كتبه/ محمود عبد الحفيظ البرتاوي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإن أعظم ما يسعى إليه العبد هو رضوان الله -تعالى- وعفوه ومغفرته، وهذه هي الغاية التي يعمل المسلم في الحياة الدنيا لأجلها، ودواعي وأسباب إجابة الدعاء وتحقق هذه الغايات والمطالب الشريفة -وغيرها من خير الدنيا والآخرة- متوافرة في شهر رمضان المبارك.
ففي رمضان تتحقق وتجدد كل يوم فرصة المغفرة والعتق من النيران، وإجابة الدعاء في كل يوم وليلة من أيام وليالي رمضان؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنّ لله -تَعَالَى- عُتَقاءَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ -يعني في رمضان- لِكُلِّ عَبْدٍ مِنْهُمْ دَعْوَةٌ مُسْتَجابَةٌ) (رواه أحمد والبزار، وقال الألباني: "صحيح لغيره").
وفي رمضان يحقق كثيرٌ من المسلمين بفضل الله -تعالى- ومِنَّتِه عليهم في هذا الشهر الكريم، الاستجابة والإيمان التي أمرهم ربهم بها؛ فما أكثر مَن يسارع إلى مرضاة الله وطاعته في رمضان مِن: الحرص على الصلاة في أوقاتها، وعبادة الصيام، وتلاوة القرآن، وإفطار الصائمين، وكثرة الذكر والاستغفار، والعمرة، والصدقات والإحسان؛ امتثالًا لأمر الله -تبارك وتعالى-: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة: 186).
وقد جاءت هذه الآية الكريمة وسط آيات الصيام في سورة البقرة؛ تأكيدًا على أهمية الدعاء للصائم في يومه وليلته، فصائم رمضان في عبادة شريفة كريمة، يؤدي بها ركنًا من أركان الإسلام، خصوصًا مع قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ثَلاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ المَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ المُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ) (رواه أحمد والترمذي، وحسنه الألباني)؛ مما يدل على الصلة الوثيقة التي بين عبادة الدعاء وعبادة الصيام.
فالدعاء إذًا: طريق للفوز والفلاح في الدنيا والآخرة، وسبب للسعادة فيهما، ولانشراح الصدر وسلامته.
والدعاء: سلاح المؤمن؛ فأنت أيها المؤمن أقوى إنسان بالدعاء؛ لأنك تستمد عزيمتك وطاقتك وقوتك من القوي المتين -تبارك وتعالى-، الذي هو على كل شيء قدير.
والله -عز وجل- قريب مجيب؛ فمَن دعا ربَّه بقلب حاضر، واثق في الله، موقن بإجابة الدعاء من الله، ودعا بدعاء مشروع، ولم يمنع مانع من إجابة الدعاء: كأكل الحرام والاستعجال، وكان ذلك بإخلاص لله وافتقار، مع الانقياد لأوامره وترك نواهيه، واتباع رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ فمثل هذا لا ترد دعوته؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).
فإنما تتخلف إجابة الدعاء وتتأخر؛ بسبب غفلة القلب وضعفه، وعدم اجتماعه مع صاحبه في وقت الدعاء، فيكون الدعاء ضعيفًا جدًّا بمنزلة القوس الرخو، أو بمنزلة السيف الصارم البتار، لكنه في ساعدٍ ضعيفٍ لا يقوى على حمله والضرب به، والعكس بالعكس.
وكلما كان العبد يحسن الظن بربِّه، مؤمِّلًا فيه الخير، كثير الرجاء فيه، كانت الإجابة أعجل ما تكون إليه، فإن الله -تعالى- يقول: (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي) (رواه مسلم)، وفي رواية: (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي؛ إِنْ ظَنَّ بِي خَيْرًا فَلَهُ، وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).
لكن كيف يأتي حسن الظن؟
يأتي حسن الظن والرجاء، بإخلاص العبد لربه، وعبادته له وتقواه، وترك المعاصي والسيئات، فإن حسن الظن قرين الطاعة والعبودية، وإنما لا يجد الإنسان همة لحسن الظن والرجاء لأجل تقصيره في طاعة الله، أرأيتم مَن قصَّر وأساء في عمله ووظيفته: هل يطمع في ترقية أو علاوة؟! أو من أهمل مذاكرته ودروسه هل يؤمِّل النجاح والتفوق؟! وإنما يرجو ويأمل ويطمع من أحسن وبذل وسعه وجهده مبتغيًا الأجر والثواب من الله.
وقد يظن كثيرٌ من الناس إذا لم يتحقق له ما يريد مما دعا الله به، أن دعاءه مردود لم يستجب، لكن هذا غير صحيح؛ فقد بشَّرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثِ خِصَالٍ: إِمَّا أَنْ يعجِّل لَهُ دَعْوَتَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَدّخرها لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا) قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ -أي: نكثر من الدعاء-، قَالَ: (اللَّهُ أَكْثَرُ) (رواه أحمد، وقال الألباني: "حسن صحيح).
فمن يدعو الله -عز وجل- رابح فائز على كلِّ حال.
فلنكثر عباد الله مِن الدعاء، وخصوصًا في رمضان، وبالأخص في حال الصيام، فالله أكثر، وهو غني حميد، محسن جواد كريم.