهة نظره لمن يدفع بالداخل، أما بعد الثورة فأصبح إبراهيم عيسى يبيع وجهة نظره لأعداء الأمة والدين والعروبة صراحة.
يقول الصحفي أيمن شرف: إنه بعد الثورة ومع تغير السلطة لم يعد أحد يتبنى فكرة الصحافة التنفيثية، فأصبح إبراهيم عيسى تائهًا ولا يجد له دورًا؛ لذلك توجه للخارج وأصبح يبيع وجهة نظره للخارج -أي يبيع قلمه وكلمته-، وهذا ما سنذكره في المرحلة التالية من مراحل بيع إبراهيم عيسى لوجهة نظره.
إبراهيم عيسى ما بعد الثورة:
كنت أتعجب حين أسمع إبراهيم عيسى وآراءه الشاذة التي تخالف الدين والفطرة، وعرف الشعب المصري، وهو يتعمد ترديد كلامه الرديء، والاشتباك بمناسبة وبدون مناسبة مع الدين، والأزهر، والحجاب، وقراءة القرآن، والسلفيين، والإسراء والمعراج، والتحقير الدائم من المقاومة الفلسطينية!
وأتساءل: مَن يخاطِب الصحفي إبراهيم عيسى؟ ووُد مَن يطلب؟ فهو كأنه يتكلم في الفراغ؛ فقد كرهه المستمع وحتى أقاربه، كما وضح أيمن، ولكنه مصر على الاستمرار وكأنه يخاطب جهة ما، وكأن هناك من ينتظر هذه المادة الإعلامية المسيئة للمجتمع والدين والتراث.
دعونا نتعرف لمن كان يعد إبراهيم عيسى هذه المادة، وما علاقته بمعهد إعلام الشرق الأوسط؟
المحطة الأولى :"معهد إعلام الشرق الأوسط":
معهد إعلام الشرق الأوسط هو منظمة أمريكية غير ربحية، أسسها ضابط استخبارات إسرائيلي سابق يدعى: "يجال كارمون"، وما زال في رئاسته إلى الآن، ويكفي أن تعرف أن يهودا باراك رئيس وزراء إسرائيل السابق من ضمن الهيئة الاستشارية للمعهد.
أما أهداف المعهد: فهي تتمثل في رصد الإعلام في منطقة الشرق "وخاصة منطقتنا العربية"، وترجمة ما ينشر في الإعلام العربي للغات الغربية، بحيث يكون ذلك المعهد والمعروف اختصارًا بـ"ميمري" هو المغذي الأول للصحافة الغربية والساسة والقادة الغربيين بمستجدات الإعلام العربي عن طريق البريد الإلكتروني.
ويركز بالطبع على كل ما يشوه الإسلام والعالم العربي، ويركز على كل ما يعتبره معاداة للسامية، وينقل وجهات نظر الكتاب الموالين للغرب والمعبرين عن المصالح الغربية والطاعنين في بلدانهم وتراثهم.
وطبعًا شكلت المادة التي يتناولها الصحفي إبراهيم عيسى مادة دسمة لمعهد إعلام الشرق الأوسط؛ يكفي أن تبحث في موقع المعهد "MEMRI" عن اسم إبراهيم عيسى، وستفاجأ أن إبراهيم عيسى له أرشيف كبير في موقع المعهد المعادي للعرب والمسلمين!
هنا أدركتُ مَن يخاطِب إبراهيم عيسى حين يهاجم التراث والدين والأزهر والسلفيين، والحجاب وقراءة القرآن، ولماذا يهاجم الفلسطينيين بشكل دائم! ولماذا يهاجم المقاومة الفلسطينية بهذا الشكل المحموم! فالرجل ينتج المادة التي تصلح أن تنشر في الموقع الأول الداعم للصهيونية في العالم!
