كتبه/ جمال فتح الله عبد الهادي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فيعيش العالم هذه الأيام في شدة وكرب شديد؛ وذلك لكثرة الفتن، وكثرة الأمراض وغلاء الأسعار، وما من فرد إلا ويحمل همًّا ثقيلًا، فالمتطلبات باهظة فاقت كل شيء، والهموم متنوعة ومختلفة من إنسان لآخر، ومن أسرة لأخرى، ومن مجتمع لآخر؛ فهذا يحمل هم الأولاد وآخر يحمل همَّ الدَّين، وثالث هم الإيجار، ورابع هم المرض، وهم الزواج، وهم العمل، وهم الدراسة، إلخ.
دول ضعفت، بل ذهبت وجماعات تفرقت وتمزقت، وكل ما يصيب الإنسان بقدر الله وحكمته ومشيئته، والمجتمعات الأوروبية عبارة عن غابة، القوي يأكل الضعيف، والبقاء للأقوى والسلعة في ذلك المجتمع المرأة الشابة، ومَن ضاق به الحال يلجأ إلى الانتحار -نعوذ بالله من الخذلان-، لكن المجتمعات الإسلامية ما زالت بخير والحمد لله؛ لأن عندها ركن ركين تلجأ إليه في وقت الشدة والرخاء، وهذا من سماحة الاسلام ورحمته بالخلق، قال -تعالى-: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ . لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) (الحديد: 22-23).
وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- في السنة المطهرة ذلك بكل وضوح، كما في الحديث عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلاَ حَزَنٌ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلاَءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلاَّ أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَحًا) فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلاَ نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: (بَلَى، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا) (رواه أحمد، وصححه الألباني).
ففي هذا الحديث الجميل يبين -صلى الله عليه وسلم-: أن الإنسان يعترف بالعبودية لله وحده، ويقر أنه عبد ابن عبد أي: عريق في العبودية، وأن ناصيته بيد خالقه، وأمر الله ماضٍ فيه وحكمه، والمسلم يسلم لأمر ربه، ثم يسأل خالقه بكل اسم سمى به نفسه -سبحانه وتعالى-، فالإنسان لا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعًا، فهو عبد فقير ضعيف يقوى بقوة الايمان، ورسوخ اليقين في قلبة، وثقته بربه، فينبغي لكل مؤمن أن يعتني بهذا الدعاء الجليل، فنحن في أشدِّ الحاجة إليه في زمننا هذا، وقد تكالبت علينا الهموم، والغموم والأعداء من كل مكان، فنسأل اللَّه السلامة في ديننا ودنيانا.
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللهِ كُلَّمَا نَزَلَ، فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ) (رواه البخاري).
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمًّا وَاحِدًا: هَمَّ الْمَعَادِ، كَفَاهُ اللَّهُ هَمَّ دُنْيَاهُ، وَمَنْ تَشَعَّبَتْ بِهِ الْهُمُومُ في أَحْوَالِ الدُّنْيَا، لَمْ يُبَالِ اللَّهُ فِي أَيِّ أَوْدِيَتِهِ هَلَكَ) (رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني). وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).
فالتربية الإيمانية من أهم المصادر التي تزود النفس الإنسانية بمشاعر السعادة، وتضفي عليها مزيدًا من الاطمئنان والاستقرار، والأمن الذي يحفز الإنسان، ويدفعه لتحقيق أهدافه المنوطة به في هذه الحياة الدنيا.
والحديث الذي معنا يحمل إشارة نبوية هادفة تبيِّن اهتمام الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالتربية الإيمانية، حيث كان يتعهد أصحابه ويراقب أحوالهم، ويسأل عن أوضاعهم، ويقدِّم لهم العلاج لأمراضهم؛ فهذا صحابي جليل لازم المسجد بسبب هموم لزمته، وديون أرهقته، فيسارع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى كشف ذلك الهم ورفع ذلك الغم من خلال تعليمه لأدعية تربطه بربه، وتشعره بمعيته وأنسه وعونه، وهذه المعاني عندما يلازمها الإنسان صباح مساء، تكسبه الشعور بالأمن، وتجعل همه همًّا واحدًا.
والحمد لله رب العالمين.