كتبه/ أحمد حمدي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد رحل عن دنيانا أخونا الفاضل "السيد خميس حب الله"، ليلة السبت 4 جمادى الآخر 1440 هجرية الموافق 9 -2 -2019م مِن قرية بوادي مركز كفر الدوار محافظة البحيرة، عن عمر يناهز 27 سنة مِن غير مرض ولا حادث، قُبضت روحه وهو نائم بعد أن صلى العشاء في جماعة، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ) (رواه مسلم)، وبعد مشاركته في قافلة الرمد الخيرية يوم الجمعة وهو عازم على الاستيقاظ إلى صلاة الفجر لتحفيظ أولاد القرية القرآن في الكتَّاب الساعة السادسة صباحًا كما تعود -أسأل الله -عز وجل- أن يكون ذلك مِن علامات حسن الخاتمة.
علاوة على اجتماع الآلاف في جنازته، وثناء الناس عليه بالخير، فمِن باب الوفاء له بعد وفاته نذكر شيئًا مِن خصاله وصفاته الطيبة، ولا نزكي على الله أحدًا، فمَن كان مقتديًا متأسيًّا فليقتدِ بمَن مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنه علاوة على العبرة في موت الفجأة خصوصًا للشباب، فمَن لم يكن له الموت واعظًا؛ فلا واعظ له.
أولًا: تخرج السيد -رحمه الله- مِن كليه تجارة إنجليزي، وعُرض عليه العمل في بنكٍ فرفض حتى لا يعاون على الفوائد والقروض الربوية، وعُرض عليه السفر ولم يسافر حتى يتفرغ للدعوة والتحفيظ في الكتاب.
ثانيًا: ختم القرآن بداية مع الشيخ سمير ثم أكمله مع الشيخ مجدي -حفظهما الله وجعل ذلك في ميزان حسناتهما-.
ثالثًا: الابتسامة التي كان يفتح بها القلوب مِن حسن خلقه مع الجميع، فإن المرء ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم، فكان عظيم الأدب والذوق الرفيع والبشاشة.
رابعًا: كان يسعى في حاجات الجيران والناس والأصدقاء، خاصة عم محمود مؤذن المسجد، وقد كان في خدمته وقت مرضه يقضي حوائجه، فقد كان بمثابة ولده؛ لأنه لم يكن له أولاد، وقد كان عم محمود يأمنه على عقوده وأوراقه.
خامسًا: حريص على حضور الدروس وطلب العلم، وجلسة شؤون القرآن، والطلائع، والعمل والدعوة إلى الله.
سادسًا: يقبل يد أمهات الإخوة، ويحبه الجميع، فقد كان مأتمًا في كل بيتٍ مِن بيوت القرية يبكي عليه الأطفال قبل الكبار، والنساء والأمهات، علاوة على الشباب الذين التزموا على يديه.
ولقد سمع د."محمود عبد المنعم" في الجنازة امرأة عجوزًا تقول: "حتى السماء تبكي عليك يا سيد!" -كان هناك مطر ورذاذ بسيط-، وهذا بمفهوم المخالفة لأحوال الكفار الذين ذكرهم الله في سورة الدخان: (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ) (الدخان:29).
سابعًا: انتشل ولدين في سن الصغر وعلمهما القراءة والكتابة، وقدَّم لهما أوراق التعليم حتى بلغا مرحلة الثانوي، وأنفق عليهما مِن ماله ومصروفه حتى ختما القرآن.
ثامنًا: ذهبتُ لزيارة مريض في مستشفى بعد وفاته مباشرة لا أعرفه، فقال لي: "أتعرف السيد حب الله"، وأخذ يدعو له لا أدري ما الصلة بينهما حتى الآن؟! ودعاء المريض مستجاب خاصة بظهر الغيب لأخيه المسلم.
تاسعًا: كان محاسبًا ناجحًا يخدم ويعين إخوانه في حساباتهم وفي شركاتهم، وكان مِن أسرة ثرية ولم يتزوج بعد لعل الله ادخر له زوجة مِن الحور العين في الجنة -إن شاء الله-.
عاشرًا: لقد كان شباب القرية في حالة بكاء وهلع حول منزله لا يصدقون، وفجأة جلس الأطفال الصغار في حلقات على الأرض أمام المنزل يقرؤون جزء "عم"، ويختمونه في منظرٍ عجيبٍ مِن غير ترتيبٍ.
الحادي عشر: كان له قريب لم يدخل المسجد منذ 49 سنة، قبل موته بيوم ذهب له ونصحه وألح عليه أن يصلي، فكان أول مرة يدخل فيه المسجد قبل وفاته بيوم.
الثاني عشر: أخت له رأت له رؤيا: "أنها كانت توقفت عن حفظ القرآن فذهبت إلى المسجد فرأته يجلس وحوله حوالي 15 ولدًا يحفظون معه، وقد كان يلبس ثياب بيضاء فسألته: لماذا تلبس هذه الثياب البيضاء، فقال لها: إنه يحب لبس الأبيض، فسألته: مَن هؤلاء الأولاد؟ فرد عليها وقال: هم أولادي. فقالت له: لكنك لم تتزوج! فقال لها: هؤلاء أولادي. وأثناء خروجها مِن المسجد سألها وقال: هل لا زلت تحفظين القرآن أم توقفت؟ فقالت له: كسلت وتوقفت. فقال لها: لابد أن ترجعي لحفظ القرآن كما كنتِ"، واستيقظت مِن منامها.
فتبقى العبرة والعظة لشبابنا، فمَن عاش على شيءٍ مات عليه، ومَن مات على شيء بُعث عليه، وإنما الأعمال بالخواتيم، فلنستعد للقاء الله والحرص على الطاعة حتى نلقى الله عليها ونستمر على المنهج والطريق.
نسأل الله -عز وجل- أن يسكنه الفردوس الأعلى مِن الجنة مع النبي -صلى الله عليه وسلم- مِن غير حساب ولا عذاب، وأن ينور له قبره، ويشفع فيه القرآن، وأن يفرغ الصبر على أبويه وإخوانه، وأن يجمعنا به في الجنة، وأن يأجرنا في مصيبتنا، ويخلف علينا خيرًا منها.
اللهم آمين.