حول قوله تعالى: (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا)
السؤال:
1- أرجو أن تذكروا لي المراد بهذه الآيات الكريمة في سورة الإسراء وعلاقتها باليهود الحاليين: (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا . فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا . ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا . إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا . عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا) (الإسراء: 4-8)، وهل نحن المسلمين الذين سندخل المسجد الأقصى؟
2- وهل لهتلر علاقة بهذا الموضوع؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسير هذه الآيات: "يَقُولُ تَعَالَى: إِنَّهُ قَضَى إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ، أَيْ: تَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ وَأَخْبَرَهُمْ فِي الْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ سَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَيَعْلُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا، أَيْ: يَتَجَبَّرُونَ وَيَطْغَوْنَ وَيَفْجُرُونَ عَلَى النَّاسِ كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: (وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ) (الْحِجْرِ: 66) أَيْ: تَقَدَّمْنَا إِلَيْهِ وَأَخْبَرْنَاهُ بِذَلِكَ وَأَعْلَمْنَاهُ بِهِ.
وَقَوْلُهُ: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا) أَيْ: أُولَى الْإِفْسَادَتَيْنِ (بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) أَيْ: سَلَّطْنَا عَلَيْكُمْ جُنْدًا مِنْ خَلْقِنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ، أَيْ: قُوَّةٍ وَعُدَّةٍ وَسُلْطَةٍ شَدِيدَةٍ (فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ) أَيْ: تَمَلَّكُوا بِلَادَكُمْ وَسَلَكُوا خِلَالَ بُيُوتِكُمْ، أَيْ: بَيْنَهَا وَوَسَطَهَا، وَانْصَرَفُوا ذَاهِبِينَ وَجَائِينَ لَا يَخَافُونَ أَحَدًا (وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا).
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فِي هَؤُلَاءِ الْمُسَلَّطِينَ عَلَيْهِمْ: مَنْ هُمْ؟ فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ: أَنَّهُ جَالُوتُ الجَزَريّ وَجُنُودُهُ، سُلِّطَ عَلَيْهِمْ أَوَّلًا ثُمَّ أُدِيلُوا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ. وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا).
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّهُ مَلِكُ الْمَوْصِلِ سِنْجَارِيبُ وَجُنُودُهُ. وَعَنْهُ أَيْضًا، وَعَنْ غَيْرِهِ: أَنَّهُ بُخْتُنَصَّرُ مَلِكُ بَابِلَ... وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ -تَعَالَى- أَنَّهُمْ لَمَّا بَغَوْا وَطَغَوْا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُّوَهُمْ، فَاسْتَبَاحَ بَيْضَتَهم، وَسَلَكَ خِلَالَ بُيُوتِهِمْ وَأَذَلَّهُمْ وَقَهَرَهُمْ، جَزَاءً وِفَاقًا، وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ؛ فَإِنَّهُمْ كَانُوا قَدْ تَمَرَّدُوا وَقَتَلُوا خَلْقًا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ.
ثُمَّ قَالَ -تَعَالَى-: (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا) أَيْ: فَعَلَيْهَا، كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا) (فُصِّلَتْ: 46). وَقَوْلُهُ: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ) أَيْ: الْمَرَّةُ الْآخِرَةُ أَيْ: إِذَا أَفْسَدْتُمُ الْمَرَّةَ الثَّانِيَةَ وَجَاءَ أَعْدَاؤُكُمْ (لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ) أَيْ: يُهِينُوكُمْ وَيَقْهَرُوكُمْ (وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ) أَيْ: بَيْتَ الْمَقْدِسِ (كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ) أَيْ: فِي الَّتِي جَاسُوا فِيهَا خِلَالَ الدِّيَارِ (وَلِيُتَبِّرُوا) أَيْ: يُدَمِّرُوا وَيُخَرِّبُوا (مَا عَلَوْا) أَيْ: مَا ظَهَرُوا عَلَيْهِ (تَتْبِيرًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ) أَيْ: فَيَصْرِفَهُمْ عَنْكُمْ (وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا) أَيْ: مَتَى عُدْتُمْ إِلَى الْإِفْسَادِ (عُدْنَا) إِلَى الْإِدَالَةِ عَلَيْكُمْ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا نَدَّخِرُهُ لَكُمْ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ، وَلِهَذَا قَالَ -تَعَالَى-: (وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا) أَيْ: مُسْتَقَرًّا وَمَحْصَرًا وَسِجْنًا لَا مَحِيدَ لَهُمْ عَنْهُ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: (حَصِيرًا) أَيْ: سِجْنًا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يُحْصَرُونَ فِيهَا. وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: فِرَاشٌ وَمِهَادٌ. وَقَالَ قَتَادَةُ: قَدْ عَادَ بَنُو إِسْرَائِيلَ، فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ هَذَا الْحَيَّ، مُحَمَّدٌ -صلى الله عليه وسلم- وَأَصْحَابُهُ، يَأْخُذُونَ مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ" (تفسير ابن كثير - ت السلامة (5/ 47) باختصارٍ).
والخلاصة: أن المرتين قد مضتا، وأن المسلمين لم يدمِّروا القدس ولا المسجد، ولن يفعلوا ذلك إذا دخلوها. والتتبير هو: التدمير، وليس هذا حال المسلمين، وإن كان اليهود قد عادوا إلى الكفر والتكذيب للرسل فيعود الله عليهم بأنواع العقوبات على أيدي المؤمنين أو الكافرين كما وقع من "هتلر"، وإن كان اليهود بالغوا جدًّا في المحرقة النازية "الهولوكست" ليستدروا عطف العالم وأمواله.