كتبه/ أحمد حرفوش
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
حَمْل المصريين على اعتناق المذهب الشيعي، ومنع تدريس المذاهب السُّنيَّة:
بعد دخول الفاطميين واستقرارهم في مصر؛ ضاعفوا جهودهم لصبغ مصر بالصبغة الشيعية الباطنية الخبيثة؛ خاصة مع تمسك المصريين بالمذهب السني. وقد استخدموا الدعاية السرية والعلنية في دعوة أهل مصر للتمذهب بالمذهب الشيعي الإسماعيلي، وقد نظمت أساليب هذه الجهود الإسماعيلية تنظيمًا دقيقًا، فاستحدثوا منصب: داعي الدعاة، وكان يتولاه أحد كبار دعاة الإسماعلية، وكان يشغله في بعض الأحيان قاضي القضاة، وأحيانًا شخص آخر مستقل يلي قاضي القضاة في درجته.
ويعاون داعي الدعاة اثنا عشر نقيبًا في نشر الدعوة، ولداعي الدعاة نواب كُثر في سائر البلاد لنشر المذهب الشيعي، ويتقاضون في سبيل ذلك رواتب كبيرة، ولقد قام الحكام العبيديون بدور كبير في ذلك من خلال الدعوة إلى مدارسة مذاهب الشيعة والتفقه فيها، حيث كانت تُدرس مذاهب الشيعة في قصر الخليفة، وأحيانًا في الجامع الأزهر.
وقد تولى تدريس وقراءة مذاهب الشيعة: آل نعمان، وتوارثوا هذه الوظائف مدة من الزمن؛ وكان يشترك في تدريسها أيضًا بعض عظماء الدولة، مثل: الوزير بن كلس، فقد كان يقوم بتدريس مذاهب الشيعة وشرحها بنفسه، وله رسائل مشهورة في فقه الشيعة، باستثناء عهد الوزير الأفضل بن بدر الجمالي؛ فقد أمر بترك معارضة أهل السنة في اعتقادهم، ونهى عن مجادلتهم.
كما سمح الوزير الأفضل لأهل السنة بالمناظرة لإظهار معتقداتهم، وهذا مما يدل على أن أهل السنة قبل وزارة الأفضل كانوا قد ضُيِّق عليهم في عقيدتهم، وكانوا ممنوعين من إظهارها، وأن هذه الحرية كانت غير معهودة من الدولة الفاطمية.
لقد كانت سياسة الدولة الفاطمية واضحة في إحلال المذهب الشيعي، ليكون بديلًا عن المذهب السني؛ لذلك حاربت تدريس المذاهب السنية، واتخذت الدولة الفاطمية جوامع أهل السنة للدعاية لمذهبها، وشمل ذلك الأمر المساجد الكبيرة: كجامع عمرو بن العاص، وجامع أحمد بن طولون، دون مراعاة لحقوق أهل السنة، بل تم منع تدريس مذاهب أهل السنة، وعوقب مَن قام بذلك.
فمِن ذلك: أنه في عهد العزيز العبيدي قُبض على رجل من أهل مصر وجدوا عنده كتاب "الموطأ" لمالك بن أنس! فعاقبوه بالضرب ثم طافوا به في شوارع المدينة ليرهبوا الناس، ويتوقفوا عن مدارسة فقه الإمام مالك.
وفي عهد الحاكم بأمر الله العبيدي أراد استمالة أمير المغرب -ابن باديس- إليه، فأمر بتعيين اثنين من فقهاء المالكية لتدريس المذهب المالكي، لكنه ما لبث هذا المجرم حتى أمر بقتلهما في دلالة واضحة على محاربة المذاهب السنية.
ومن مظاهر اضطهاد الدولة الفاطمية لأهل السنة في جوامعهم: أمر الحاكم بأمر الله سنة (395هـ - 1005م)، بكتابة سباب الصحابة على جميع حوائط جامع عمرو بن العاص من الداخل والخارج، وزينت تلك الكتابة بالألوان، وأحيانًا كانت تطلى بماء الذهب؛ إمعانًا في الإهانة لرموز أهل السنة.
وفي سنة (397هـ - 1007م) أمر الحاكم بإزالة ما كُتب على الحوائط من سب الصحابة؛ لكن ما لبث أن عاد سب الصحابة في زمن الخليفة المستنصر، بأمر وزيره بدر الجمالي الذي أمر بكتابة سب الصحابة مرة أخرى على جدران المساجد، في انتهاك واضح لحرمة الصحابة وعقيدة أهل السنة.
ونكمل في العدد القادم -إن شاء الله-.