كتبه/ إبراهيم جاد
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإننا ما أمرنا أن نفتش عن قلوب العباد، ولا أن نتدخل في نياتهم، ولا التجسس على أخبارهم، ولكن من باب التعاون على البرِّ والتقوى، والنصح لله ولرسوله، ولعامة المسلمين وأئمتهم، نضع أيدينا على جرح غائر، ونزيف مستمر، وسوس ينخر في صمام الأمة؛ ألا إنهم شبابها وقوام أمرها بعد الله -جلَّ وعلا-؛ فلذا أحاول جاهدًا مستعينًا بربي منخلعًا من حولي وقوتي، إلى حوله وقوته -جل وعلا- أن نبرز ونجلي لهم الأخطار من حولهم، والتي تدبر لهم بليل، فأقول:
أهم الأخطار التي تعصر بشبابنا في هذه الأيام:
?- السماء المفتوحة من الفضائيات التي تجاوزت المئات، بل قد تصل للآلاف وما فيها من الغثِّ والسمين، والطالح فيها أكثر مِن الصالح؛ فضلًا عن اختلاف الثقافات والعادات، بل واختلاف الديانات؛ كل هذا يموج في سماء شهوات الشباب المسلم، والمصيبة إن قَلَّت معه ديانته وضعفت ثقافته الإسلامية.
?- عالم الإنترنت، ذلك العالم الذي جال وصال، وعم وطم، ونفع وضر، وسهل ويسر المعصية لمَن أرادها، وكان سببًا في النفع لمَن أراد النفع والخير، عَالَم شعاره: الخلوة أمام الشاشات وخلف اللوحات، وبين المواقع والشبكات، خلوة غربية، وخلطة عجيبة لا يطالعه فيها إلا ربه جل وعلا فيا ترى بأي شيء يقضي شبابنا عليه الساعات؟! وما الفائدة التي تعود عليهم بها؟!
?- الطرح الإعلامي العصري العجيب، وثقافاته الغريبة والجديدة على مجتمعنا المسلم، وعاداتنا العربية، وقيمنا الشرقية، وأعرافنا التي نتباهى بها أمام الدنيا بأسرها، ولا ندري: ماذا وراء هذا الطرح غير زيادة الجريمة وإشاعة البلطجة والسفور، والانحلال الأخلاقي، وتمرير وتبرير الجريمة والإدمان والمخدرات. وإلى الله المشتكى!
?- الأغاني والمعازف المحرمة التي مَن نجا منها مِن شبابنا في هذه الأيام فقد نجا -بفضل الله تعالى-؛ فضلًا عن كلماتها التي تبوح بالسوء، وتنطلق بالأسوأ، وإن كنا لا نرضى بها مجملًا فهي محرمة شرعًا؛ وإلا فقد غابت عنها حتى الكلمة العفيفة فيها، فنسمع في الشوارع والوسائل العامة كلمات لا معنى ولا مضمون ولا قيمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، غيرت ثقافة بعض شبابنا مع الأسف، وأثارت الشهوات الكامنة، والغرائز المنضبطة.
?- الصراع المادي وغياب القدوة الحسنة لدى قطاع عريض من شبابنا، فينظر إلى مَن يطفو على السطح من مُلاك المال ومُلاك الشاشات؛ فيجدهم فنانًا، أو لاعب كرة، أو غير ذلك، فيتغير فكره، وتتبدد قدوته، وتسوء نظرته.
?- الصحبة الفاسدة التي غيَّرت الكثيرين، وضيعت كثيرًا من الصالحين، ووصلت إلى بناتنا، ولله الأمر من قبل ومن بعد، فالصاحب ساحب، والمرء على دين خليله، ولم يعد خطرها غائبًا عن كل الناس.
?- التيارات الفكرية المعاصرة، والشيعة، وغيرهم من الشر الموجود يمينًا ويسارًا، والذي أصبح لا يخفى على أحدٍ، والشبهات المطروحة، والحريات المزعومة، والانحلال العقدي الواضح، وظهور بذور الإلحاد لدى البعض، ومسميات جديدة، وأفكار عديدة، وحرب شرسة هدفها الانسلاخ من الدِّين، وهدم قِيَم المجتمع، والتمرد على كل شيء، والكيل بالهوى، واتباع الشهوات.
