كتبه/ أحمد عبد الحميد
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فعلى هذه الأرض التي نعيش عليها -أرضِ مصر- مشى أقوامٌ وأقوام، كلهم سبقوا إلى ربهم، فمنهم مهتدٍ، وكثير منهم ساء ما كانوا يعملون.
وقد عانت هذه البلاد عبر تاريخِها من أقدام ثقيلة لجنود إمبراطوريات ودول جاءت بالظلم والظلمة، والعسف والقهر، بل وبالكفر بالله رب العالمين.
وَطِئَت هذه الأرضَ أقدامُ اليونان والرومان والفرس والبربر والأحباش؛ جاءوا ينشرون كفرهم وظلمهم، ويبسطون سلطانهم على بلاد كانت تنعم بخيرات لم يعرف لها التاريخ مثيلاً؛ فاعتصروا خيراتها؛ حتى أضحت أمثولة في الفقر وضيق الحال.
وهذا الزخم من العابرين بهذه البلاد أعطى لها تنوعًا ثقافيًّا وسلوكيًّا يعتبر مزيجًا من هذه الحضارات البائدة كلها، وبرغم هذا تبقى دول الفراعنة -وهم من أبناء البلاد الأصليين- الأكثر تأثيرًا والأطول عهدًا في تاريخ البلاد؛ إلى الدرجة التي جعلت وصف الفرعونية يلتصق بمصر أكثر من أي وصف آخر.
وقد كان من جملة العادات الفرعونية الجاهلية قبل الإسلام ما كان يفعله أهل مصر في اليوم الذي يدعونه شم النسيم -أو يوم الربيع، أو يوم الحياة- من أنواع الاحتفالات، والتي كان أبرزها: الخروج إلى المتنزهات لاسيما نهر النيل، وأكل أنواع معينة من الأطعمة، واتخاذ الزينات، ونحوَ ذلك من مظاهر البهجة.
وقد ورث النصارى عن الفراعنة الوثنيين عادةَ الاحتفال بشم النسيم، حيث أضافوا له من عندهم أنواعًا من المساحيق الدينية؛ ليأخذ في النهاية طابعًا نصرانيًّا بنكهة فرعونية؛ متمثلة في النشاطات التي تؤدَّى هذا اليوم من الخروج إلى المتنزهات، وأكل الأسماك المملحة، والخضروات لاسيما البصل، وكذلك التفنن في إعداد البيض الملون، والتهامه كنوع من الفطر من صيامهم المبتدَع الذي ينتهي بيوم عيد القيامة عندهم.
ظل الأمر هكذا إلى أن جاء النور والهدى على أيدي عمرو بن العاص وإخوانه -رضي الله عنهم-؛ فقطع الله سُنَّةَ الجاهلية ومعتقداتِها وشعائرَها، واستغنى المسلمون من أهل مصر بهَدْي خير البشر محمد -صلى الله عليه وسلم- عن هَدْي أرذل البشر من الفراعنة.
وتعجب حينما تعود بتأملاتك إلى الوراء لتتخيل أنه على هذه الأرض التي نعيش عليها وحول هذا النيل الذي نشرب منه اجتمع المصريون الوثنيون الفراعنة قبل آلاف السنين؛ يمارسون هذه الأنشطة الفرعونية الصبيانية البلهاء التي غرهم بها كهنتهم وملوكهم، من تلوين البيض ونحوه، حيث كان يحرص على ذلك الكبار والصغار، مما يدلك على طبيعة ساذجة نوعًا كانت تتصف بها هذه الشعوب التي بنت الأهرامات بالسخرة والقهر في الوقت الذي كانت تجد متعتها في أكل الأسماك المملحة التي لا تروق لها -غالبًا- إلا إذا أنتنت! وهنا يأتي دور البصل ليقوم بدوره مع الملوحة الشديدة، وأيضًا مع النتن!! فكل شيء محسوب بدقة فالأمر ليس لهوًا كما يظن البعض ولا مجال للاحتمالات!!!
هذا بالإضافة -طبعًا- إلى تلوين البيض ثم التهامه، ورمي القشر الملون نفسِه إلى سلة المهملات -لو كان عندهم شيء كهذا!! ألم يكونوا شعوب حضارة؟!- لكنهم -غالبًا- كانوا يرمون القشر في الطرقات والحدائق كما يفعل من يحاول تقليدهم اليوم من المصريين! الذين يحافظون على إلقاء مخلفات هذا اليوم في الطرقات والحدائق العامة كنوع من المحافظة على الطقوس!!
