كتبه/ محمد خلف
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فكثيرة هي الأوقات التي تمر بنا، ولربما تشابهت الأيام والمواضع والأماكن، ولكن هناك لحظات وأماكن لا تنسى مع ندرتها وقلتها، وهي في الحقيقة بالعمر كله كما قال شوقي -رحمه الله-:
قد يـهـون العـمـر إلا ساعة وتهون الأرض إلا موضعًا
وهي المأوى التي يأوي إليها القلب والروح، ويُسكن بها اضطراب حياته ويشرح بها صدره ويطمئن فيها قلبه بسبب ما أودعه الله -تعالى- فيها من الأنس والفرح والسرور، وحياة القلب التي بتذكرها ينتشي قلبه وينبض كأنه كان ميتًا؛ هذه اللحظات في الحقيقة هي في القرب من الله، وكثرة ذكره وصلاته، وذلك يظهر جليًّا في شهر رمضان المبارك.
فما أجمل أن تصنع لنفسك ولأسرتك ولأحبابك ذكريات في هذا الشهر المبارك؛ فهي بالعمر كله، فهو شهر الفرح يتجلى فيه فضل الله ورحمته ونعمته بالإسلام والقرآن، وبفرحة الفطر بعد الصيام، وفرحة القيام والتهجد!
فما أجمل الصلاة فيه! وما أجمل الذكر فيه! وما أجمل اجتماعنا فيه! وما أجمل المساجد فيه!
وما أجمل حتى الطرق، بل قل الهواء والأنفاس التي نتنفسها فيه!
ويا شوق القلب إليه، ويا خوفه وقلقه من فراقه!
ويا حزنه على فواته والتقصير فيه!
وما أجمل ما قاله ابن رجب -رحمه الله- في كتابه الماتع "لطائف المعارف":
سَـلامٌ مـِنَ الــرَّحــمـنِ كُــلَّ أَوَانِ على خيرِ شَهْرٍ قَدْ مَضَى وزَمَانِ
سـَـلامٌ عـلَى شَهْـرِ الـصِّيام فـإنَّه أمــانٌ مِـن الــرحـمـن أيُّ أمــانِ
لـئـِـنْ فَـنِـيَتْ أيَّـامُـكَ الـغُــرُّ بَغْتَةً فما الحزنُ من قلبي عليك بفـانِ
وحسبه أن يرى ربه الكريم منه كل ذلك، مع البضاعة القليلة التي جاء بها؛ فهي مهما عظمت فهي لا توفي شكر نعم الله -تعالى-، وكيف وهي مِن فضل الله؟!
فلا يسعه إلا الشكر الكثير على فضله والاستغفار على التقصير في شكره -سبحانه وبحمده-؛ فلعله يرحمه ويعفو عنه، ولعله يبقى على عهده فيجبر ويسمو ويأنس، فلأن فاته رمضان، فالله -سبحانه- حي لا يموت، قد شرع لك ما وجدت في رمضان من الصلاة والصيام والصدقات، وغير ذلك مما تشتاق وتحتاج، وتزكو به النفس وتسمو.
نعم لن يكون كرمضان، ولن يكون حالك كحالك في رمضان، بل سيد الناس -صلى الله عليه وسلم- وهو أجود الناس، كان أجود ما يكون في رمضان كما أخبر ابن عباس -رضي الله عنه-، ولكن إياك وأن تتسع الفجوة وإياك أن تترك أسباب سعادتك وأنسك، وحياة قلبك، ونور طريقك، واستمر على العهد حتى يمن الله عليك بإدراك رمضان القادم، أو تلقى الله مقبلًا تائبًا منيبًا له -سبحانه-، فتسعد في الدور الباقية (القبر والآخرة)، وتنعم فيها فيستمر نعيمك، وتنتقل من جنة الدنيا إلى جنة الآخرة، والله شكور كريم لا إله غيره.
والحمد لله رب العالمين.