المحطة الثانية: إبراهيم عيسى وبرنامج: "مختلف عليه" على قناة الحرة الأمريكية:
لم تنتهِ قصة إبراهيم عيسى بعد، بل بدأت!
يشغل الدبلوماسي الأمريكي السابق: "روبرتو ميغيل فرنانديز" منصب نائب رئيس "معهد إعلام الشرق الأوسط" سابق الذكر، وفرنانديز هو دبلوماسي أمريكي مخضرم خدم في أفغانستان والسودان والعراق، والعديد من الدول، يجيد أربع لغات، منها: العربية بطلاقة، والإسبانية، وبالطبع الإنجليزية.
أقام إبراهيم عيسى صداقة مع الدبلوماسي الأمريكي المخضرم، لا نعرف كيف، ولكن -كما أسلفنا- كانت المادة التي يعدها إبراهيم عيسى والتي تطعن في الإسلام والتراث والعرف، والرموز الإسلامية، تثير إعجاب فرنانديز، وكان دائم الاقتباس منها في المعهد الصهيوني "ميمري".
ثم انتقل فرنانديز في عام 2017 من معهد "ميمري" إلى رئاسة "شبكات البث الأمريكية في الشرق الأوسط" والتي تملك "قناة الحرة"، وهنا قام فرنانديز بالتواصل مع العديد من الكتاب في عالمنا العربي لكتابة مقالات لا تتعدى 600 كلمة للمقال مقابل 500 دولار، واستقطب العديد من الكتاب كما يقول الصحفي حافظ الميرازي.
ثم أنتجت قناة الحرة الفضائية بقيادة فرنانديز برنامج: "مختلف عليه" للصحفي إبراهيم عيسى لثلاث مواسم متتالية، أنتج فيها أكثر من مائة حلقة، ولك أن تتابع برنامج مختلف عليه لتكتشف أن ضيوف إبراهيم عيسى هم من أسس بهم بعد ذلك "مؤسسة تكوين!"، وأن الشبهات التي يتناولها إبراهيم عيسى مع ضيوفه في برنامجه المخزي هي ذات الشبهات التي يطرحها مؤسسو تكوين على موقع مؤسسة تكوين.
نفس الشبهات البالية التي رددها المستشرقون من مئات السنين؛ في محاولة يائسة لإثبات أن السنة كلها ضعيفة، وأن القرآن هو عبارة عن قصص رمزية لا تؤخذ منها أحكام، وأن الفقهاء والعلماء قد أساءوا للدين، والهجوم العنيف على الإمام الشافعي -رحمه الله-؛ لأنه ألَّف كتاب "الرسالة" الذي بيَّن فيه أن السنة شارحة للقرآن، وأنها مصدر للأحكام مع القرآن.
استضاف إبراهيم عيسى بمساعدة فرنانديز "نائب رئيس ميمري"، والذي كان على دراية دقيقة بالكُتَّاب الذين يطعنون في تراث المسلمين، وأصحاب الأفكار الغربية العقيمة، وأذناب المستشرقين، والموتورين من مختلف أنحاء العالم العربي؛ فيسعك أن تقول: إن برنامج "مختلف عليه" كان مقدمة لإنشاء "مؤسسة تكوين".
وستجد أن إبراهيم عيسى قد استضاف مروِّج الإلحاد "فراس السواح" الذي يقول: إنه لا توجد حياة بعد الموت، وأن الخوف من النار والعمل لأجل الجنة هو من التخلُّف، ويقول: إن السنة كلها موضوعة، والسيرة النبوية كلها خاطئة!
واستضاف الهالك "سيد القمني"؛ الذي قال صراحة وعلى الهواء: إنه كافر.
واستضاف بالطبع صديقه "إسلام البحيري"، واستضاف الملحد الشهير "أحمد سعد زايد"، ولم يترك مخرِّفًا ولا طاعنًا في السنة والتراث والدين إلا استضافه، ووفَّر له منصة يخاطب بها عالمنا العربي والإسلامي بتمويل أمريكي سخي.