لكن لم تكن الصورة كلها كذلك؛ فهناك صورة أخرى لا ينتبه لها الكثيرون برغم كونها أكثر وضوحًا وأكثر لفتًا للأنظار، وهي صورة من داخل بيت فرعون!
عاشت هذه التفاصيلَ الصغيرةَ والكبيرةَ قبل سنين امرأةٌ لا نعلم اسمها على وجه التحديد، ولكن يكفيك أنها كانت امرأةَ فرعون، عاشت في بيته، وشهدت كل هذا التجبر والطغيان، ورأت كيف تُسحَق الشعوبُ وتُهدَر كرامتُها في الوقت الذي تُترَك فيه لتلهوَ بالبيض الملون وتأكلَ الأسماك المنتِنة!
وبرغم شهوة السلطان والمال والفخامة والترف؛ فإن امرأة فرعون انتبهت إلى أمر غاية في الخطورة، وهو أن هذا كله من الظلم المبين، علمت الحق وأبت فطرتُها إلا الإيمانَ بالله، والضراعةَ إليه أن ينجيها من فرعون وعمله (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (التحريم:11).
ليرفع الله ذكرَها في الأولين والآخرين، ولتبقى مثلاً ظاهرًا للناس كلهم على مر السنين، ولتبقى علامةً بارزةً في تاريخ المصريين، وصوتًا يناديهم عبر حُجُبِ الزمان، ويحدثهم عن المرأة التي ملكت كل شيء وتمتعت بكل شيء -ليس فقط البيض الملون- فإذا بها تترك هذا كله لله رب العالمين، على خوف من فرعون وملئه، لكن ثقتها في موعود الله كانت أكبر من كل ذلك.
تبرأت من فرعون وعمله، من معتقداته وظلمه وغشمه، تبرأت من جنده الظالمين، من عادات وثنية ساذجة بلهاء، تبرأت من القصر والسلطان، ورغبت إلى ربها أن ينجيها من فرعون وعمله، وأن يرزقها بيتًا في الجنة عنده، وهو ملك الملوك، وأرحم الراحمين، وهو العزيز الحكيم.
هذه الرسالة التي أرسلتها امرأة فرعون إلى العالم بأسره منذ آلاف السنين، أليس الأحرى بالمصريين أن يكونوا أكثر استعدادًا لاستقبالها ووعيها أكثر من غيرهم؟!
كانت هذه الصِدِّيقة بحاجة إلى مثل عمرو بن العاص -رضي الله عنه- ليأخذَ بيدها، ويَضربَ على يد عدوها، ويُبطلَ مَكرَه، ويَرفعَ سحابةَ الظلم السوداء التي غطت بلاد مصر.
ونحن اليوم ننعم بالإسلام الذي جاءنا عبر طريق التضحيات والجهاد في سبيل الله، فإذا بطائفة منا تترك هذا وراء ظهرها! وتستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير!! وتؤثر عليه نفسَ المتعة البلهاء التي كان يقوم بها أناس بلهاء عاشوا على نفس الأرض منذ آلاف السنين!!!
ألا يستفز هذا السخفُ أصحابَ دعوات الحضارة والتقدم ونبذ الرجعية والسلفية الحضارية؟!!
ألن يسخر منا رقيبنا الغربي -الأوروبي والأمريكي- وصندوق النقد الدولي، وهم يجدون أموال المعونات الاقتصادية يتم تبديدها في مثل هذا الأيام على تغطية نفقاتها المختلفة على المستويين الشعبي والرسمي.
ولكن دَعْكَ من هذا؛ فالقوم عندهم ما يكفيهم من مظاهر الاحتفالات الوثنية السمجة كعيد الهالوين، أو الوحشية كمصارعة الثيران، وغير ذلك كثير.
والذي يعنينا هنا هو هذه الرسالة التي أرسلتها امرأة فرعون، والتي تقرءونها في كتاب ربكم.
ألا فلتنتبهوا يا أهل مصر، فإن الرسالة أرسلت منذ زمن؛ فهل مِن مستقبِل لها؟؟
ولله الأمر من قبلُ ومن بعدُ...