كتبه/ أحمد حرفوش
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
جهود نشر المذهب الإسماعيلي:
اهتم الفاطميون بنشر المذهب الشيعي، وشجعوا المشتغلين به، فمن ذلك: الأزهر الشريف الذي كان منبرًا لنشر المذهب الشيعي، برعاية الوزير يعقوب بن كلس، الذي كان يلقي الدروس والمحاضرات في أصول المذهب الشيعي وفقهه.
وخصص الحاكم العبيدي يومين في الأسبوع لتعليم الناس الدعوة الإسماعيلية، ثم جعلها ثلاثة أيام؛ فكان لكبار رجال الدولة يوم الثلاثاء، ويوم الأحد لعامة الرجال، ويوم الأربعاء للنساء؛ ثم ما لبثت أن أصبحت الدعوة كل يوم، حيث كان لكل يوم فئة من الناس، وكان يحضر تلك المجالس كثير من الناس، وحدث أنه في أحد الأيام كان قاضي القضاة: محمد بن النعمان، يجلس على كرسي في القصر لتدريس مذهب الشيعة، وقد ازداد ازدحام الناس عليه؛ مما أدَّى إلى وفاة أحد عشر رجلًا من شدة الزحام؛ مما يدل على أن العامة من الناس، كان مسموح لها حضور هذه المجالس التي تنشر المذهب الشيعي.
لقد اهتم الفاطميون بنشر مذهبهم في ربوع مصر اهتمامًا كبيرًا؛ مما أدَّى إلى ظهور مئات الكتب الشيعية حتى إن الخليفة الظاهر أمر بنفي من وُجِد يدرس الفقه المالكي وغيره من المذاهب إلا المذهب الشيعي، كما كان يأمر بجائزة مالية لمن يحفظ كتاب: "دعائم الإسلام"، وهو كتاب يشرح أصول المذهب الإسماعيلي، وكتاب: يعقوب بن كلس في الفقه على مذهبهم، كما ظهر الاهتمام بإنشاء المدارس والزوايا للتعليم، حيث كان في القاهرة وحدها سبع عشرة مدرسة، وثماني زوايا للتعليم.
ومن الملاحظ: أن الهدف الأول من وراء بناء المساجد التي يلقى فيها الدروس، ومن وراء إنشاء المكتبات، والمدارس، هو: نشر الدعوة الفاطمية والمذهب الإسماعيلي، وكان هذا ظاهرًا من خلال الجوائز التي تمنح لمن يحفظ كُتب المذهب الشيعي دون غيرها.
إجبار المصريين على اعتناق المذهب الشيعي:
كان كتاب الأمان الذي أمضاه جوهر ينص على: أن يظل المصريون على مذهبهم، ولا يُلزمون بالتحول إلى المذهب الشيعي، وأن يجري الأذان، والصلاة، وصيام شهر رمضان وفطره، والزكاة، والحج، والجهاد، والميراث، على ما ورد في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، لكن لم يكن كتاب جوهر لأهل مصر إلا مجرد مخادعة!
فقد كان الفاطميون ينظرون إلى عموم المسلمين -أهل السنة- نظرة الخارج عن الإسلام، فبعد أن انتهى جوهر من وضع أساس مدينة القاهرة، أمر بإلغاء الخطبة والدعاء للخليفة العباسي، وإقامتها للمعز الفاطمي، وكذلك أن تضرب النقود باسم الخليفة الفاطمي، كما منع لبس السواد شعار العباسيين واستبدلها بالبيضاء.
والواقع أن جوهر الصقلي أراد أن يفرض باسم المعز الفاطمي سلطته الدينية والدنيوية على كافة المسلمين، على الرغم من تعارضها مع مبدأ التسامح الديني الذي تعهد باحترامه، ولم يدع عملًا من أعمال الدولة إلا جعل فيه أحد المغاربة شريكًا لمَن فيه.
وفي شهر ربيع الثاني سنة (393هـ - 1003م) حدث أن نائب دمشق من قِبَل الحاكم الفاطمي، أمر برجل يُدعى: الأسود الحكمي، طافوا به في شوارع المدينة، ونادوا عليه: "هذا جزاء مَن يحب أبا بكر وعمر"، ثم أُمر به فضربت عنقه.
وفي سنة (372هـ - 982م) أمر العزيز بإبطال صلاة التراويح من جميع مساجد الديار المصرية.
وفي سنة (394هـ -1003 م) في مدينة القاهرة، ألقي القبض على ثلاثة عشر رجلًا، بتهمة أنهم صلوا صلاة الضحى، وقد شُهر بهؤلاء المذنبين في الشوارع، كما ضربوا وحبسوا ثلاثة أيام.
وفي شهر رمضان سنة (399هـ - 1008م) عوقب رجاء بن أبي الحسين بالقتل من أجل أنه صلى صلاة التراويح.
وفي سنة (401هـ - 1010م) أصدر الحاكم أمرًا يأذن فيه للناس بصلاة الضحى، والتراويح، وخرج ذلك الأمر في سجل قرئ في مسجد عمرو بن العاص! ولم يلبث أن صدر أمر آخر بالمنع مرة أخرى، ولم يكن بين الأمرين سوى خمسة أشهر.
ونكمل في العدد القادم -إن شاء الله-.