المحطة الثالثة:
قال الروائي يوسف زيدان: إن إبراهيم عيسى قد اتصل عليه، وقال له: "لازم تصالح إسلام البحيري"، وأنه ذهب إليه ووجد أن إبراهيم عيسى قد أعد مأدبة غداء فاخرة، وأنه تم الصلح بعد ذلك، فيبدو أن إبراهيم عيسى كان له الدور البارز في تجميع تلك الثلة التي يُرَاد لها أن تلوث الفكر العربي.
ويبدو أن هناك أيادٍ أرادت أن تجمع تلك الأفكار الملوثة في إناء واحد، حتى تكون جرعة السم التي تصب في أنهار الأمة كفيلة بأن تأتي بمفعولها، والله من ورائهم محيط.
ويكفي أن تلقي نظرة على المقالات والأفكار المبثوثة التي على موقع تكوين حتى تدرك أنها نفس الأفكار التي طرحها إبراهيم عيسى في برنامج "مختلف عليه" مع ضيوفه الذين رشحهم فرنانديز رئيس قناة الحرة، ونائب رئيس معهد إعلام الشرق الأوسط الداعم للصهيونية، والمعادي للإسلام والعروبة، وستجد تقاطعًا كبيرًا بين ضيوف برنامجه في القناة الأمريكية، وبين كتاب المقالات ومجلس أمناء مؤسسة تكوين.
فيبدو أن إبراهيم عيسى بعد أن ضاقت عليه صحافة التنفيث -كما أخبر رفيقه السابق أو أستاذه السابق أيمن شرف-؛ وجد المتنفس في معهد إعلام الشرق الأوسط، ثم في قناة الحرة الأمريكية، وبرنامج العار المسمى: "مختلف عليه".
ثم أخيرًا في "مؤسسة تكوين" التي لا هَمَّ لها إلا الطعن في ثبوت القرآن وتفاسير القرآن، وفي السنة، وفي عدالة الصحابة، وفي العلماء والفقهاء، بل وفي الرموز والقادة التي يملأون وجدان كل مسلم، مثل: صلاح الدين، وعبد الرحمن الداخل، بل ويطعنون في المؤسسات الدينية، بل وفي أي سلطة سياسية إذا وقفت في طريق تخريبهم للعقل العربي.
وإنك لتعجب حين يشككون في القرآن المحفوظ بحفظ الله له، ثم يشككون في السنة التي حفظت بعلم الإسناد الفريد الذي تفرَّد به المسلمون دون العالم، ثم يطلبون منا أن نتبع آراء مجموعة من الفلاسفة التائهين، والذي غاية علمهم أنهم يدعونك للشك في كل شيء، ونقد كل شيء، والقلق من كل شيء؛ ذلك الشك الذي لا يبني أمة ولا أخلاقًا، ولا يساهم في تماسك مجتمع.
ولم أتعجب حين وجدت الكاتب الليبرالي "سعد الدين الهلالي" أحد ضيوف مؤسسة تكوين، فهو يمثل نفس الفكر التفكيكي المشكك في العلماء والفقهاء، وغاية ما يريد أن يصل إليه الهلالي هو جعل الدين تجربة فردية يقوم بها الفرد بنفسه، ويختار من الدين ما يناسب هواه ليكون عندنا في مصر وحدها مائة مليون دين، ليصبح مجتمعنا أثرًا من بعد عين.
فإلى إبراهيم عيسى وكل إبراهيم عيسى: أنتم صورة باهتة مشوهة من أذناب المستشرقين الذين ردَّدوا تلك الشبهات منذ مئات السنين ثم زالوا وبقي الإسلام، فاللهم من أراد بنا وبالإسلام والمسلمين شرًّا؛ فرد كيده، واحفظنا وبلادنا من شر كلِّ ذي شر.