كتبه/ عادل نصر
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإن تفوق الشباب المتدين عمومًا "والفتيات المنتقبات خصوصًا" لهو بمثابة برهانٍ واضحٍ وردٍّ بليغٍ في آنٍ واحدٍ؛ فهو برهانٌ واضحٌ على أن الالتزام بتعاليم الإسلام العظيم من أعظم أسباب النجاح والنهوض، والارتقاء والسعادة في الدنيا قبل الآخرة، بل هو أعظم الأسباب.
وليس أدل على ذلك: مِن أمتنا التي كانت قبل الإسلام في جاهليةٍ جهلاء، وضلالةٍ عمياء؛ لا حضارة تعرف، ولا تاريخ يُذكَر حتى مَنَّ الله عليها بإرسال رسوله -صلى الله عليه وسلم- إليها وإلى عموم الخلق بالهُدَى ودين الحق؛ فلما آمنت به واتبعت النور الذي جاء به واستجابت لله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، وامتثلت أمر الله -عز وجل- لنبيه -صلى الله عليه وسلم- ولأمته تبعًا: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) (الجاثية: 18)، وأقامت دين الله عقيدةً وشريعةً، وحققت العبودية لله -عز وجل وحده-؛ سادت الأمم، وأخرجت الناس من عبودية غير الله إلى عبودية الله وحده، ومِن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، وشَيَّدت أعظم حضارة عرفها بنو الإنسانـ وأقامت دولة الإسلام العظمى والتي انصهر فيها غالب أجناس الأرض لينعموا بظل عدلها الوارف.
فالأمر كما قال شوقي:
والـدِّيـن يسـرٌ والأمـر شـورى والخلافة بيعةٌ والحقوق قضاء
وتقدمت أمة الإسلام في كلِّ الميادين، وحازت قصب السبق في كل فنون العلم المختلفة؛ بفضل اتباع تعاليم هذا الدِّين؛ هذا في الوقت الذي كانت فيه أوروبا غارقةً في ظلامٍ دامسٍ تصطلي بنيران الجهل والتخلف، والظلم والقهر والاستعباد؛ جَرَّاء تعانق الكنيسة ذات الدين المحرف مع الحكام المستبدين؛ فصادروا الحريات وحجروا على العقول، وساموا الناس سوء العذاب؛ كل هذا باسم الحكم الإلهي، وظلوا على هذا البؤس حتى ثاروا على هذه الأوضاع رافعين شعار: "اشنقوا آخر قيصر بأمعاء آخر قسيس!".
فلما تخلصوا من هذا التسلُّط الناتج عن دينٍ محرفٍ يخدِّم على أهواء البشر، ويعطي صكوك الغفران، وأفادوا من حضارة الإسلام العظيمة من خلال ما وصلت إليه أيديهم من الإنتاج العلمي لعلماء المسلمين بالأندلس، وكذا من خلال ما أخذوه من كتب ومخطوطات إبان الحروب الصليبية؛ عندئذٍ تقدَّمت أوروبا.
وهذا في الوقت الذي فرَّط فيه المسلمون في أعظم مقومات عزهم ونهضتهم "الوحي المنزَّل المعصوم من التبديل والتحريف"، والذي نالوا به عزًّا، وبنوا به مجدهم أول مرة؛ فلما خالفوا تعاليم دينهم الحق، وفشت فيهم البدع والانحرافات تبدَّل الحال، وانقلبت الأوضاع؛ فتأخرت أمة الإسلام، وتقدَّم ركبَ الأمم أقوامٌ لا خلاق لهم لتذوق البشرية الويلات على أيديهم.
وحقًّا كم خسر العالم بانحطاط المسلمين، ولا مخلص للبشرية المعذبة إلا يوم أن تعود أمة الإسلام إلى الصدارة بدينها العظيم، وقيمها الربانية القويمة؛ لتتبوأ مكانتها التي أرادها الله لها: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) (آل عمران: 110).
وإن ذلك لآتٍ لا ريب فيه -بإذن الله-؛ شاء مَن شاء، وأبى مَن أبى.
وإنَّ تفوقَ أبنائنا وبناتنا الذين التزموا تعاليم دينهم، وهَدْي نبيهم -صلى الله عليه وسلم- لبُشْرَى من البشريات على ذلك، والله غالبٌ على أمره، كما أن تفوق أهل التدين من أبنائنا وبناتنا برهانٌ على ما ذكرنا: مِن أن امتثال تعاليم هذا الدِّين هي أعظم أسباب السعادة والنهوض والارتقاء.
فإن تفوق بناتنا المحجبات لهو أبلغ ردٍّ على أدعياء التقدم من دعاة التغريب ممَّن تربوا على موائد الغرب، والذين راحوا يطالبون المرأة المسلمة بالانخلاع من حجابها وحيائها، بل والانسلاخ من تعاليم دينها، زاعمين أن هذا هو سبيل تقدمها ورقيها، ولها في نموذج المرأة الغربية قدوة وأسوة! وكذبوا؛ فالمرأة في الغرب تحوَّلت إلى سلعةٍ رخيصةٍ، وألعوبةٍ في أيدي شياطين الإنس متى ما فقدت جمالها ونضارتها، فقدت قيمتها تتقاذفها أهواء وشهوات البشر!
وليس أدل على ذلك مِن: أن مَن تتعرف على الإسلام وعقيدته وأحكامه -كما في كتاب الله وسنة رسوله- مِن نساء الغرب المنصفات تبادر بالدخول في الإسلام والتزام تعاليمه، وعلى رأسها: "الحجاب"؛ لتفر من جحيم الكفر والرذيلة والحيرة، إلى نعيم الإيمان والفضيلة.
فما كان الحجاب يومًا -ولا غيره من تعاليم هذا الدِّين مما يجب في حق المرأة- إهدارًا لكرامة المرأة أو مانعًا لها من كلِّ ما ينفعها دينًا ودنيا، بل العكس هو الصحيح؛ حجابها عفةٌ وصيانةٌ، والتزامها طهرٌ ونقاءٌ يعينها على الارتقاء؛ فكرًا وعلمًا، وفهمًا وأدبًا.
لقد كَرَّم الإسلام النساء ورفع من شأنهن حتى رأينا منهن العالمة والفقيهة، والمحدثة، والعابدة الزاهدة، حتى ضربت المرأة المسلمة في كل ميدان من ميادين الخير والعبودية بسهمٍ، بل بسهامٍ؛ فرَبَّت العظماء، وصنعت التاريخ.
فتحية إلى كل فتاةٍ تؤمن بالله واليوم الآخر، تفوقت على نفسها، فطوعتها لأمر ربها، فمَنَّ عليها بالفهم والتفوق لتعطي لأدعياء التقدم ودُعَاة التغريب صفعةً قويةً؛ لعلهم يعودون إلى رشدهم، فيكونوا أدوات بناء لا معاول هدم.