كتبه/ الشحات البقوشي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد شاء الله -تعالى- أن يكون التراث الإسلامي محل اهتمام الكثيرين من غير المسلمين؛ فانتشار التراث الإسلامي أوسع مِن أنتشار المسلمين أنفسهم، فلو تتبعنا فهارس المكتبات الكبرى في العالم؛ لوجدناها زاخرة بمخطوطات المسلمين.
وفي هذا المقال نشير لأشهر المكتبات التي تحتوي على التراث الإسلامي المخطوط، فعلى سبيل المثال:
- نجد في مصر: دار الكتب المصرية بما تضمه من مكتبات وخزانات (25000)، والمكتبة الأزهرية، ومكتبة السيدة زينب، ومكتبة معهد المخطوطات بالقاهرة، ومكتبة الإسكندرية (التي احتوت كنوز مكتبة بلدية الإسكندرية قديمًا) (5000مخطوط)، هذه الخمس مكتبات الكبرى في كل منها ألاف المخطوطات وهي بين كتب أصيلة ومصورات من مكتبات أخرى؛ هذا بالإضافة إلى عدة مكتبات صغيرة: كمكتبة طنطا (450 مخطوط)، ودار الكتب بالمنصورة (350 مخطوط)، ومخطوطات دمنهور ورشيد، وبلدية سوهاج (1476)، ومسجد المرسي أبي العباس، ومخطوطات جامعتي القاهرة والاسكندرية.
- وفي المملكة العربية السعودية: مركز الملك فيصل (2170) مكتبة الحرم، ومكتبة الجامعة الإسلامية، أم القرى (1927)، ومكتبات الجامعات السعودية كلها تزخر بالمخطوطات الأصيلة والمصورات.
- والمكتبة الوطنية بتونس: التي ضمت مكتبة جامع الزيتونة وغيرها من الخزانات الخاصة، ومكتبة القرويين (2250)، والخزانة الحسنية (3770) بالمغرب، والمكتبة الظاهرية بدمشق، والأحقاف باليمن؛ هذه تعد أكبر مكتبات التراث الإسلامي المخطوط في الدول العربية.
أما في بقية البلاد الإسلامية: فالمكتبة السليمانية في تركيا والتي ضمت مكتبات عدة، مثل: نور عثمانية، وكوبريلي، وأحمد أفندي، وشهيد علي، وفاضل أحمد، وغيرها مِن المكتبات؛ بالإضافة إلى ما ضمته مكتبات الهند، مثل: (خدابخش)، وغيرها من المكتبات، ومكتبات إيران، وسرايفوا، وغيرها من الدول.
أما في البلاد غير الإسلامية فقد احتلت المخطوطات الإسلامية موضعًا كبيرًا في مكتباتها، ففي أوروبا: مكتبة برلين في ألمانيا، وهي لها فهرس للمخطوطات الإسلامية في ستين مجلدًا، كما توجد آلاف المخطوطات في المكتبة الوطنية بباريس، وليدن بهولندا، والمكتبة الوطنية بإنجلترا، وهذه كلها مكتبات تم جلب كتبها عن طريق السرقة أو التجارة مِن العالم الإسلامي، وبها كتب أمات، ويكفي أن بالمكتبة الوطنية بباريس أقدم نسخة مِن سنن الترمذي في العالم مكتوب عليها وقف بمسجد بأحد مساجد الأزبكية.
وفي إسبانيا دير الأوسكوريال الذي يضم مكتبة من المخطوطات الإسلامية، وقد صورت وتم إهداؤها لمكتبة الإسكندرية من قِبَل حكومة إسبانيا في حفل افتتاحها.
وحتى العالم الجديد (الأمريكيتين) قد ضمت مخطوطات إسلامية أقدم من اكتشاف الأمريكيتين، فيوجد بها مخطوطات عربية بمكتبة برنستون، ومكتبة الكونجرس الأمريكي ويعض الجامعات.
وبعد هذا العرض الموجز لجغرافية المخطوط العربي، لعلك أيها القارئ لمست عظمة هذا التراث الذي تتزين به كبرى مكتبات العالم، ولعلك أيضًا لمست صعوبة العمل في هذا التراث حيث تشتت في بقاع شتى.
على سبيل المثال: لو أردت أن تجمع مكتبة عالم متأخر مِن علماء مصر، وليس من المكثرين من التصنيف وهو أحمد بن أحمد العجمي (ت: 1086هـ)، وهو خاتمة محدثي مصر تجد رغم قصر المسافة الزمنية بيننا وبينه؛ إلا أن مخطوطاته مفرقة في البلدان، حاول الباحث جمع مكتبته فوجدتها بين تسع دول هي: في مصر والمملكة العربية السعودية، والقدس، ودمشق، والكويت، والهند، وتركيا، وتونس، وألمانيا.
كما أن الكتاب الواحد من كتبه لو حاولت جمع نسخه تجدها مفرقة على بلدان شتى أيضًا، فمثلًا مِن كتبه تجد كتابَ: (شرح ثلاثيات البخاري) له نسخة في دار الكتب المصرية، ونسختان في الأزهرية (ثلاثتهم في مصر)، ونسخة بخط المصنف في المكتبة السليمانية بتركيا، ونسخة قد تكون بخطه في المكتبة الوطنية بتونس، ونسخة في مكتبة خدابخش في الهند.
الخلاصة: تراث المسلمين قد طالته أيدي أعداء الإسلام فنهب وسرق، لكن شاء الله له أن ينتشر، وشاء الله أن يستعمل أعداء الدين على حفظه، وينبغي على المسلمين أن ينشطوا لإحياء تراثهم أفرادًا ومؤسسات، فكما قدمنا أن التراث للأمة كالجذر للشجرة، فلا تنتظر ثمرة مِن شجرة انقطعت عن جذرها، ولا تنتظر تقدمًا من أمة أهملت تراثها.