كتبه/ أشرف الحصري
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
فيحلو للبعض أن يتحدث عن التأمين على الحياة -من الموت والحوادث-، والمال -من التلف والحوائج-، وهذا بلا شك محرم في دين الله -تبارك وتعالى-، ولكن هذا الموضوع شغل الكثير وظل يدور بمخيلة قطاع كبير يريدون أن يوفروا مستقبلاً هانئاً، وحياة مطمئنة لأنفسهم وأهليهم، ولكن ما السبيل الحقيقي للتأمين على الحياة والمال وغير ذلك؟
لا شك أن التمسك بشرع الله -جل وعلا- يكفل للعبد الحياة المطمئنة بكل صورها، لذلك جاء في الكتاب والسنة ما يرسخ هذا المعنى ويوضحه أتم وضوح، وهو أن التأمين الحقيقي كامن في شرع الله -تعالى-، وهاكم بعض ما ورد في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- عن سبل التأمين الشرعي.
أولاً: التأمين على الحياة:
ثبت في صحيح مسلم مرفوعاً: (من صلى الصبح فهو في ذمة الله) -أي في حفظه ورعايته-، فلا يجوز لأحد أن يتعرض لمن صلى الصبح بسوء.
ولذا لما حكم الحجاج بالقتل على رجل، وأمر سالم بن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهم- بتنفيذ الحكم، سأل سالم الرجل: "هل صليت الصبح؟ فقال له: نعم، فقال له: فانطلق، وخلى سراحه، فلما عاد وسأله عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-، فقال: خليت عنه، فقال له: لماذا؟! فقال: إنه شهد صلاة الفجر، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: (من صلى الصبح فهو في ذمة الله فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء) فقال له عبد الله: "كيس" -أي فطن وذكي-، فهذا هو التأمين الحقيقي، ألا يفرط العبد في شهود صلاة الصبح التي هي الصلاة الفارقة بين المستقيم على دين الله وعدم المستقيم على دين الله.
وأيضاً حديث قراءة آية الكرسي دبر الصلوات لا يمنع من دخول الجنة إلا أن يموت، وأيضاً جاء في حديث سيد الاستغفار من قاله من النهار مؤمناً فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة ومن قاله من الليل وهو مؤمن فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة.
كلمات يقولها العبد يؤمن بها على حياته فيموت على حسن الخاتمة.
ثانياً: التأمين على المال:
يخاف البعض على ماله، وجاء في الحديث: (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أطع منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا) متفق عليه، فالنفقة في سبل الخير والبر تحفظ المال من التلف، فكلما زكى العبد ماله وأخرج حق الله منه كلما زاد ونما وحفظه الله له.
ثالثاً: التأمين على الأولاد:
وليس بإيداع الأموال لهم في البنوك ولا ترك العقارات لهم ولا غير ذلك، بل بصلاح الآباء يحفظ الله الأبناء، قال تعالى: (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا)(الكهف: 82)، وكان بعض السلف يقول لابن له: "والله إني لأزيد في صلاتي من أجل أن أحفظ فيك"، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعوذ الحسن والحسين: (أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة) رواه البخاري، فتربية الأولاد على الإيمان وتنشئتهم على حفظ القرآن والسنة هو التأمين الحقيقي لهم.
رابعاً: التأمين على الصحة:
ليس بالاشتراك في أكبر الهيئات العلاجية والمستشفيات وغير ذلك، بل يكون ذلك بالذكر والدعاء والمواظبة على طاعة الله تعالى، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا اشتكى وجعاً أو مرضاً نفث في يديه بالمعوذات ثم مسح ما استطاع من جسده، وعلمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن من قال كل صباح ومساء ثلاثاً: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم لا يضره شيء بحمد الله -تعالى-.
وفي هذا الذكر العظيم يقول الإمام القرطبي أنه كان في سفر فنزل في مكان فلدغ، فتفكر في نفسه، فوجد أنه لم يقل هذا الذكر.
وكذلك من نزل منزلاً فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرحل من منزله هذا، سبحان الله العظيم فهذا أعظم تأمين على الصحة من الأمراض وغيرها، وكذلك ورد في الحديث الصحيح إرشاد النبي الأمة للتأمين على صحتها فقال: (ما ملأ آدمي وعاءً شر من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لابد فاعلاً فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه)(رواه الترمذي وصححه الألباني)، وكذلك الأمر بالسواك لنظافة الفم والأسنان وغير ذلك.
خامساً: التأمين على البيت:
جاءت أحاديث كثيرة توضح ذلك منها: قراءة سورة البقرة في البيت فلا يقربه الشيطان ثلاث ليال، وكذا حديث البيت الذي يذكر فيه الله تحل فيه الملائكة وترتحل منه الشياطين، كما في قصة أسيد بن حضير -رضي الله عنه- ونزول الملائكة تستمع لقراءته، فالعمل بطاعة الله والابتعاد عن معصية الله أهم تأمين على البيت ضد كيد الشيطان، وضد الحوادث والمصائب.
وهناك تأمين في الخروج من البيت وأثناء السير في الطريق، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من قال إذا خرج من بيته بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له كفيت ووقيت وتنحى عنه الشيطان) (رواه الترمذي وصححه الألباني).
وهناك تأمين يوم القيامة من النار، قال -صلى الله عليه وسلم-: (من صلى قبل الظهر أربعاً وبعدها أربعاً حرمه الله على النار)(رواه الترمذي وصححه الألباني) و(من قال رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً وجبت له الجنة)(رواه أبو داود وصححه الألباني)، هذا ما تيسر وإلا فشرع الله -تعالى- كله مصالح ومنافع لمن تمسك به.
والحمد لله وصلى الله وسلم وبارك على نبيه المصطفى.