كتبه/ عبد المنعم الشحات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،
أثارت وثيقة "ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم" للدكتور فضل ردود فعل متباينة، نعرض لها بطريقة موجزة في هذا المقال، ونقدم بين يديها عرض لأهم ما جاء في هذه الوثيقة.
عرض لأهم عناصر الوثيقة:-
على الرغم من أن الوثيقة قد تعرضت لكثير من القضايا الشائكة في واقع الصحوة الإسلامية إلا أننا يمكن أن نجمل نتائجها فيما يخص ترشيد العمل الجهادي الذي هو المقصود الأصلي من الوثيقة إلى أن د. فضل قد خلص إلى ما يلي:
1- الإقرار بمشروعية جهاد المحتل كما في العراق وأفغانستان.
2- المنع من العمليات التي تستهدف بلاد الكفار كأحداث 11 سبتمبر لما فيها من مفاسد.
3- المنع بدرجة أغلظ من الصدام مع الحكومات في بلاد المسلمين أو استهداف الأجانب فيها.
4- المنع من التعرض بالأذى للكفار الذين يعيشون في ديار الإسلام.
الموقف السلفي من مبادرة د. فضل:
منذ عصر الغزو الصليبي التتري على بلاد المسلمين والذي شهد أيضا جملة كبيرة من الانحرافات الداخلية في كثير من نواحي الحياة الإسلامية، والاتجاه السلفي متمثلا في شيخ الإسلام بن تيمية يتبنى رفع راية جهاد السيف ضد الكفار، والدعوة إلى مقاومة الانحرافات الداخلية مع ضبط مسائل التكفير ومسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بما يكفل عدم تحول الساحة الداخلية في بلاد المسلمين إلى ساحة حروب ونزاعات.
وقد ورثت شيخ الإسلام أبن تيمية اتجاهات متعددة منها ما حافظ على هذه الرؤية المتوازنة التي تجعل لكل مواجهة أحكامها الخاصة، ومن هؤلاء -من المعاصرين- الشيخ بن باز والشيخ بن عثيمين والشيخ الألباني –رحمهم الله تعالى- الذين كانت لهم جهود كبيرة في محاولة نشر هذه الرؤية بين فصائل الصحوة الإسلامية، لذا تجد أنهم رحبوا ترحيبا واسعا بالجهاد الأفغاني بينما استنكروا وبنفس الدرجة ما كانت تقوم به بعض فصائل الصحوة في بلاد المسلمين من تفجيرات، حتى عرف أن هذا هو منهج السلفيين، ومما عزز هذا في بلادنا خاصة أن الدعوة السلفية قد تبنت هذا المنهج في اصدراتها المقرؤة والمسموعة.
وفي المقابل وجدت اتجاهات محسوبة على فكر شيخ الإسلام ابن تيمية في حين أنها لم تحافظ على هذا المنهج المتوازن فجعلت المواجهة الشاملة هي شعارها متناسين ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية من قواعد التكفير، وقواعد الفرق بين النوع والعين، ومن ضرورة ضوابط المصلحة والمفسدة، والقدرة والعجز.
واضطرت هذه الاتجاهات خصوصا في مصر إلى استخدام أسماء أخرى غير اسم السلفية الذي ظل إلى وقت قريب علما على المنهج المتوازن الذي سبقت الإشارة إليه.
والحاصل أن هذا التنظير ضارب بجذوره في صفوف السلفيين ممتد عبر مئات السنين، ولذلك كان ترحيب السلفيين بمبادرة الجماعة الإسلامية -متمثلة في كتبها الأربعة- رغبة في شيوع الفهم الصحيح لهذه القضية.
ثم جاء ترحيب السلفيين والجماعة الإسلامية بمبادرة الدكتور فضل أيضا رغبة في شيوع هذا الفهم الصحيح.
أضف إلى ذلك أن هذا التنظير المستقر منذ مئات السنين لم يمنع الكثيرين ومنهم الدكتور فضل في المرحلة السابقة أن يعمل بخلاف ذلك المنهج، ولذلك يأتي الترحيب بانضمام رمزٍ أخر إلى من يرون هذه الرؤية الشرعية لدرجات الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مما يرجى معه انضمام عدد آخر ممن يثقون في رؤية د. فضل إلى مسيرة الدعوة إلى الله والعمل على نشر دين الله عز وجل.
موقف الجماعة الإسلامية:
وأما موقف الجماعة الإسلامية فقد تعرضنا له ضمنا في أثناء بيان موقف السلفيين وهو الترحيب بانضمام رمز أخر إلى هذه الوجهة لاسيما وأن هذه المبادرة سوف تخفف من حدة النقد المتبادل بين الجماعتين الأكثر شهرة في تاريخ الصدام في مصر، والذي وجد أثناء تبني كل منها للصدام ولكن برؤى مختلفة ولكنه ازداد اشتعالا بعد رجوع الجماعة الإسلامية عن هذا الاتجاه في مبادرتهم الشهيرة.
موقف القاعدة:
الموقف المبدئي للقاعدة هو رفض المبادرة والتشكيك في مصداقيتها لكونها خرجت من السجن، رغم أن المبادرة أقرت بمشروعية الجهاد في العراق وأفغانستان، إلا أن القاعدة -ووفق ما طرأ عليها بعد انضمام الدكتور أيمن الظواهري- لا تريد فقط أن تنظر لهذا الجهاد بل تريد أن تنظر لمشروعية عمليات الداخل، ولذلك فمن المنتظر أن تكون ساحة الصراع الفكري القادمة بين الاتجاهات السلمية المتمثلة في السلفيين والجماعة الإسلامية والمجموعات الجهادية التي ستتبنى وثيقة د. فضل من جهة وبين القاعدة من جهة أخرى.