?- الفراغ وتضييع الأوقات بلا فائدة، فالشيطان يتمكن من صاحب الفراغ العقلي والجسمي، وغياب الهدف السامي، وتمني الوصول للقمة مع النوم والدعة، فيا لله لو استغل شبابنا حق الاستغلال!
?- صعوبة الحياة الاجتماعية من غلاء المهور، وارتفاع الأسعار في المسكن والملبس، والبحث عن إثبات الذات بأي طريق حتى وإن كان لا يرضي ربنا -تبارك وتعالى-، وتبرير العلاقات المحرمة بحجة عدم القدرة والاستطاعة!
مخاطر وأخطار ومصائب وبلايا، ولكن: هل نقف مكتوفي الأيدي، معصوبي العين أم نبحث عن علاجها؟!
وعلاج كل هذه المخاطر يكون أولًا:
بالعودة والأوبة إلى ربنا -جل وعلا-، فهو القدير العليم، الغفور الرحيم، المنتقم الجبار، العظيم المدبر، قال الله -تعالى: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) (هود:3).
يا شبابنا... بأي شيء سنلقى ربنا؟!
بالخلوات التي ترضي الله -تعالى-، أم بالخلوات المحرمة، والمواقع المجرمة، والعورات المكشوفة، والعادات السيئة؟!
يا شبابنا... بأي شيء سنلقى ربنا؟!
بحب المسلمين والمحافظة على أموالهم وأعراضهم وبالأخلاق الحسنة، أم بالمعاكسات والمهاترات، وبالعري والتبذل، والانسلاخ من الفضيلة، والملابس التي لا تليق ولا تستر، والإدمان والمخدرات، والمنكرات؟!
يا شبابنا... بأي شيء سنلقى ربنا؟!
بالمحافظة على التستر والعفاف، وكل ما يبني ولا يهدم، ويقيم ولا يكسر، أم بتخريب البيوت والعقوق والتعرض لنساء المسلمين ومحاولة إيقاعهن في العشق والغرام، والخيانة والغدر، وقتل المروءة والشرف، وهتك الأستار، ومحاربة الأخيار؟!
يا شبابنا... بأي شيء سنلقى ربنا؟!
بالمروءة والرجولة، والشهامة والبر، والحب والعطف أم بالبلطجة وفرض العضلات، وحب السيطرة وعدم احترام الكبار، وتخويف الصغار، والتهديد والتحريض؟!
يا شبابنا... بأي شيء سنلقى ربنا؟!
بمحافظة على الصلوات وقيام الليل، والدموع التي تدل على الندم والخوف من عقاب الله -تعالى-، أم بالسهر على المعاصي والتباهي والافتخار بها، والإزعاج والإضرار بالمسلمين؟!
فلنحذر، فإن الميزان عسير، والأمر صعب، والقبر مظلم، والوقوف بين يدي الله -تعالى- أصعب وأصعب؛ هناك تكشف السرائر، وتفضح النفوس الشريرة، ويقتص للمظلوم من الظالم، ونحاسب على موت القلب، فإن القلب هو سيد الجوارح، وقوَّام الهمم، وعماد الاستقامة، وموته بالمعاصي ضياع وخراب.
قال ابن قيم الجوزية -رحمه الله-: "المؤمنُ لا تتم له لذةٌ بمعصية أبدًا، لا يباشرها إلا والحزنُ يخالطُ قلبه، فإن خلى قلبه من هذا الحزن فليبكِ على موت قلبه" (مدارج السالكين بتصرفٍ).
فيلزمنا جميعًا التوبة التوبة، فالفرصة ما زالت بين أيدينا، والله يحب التائبين الأوابين.
تحللوا من المظالم، وردوها إلى أهلها، وأحسنوا إلى إخوانكم.
حافظوا على أعراضهم، واستروا عنهم سوءاتهم، ولينوا في أيديهم، فالقوي قوي في الطاعة، وقوي على شيطانه.
فيا شبابنا... الله الله في كل ضعيف ويتيم، ومقطوع الأهل والنسب، ابنوا أوطانكم، عمِّروا دياركم، شيِّدوا مجدكم، وأعيدوا لأمتكم المجد والرفعة، كونوا ربانيين بطاعتكم لربكم -جل وعلا-.
فبالله عليكم إن لم نكن نحن أهل لكل خير فمَن أهله؟ فالمسلم أولى الناس بالمعروف والخير.
