كتبه/ جمال فتح الله عبد الهادي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد قال الله -تعالى-: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) (الإسراء: 36)، فالإنسان مسئول عن سمعه، وعن بصره، وعن فؤاده، وعن قلبه وعقله، وهل استعمل تلك الجوارح في طاعة الله، أو في محارم الله؛ الأمر عظيم، السمع يسمع الشر والخير، والبصر كذلك، والقلب كذلك يعقل الشر والخير، فالواجب على كلِّ مكلف أن يصون سمعه عما حرم الله، وأن يصون بصره عما حرم الله.
وقال -تعالى-: (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (ق: 18).
قال ابن كثير -رحمه الله-: "(مَّا يَلْفِظُ) أي: ابن آدم، (مِن قَوْلٍ) أي: ما يتكلم بكلمة (إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) أي: إلا ولها مَن يراقبها مُعْتَدٍ لذلك يكتبها، لا يترك كلمة ولا حركة، كما قال -تعالى-: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ . كِرامًا كاتِبِينَ . يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) (الانفطار: 10 - 12).
وقد اختلف العلماء: هل يكتب المَلَك كل شيء من الكلام؟ وهو قول الحسن وقتادة، أو إنما يكتب ما فيه ثواب وعقاب كما هو قول ابن عباس، على قولين. وظاهر الآية الأول؛ لعموم قوله: (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ).
وعن عَلْقَمَةَ عَنْ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ، فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ) فَكَانَ عَلْقَمَةُ يَقُولُ: "كَمْ مِنْ كَلَامٍ قَدْ مَنَعَنِيهِ حَدِيثُ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ" (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).
إن جوجل والفيسبوك وتويتر وواتس آب، وجميع برامج التواصل، بحرٌ عميق ضاعت فيه أخلاقُ رجال، وسقطتْ فيه عقول! منهم الشاب والفتاة، ومنهم ذو الشيبة، وابتلعت أمواجُه حياءَ العذارى، وهلك فيه خَلْقٌ كثير، وكم انتحر من الشباب والفتيات، وخربت بيوت، وكم من حالات طلاق وقعت!
فاحذر من التوغل فيه، وكن فيه كالنحلة، لا تقف إلا على الطيب من الصفحات، لتنفع بها نفسك أولًا، ثم ينتفع بها الآخرون!
ولا تكن كالذباب يقف على كل شيء فينقل الأمراض دون أن يشعر.
يا بني، قبل أن تعلق أو تشارك؛ فكرْ إن كان ذلك يرضي الله -تعالى- أو يغضبه، وإياك أن تنشر رأيًا قبل أن تتأكد من صحة مصدرك.
يا بني، لا تتنازل عن أخلاقك على الفيسبوك أو الواتس آب وغيرهما أبدًا، وإن كان اسمك مستعارًا، وشخصيتك غير معروفة؛ فإن الله -تعالى- يعلم السر وأخفى.
يا بني، لا تجرح مَنْ جرحك، فأنت تمثل نفسك، وهو يمثل نفسه.
يا بني، انتقِ ما تكتب، فأنت تكتب والملائكة يسجلون، والله -تعالى- من فوق سبع سماوات يراقب ويحاسب، فلا تنسَ وأنت تخط السطور، موقفك بين يدي جبار السماوات والأرض، في يوم الحسرة والندامة.
يا بني، إن أخوف ما أخافه عليك في بحر الإنترنت الرهيب، هو مشاهدة الحرام، ولقطات الفجور والانحراف، وهي عقبة كؤود لا يستطيع تخطيها إلا من أوتي حظًّا عظيمًا؛ فإن وجدتَ نفسك قد تخطيت هذه المحرمات، فاستفد من هذا الإنترنت في خدمة نفسك أولًا، ومَنْ تستطيع أن تُفيد -بإذن الله-، فالتواصل مع مجتمعك واسعٌ في نشر دينك وعقيدتك، وإن رأيتَ نفسك متمرغًا في أوحال المحرمات فاهرب من دنيا النت هروبك من حيوان مفترس، فالنار ستكون مثواك، وسيكون خصمك غدًا مولاك، وعاهد الله -تعالى- على ألا تقترب من معاصيه، ولا تنسَ الهدف الذي خلقنا الله -تعالى- من أجله: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات: 56)، واعلم أنه لا توجد بعد هذه الحياة محطة إلا الجنة أو النار.
يا بُنيتي: إن أخوفَ ما أخافه على البنت في عالم الفيسبوك هو مداهمات الشبان الطائشين، ومراسلات الرجال الجائعين، فكوني منهم على حذر، وإياكِ أن تطمئني لوعودهم، أو تركني لكلامهم الملطخ بالعسل، فربنا -عز وجل- يقول: (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا) (البقرة: ???).
وليس أغلى عند الفتاة من شرفها؛ ألا ترينَ الفاسقَ يتوسلُ أولَ الأمر، ويتباكى لمجرد اللقاء بالبنت، فإذا ما نال منها مُرادَه، صارت هي التي تتوسل وتبكي، كي يستر عليها عرضها، وصار يتهرب منها، ويختفي في عالم المجهول!
وأخيرًا: انوِ النيةَ الخالصةَ بقصدِ فعل الخير، واجعلها في طاعة الله، واحرصْ على الكلمة الطيبة، وتجنبِ البذيءَ من القول والفعل.
احرص على الحوارِ الهادئ والهادفِ المُتسِم بروح التسامح، واحذف الرسائل التي تؤذيك، وابتعد عن مَن تكره، لا ترفض كبرياءً، ولا تجاملْ كذبًا، تذكر أن الله يُراقب أعمالنا كافة على الدوام، وإياك والمَساس بحقوق الناس أو تتبع عوراتهم.
ابتعد عن الشتائم والإهانات، وتجنَّب الألفاظ البذيئة، وإياك والاقتراب من المواقع الإباحية التي تُدمر الأخلاق وتنشرُ الفتنة، وتحلَّ بالصدق والأمانة في نشر المعلومات، واحترم خصوصيات الناس.
احترم وتقبَّل الرأيَ الآخر في مواطن الاجتهاد والخلاف السائغ، وإياك والتزمُّت في الرأي، وتأكد من الخبر قَبل نَشْره، وتحرَّ الصحة فيه، كنْ واقعيًّا في استخدام وسائل التواصُل، ولا تضيع فيها الكثير من وقتك.
والحمد لله رب العالمين.