وعلى الرغم من وجود اختلافات في التنظير بين الاتجاهات السلمية التي أشرنا إليها إلا أنها سوف تجد نفسها بصورة أو بأخرى في مواجهة مع القاعدة والتي يتمثل تراثها الرئيسي في كتب د. فضل القديمة "العمدة" و"الجامع"، والسلفيون لهم خبرة قديمة في مواجهة هذا النوع من النقاش بأسلوب علمي هادئ يدرك طبيعة النفس البشرية وبطء استجابتها للمتغيرات الخارجية لاسيما فيما تراه دينا.
وكذلك لديهم تأقلم على الصبر على الاتهامات المعلبة بأن الدعوة إلى ضبط الجهاد هو دعوة إلى "إنكار الجهاد" ومن ثم فهو كفر ولعل الجماعة الإسلامية أيضا أصبح لديها قدر كبير من هذا التأقلم، بينما تجد أن "الجهاديين" -المنضم منهم إلى مبادرة د. فضل والرافض لها- وكذا القاعدة ليس لديهم نفس هذه المرونة، فارتفعت حدة نقاشاتهم في غضون الأيام القليلة التي تلت إعلان المبادرة حتى تكاد تسمع من ورائها قعقعة السلاح.
موقف تنظيم الجهاد:
إذا كانت المجموعات الجهادية المنضمة إلى القاعدة قد أعلنت الرفض وكذلك بعض المجموعات في السجون، إلا أن معظم المجموعات الأخرى كما تشير إلى ذلك تقارير صحفية قد أعلنت الموافقة إلا أن حدة المناقشات بين الاتجاهين تزداد سخونة بما يهدد بانفجار الأوضاع. والذي ننصح به الجميع هو الصبر والتريث واقتصار المناقشة على الحجج والأدلة بغض النظر عن حال صاحبها وكونه سجينا أم طليقا؟، وكونه عضوا في جماعة أم لا؟!.
ولابد وأن يعلم الجميع طبيعة المجموعات الجهادية ومدى العلاقة بينها وبين بعضها البعض، ومدى الخبرة السابقة بكتب السلف وبالقواعد الفقهية، وإذا كانت العجلة هي الآفة الرئيسية التي دفعت هذه الاتجاهات إلى الصدام مع الأنظمة فنرجو ألا تكون العجلة أيضا هي الآفة التي تحرم مؤيدي الوثيقة من احتواء إخوانهم الذين مازالوا في طور الرفض لها.
موقف العلمانيين:
غني عن الذكر أن التيار اليساري تيار صدامي لا يختلف في فكره الصدامي عن أشد مجموعات الجهاد صدامية، مع فارق جوهري هو أن اليسارية هذه فكر بشري تخل أصحابه عنه وليس مجرد أنهم تخلوا عن الصدام من أجله، ولذلك اكتفى فلول اليساريين المحليين بأن احتكروا وصف "المثقفين" وجلسوا على المقاهي يدخنون الشيشة ويألبون الدنيا على الإسلاميين الذين طردوهم من الحياة العامة.
هؤلاء اليساريون مازالوا في أحلامهم الواهية في استعداء الأنظمة على الاسلامين بل واستعداء العالم الرأسمالي الإمبريالي...... إلى أخر هذه الأوصاف –رغم ما يفترض من عداوتهم له- على الإسلاميين، لكي ينهضوا هم مرة ثانية على أنقاضهم وهؤلاء استثمروا فترة الصدام بين الأنظمة وجماعات الصدام لكي يرسخوا أن كل الإسلاميين إرهابيون، وهم وإن لم يُظهروا الصدام فقد أضمروه إلى الحد الذي جعل أحد رسام الكاركاتير يرسم رسما كاركاتوريا يصور فيه الأستاذ عمرو خالد -وهو من هو- انفتاحا على المثقفين، بل وعلى الفنانين بأنه لا يعدو أن يكون إرهابيا ولكن في حلة أنيقة وطبعا ينزعج هؤلاء جدا كلما جاء ذكر التراجع عن فكرة الصدام عند الإسلاميين.
وبالتالي يشغبون على من قام بهذه المراجعات بأن هذا لا يعدو أن يكون تكتيكا، ويشغبون على من لا يستجيب لها بأن هذه هي عادة الإسلاميين، ويشغبون على من يستجيب بأنه تابع لقادته وهم في هذا كله لا يريدون أن تقوم للدعوة إلى الدين قائمة.
وإذا كان اليساريون قد احتكروا وصف "المثقفين"، لكن بقيت طائفة من الموسومين بهذا الوصف "الثقافة" عندهم عاطفة دينية قوية ومنهم من عنده رغبة في إيقاف حمام الدم، ونظرا لأن المثقفين اليساريين لا يقبلون قولا إلا أن يكون صادرا عن مثقف مثلهم فإننا نسأل الله تعالى أن يعين كل من فيه خير من المثقفين على إيقاف شر هؤلاء ووأد فتنتهم، لكي يتوفر المناخ الملائم لهذه المراجعات التي قد تحتاج إلى وقت طويل حتى تؤتي ثمارها.
ولا نعني بكف شرهم هنا هو مجرد توقفهم عن التعرض بالذم والإيذاء للرافض والموافق على حد سواء بل أيضا كف شرهم الأصلي من الطعن في الدين والتلاعب بثوابته، والذي كان له أكبر الأثر في اندلاع الصدام ابتداء.
نسأل الله أن يوفق المسلمين إلى ما يحب ويرضى وأن يوحد جهود الدعاة على سلوك السبيل الأقوم في الدعوة إلى الله.