ثانيًا: أيها الوالدان هذا غرسكم وتلك ثمرتكم، ومنتهى أملكم، وقرة عينكم؛ فعلام الانشغال عنهم والسهو عن تلك الأمانة؟!
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ؟) (متفق عليه).
فالمسؤولية عظيمة، والجهل عنها خراب في الدنيا والآخرة، وأنتما أول مَن يدفع ثمن العقوق، وفاتورة الإهمال، قال ابن عمر -رضي الله عنهما- لرجل: "أدِّب ابنك؛ فإنك مسؤول عن ولدك: ماذا أدبته؟ وماذا علَّمته؟ وإنه لمسؤول عن بِرِّك، وطواعيته لك" (رواه البيهقي في السنن الكبرى).
عليكم بالدعاء لهم، والاهتمام بهم، وحسن تربيتهم، وإطعامهم حلالًا، وتوفير البيئة الصالحة، والرقابة الناجعة الناجحة، اربطوهم بالله -تعالى-، وحببوا إليهم سنة نبيهم -صلى الله عليه وسلم-، وكونوا قدوة بالأعمال لا بالأقوال، وبالحب لا بالأموال، وإياكم والتفكك الأسري؛ فهو سبيل عقوق المجتمع بأسره.
ثالثًا: الانشغال بكل ما ينفع وكل ما يفيد مِن: إقامة الصلوات في جماعة، وقراءة القرآن، وطلب العلم، والذكر، والاستقامة، وصحبة الصالحين، وتحديد الهدف، ومعرفة الغاية التي مِن أجلها خُلِق، وأن الدنيا ممر والآخرة مقر، ورأس المال الحقيقي العمر؛ فاستغله في الطاعة، وفي حسن التعامل مع التكنولوجيا الحديثة في النفع، فالعمر يضيع والفطن مَن فطن له، والكيس مَن دان نفسه وعمل لما بعد الموت، فصلاح النفس من النعيم المعجَّل والسعادة الحاضرة.
رابعًا: الدور الإعلامي البناء والتوعية الشاملة: والعمل الجماعي المشترك، ومحاولة تغيير وغربلة هذا الغثاء المطروح الذي أودى بشبابنا، ونحن جميعًا مَن يدفع الثمن كاملًا.
لماذا غابت الفضيلة من جل أعمالكم؟!
لماذا لا ننشر ما ينبي ولا يهدم؟!
لماذا لا نصب جميعًا في وعاء البناء والتوعية والأخذ على أيدي شبابنا؟!
لماذا لا نقدِّم أنموذجًا مشرِّفًا لبلادنا ولأمتنا ولديننا كما نرى القليل منه؟!
لماذا لا تعرض المواد المطروحة على علماء الاجتماع لنرى أثرها؟!
أيها المسؤولون عن الإعلام... اتقوا الله؛ فالمسؤولية عظيمة، والأمانة جسيمة أمام الله -تعالى-، ثم أمام الأجيال الحالية؛ فلنضع أيدينا جميعًا في أيدي بعض، ونرفع شعار: صلاح هذا الجيل هو أول اهتماماتنا وغاياتنا.
خامسًا: الاهتمام بالمؤسسات التعليمية والمناهج العلمية: وربط المخرجات بالمدخلات، ومحاولة الوصول إلى أنجع الطرق في تعديل السلوك وإقامة الأخلاق.
سادسًا: تيسير الزواج وتسهيل الحياة لغلق هذا الباب، وتقليل شره وجلب خيره، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
وإن شاء الله -تعالى- ثمرات الاهتمام بشبابنا عظيمة، قال -تعالى-: (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا . لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا) (الجن: 16-17).
فمِن هذه الثمار في الدنيا: رفعة بلادنا وتقدمها ورقيها، وصلاح المجتمع، واستقامة الحال، والنهوض بركب بالحياة الاجتماعية، وغياب الجريمة، والتصالح المجتمعي.
وفي الآخرة: رضا الله -تعالى- ثم الجنة بإذنه وكرمه وفضله، غاية أملنا وأعظم رجائنا في ربنا -جل وعلا-.
نسأل الله أن يرزقنا جميعًا الجنة، وأن يبصِّر شبابنا، ويعيدهم إلى كتابه وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.