كتبه/ أحمد الشحات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فـ"اللي يعيش ياما يشوف!".
مثل شعبي شائع في أوساط المصريين يُطلقونه تهوينًا على أنفسهم مِن عجائب الحياة وغرائبها التي لا تنتهي.
وينطبق هذا المثل الشعبي على دعوة الإعلامي "معتز مطر" على قناة الشرق الإخوانية لحملة انطلقتْ مِن القاهرة يوم الأربعاء الماضي في تمام الساعة الحادية عشرة مساءً؛ هذه الحملة عبارة عن إطلاق الصفارات، والطرْق على الحلل مِن البلكونات، ومِن أعلى أسطح البيوت!
وتهدف الحملة إلى أمرين:
- الأمر الأول: تثبيت المناضلين والحالمين بيوم سقوط النظام بأنهم كثر، وليسوا قلة كما يتوهمون!
- والأمر الثاني: أنها صفارة إنذار للنظام بأن نهايته أوشكت وسقوطه بات قريبًا!
هذه دعوة معتز، وفي الحقيقة أنها لم تعنني كثيرًا، فالرجل لا يعدو كونه موظفًا في قناة، يُنفّذ ما يطلب منه "لزوم أكل العيش!"، فمهما كانت الفكرة غريبة أو شاذة، فليس هو المعنيّ بتطبيقها ولا تنفيذها على أرض الواقع، ولكن العجيب أن دعوته هذه لاقت قبولًا مِن أنصاره ومشاهدي برنامجه مِن الإخوان ومحبيهم، وقد ظننتها في بادئ الأمر مجرد مزحة أو فكاهة؛ إلا أن صفحات الإخوان وحساباتهم الشخصية تعاملتْ مع الأمر بجديةٍ، وأصبح مَن ينتقد حملة الزمارة مصيره الطرد والبلوك!
حتى قال أحدهم متفلسفًا: "إن طريق الانتفاضة يبدأ مِن الزمارة!".
وهنا لابد مِن وقفة نتحسس فيها آلةَ الفهم والتفكير في عقولنا؛ فالإنسان كرَّمه الله بالعقل حتى يميِّز به بين الأمور، ولا يَنساق وراء أي دعوةٍ أو فكرةٍ بلا تروٍّ أو تأملٍ "ولكن الأديان الفاسدة والمذاهب المنحرفة قد نجحتْ عبر التاريخ في العبث بمنظومة التفكير والإدراك لدى الإنسان مهما كان مثقفًا أو متعلمًا" فيصير في أيدي أصحابها كأنه مسلوب الإرادة!
وتأمل فيما يأتي:
1- كيف استطاع الوثنيون عبر التاريخ أن يقنعوا الناس بعبادة الأصنام، وهي أمامهم حجر لا ينطق ولا يتحرك، بل هم الذين صنعوه بأيديهم، والأظرف مِن ذلك مَن كان منهم يصنع الصنم مِن العجوة، فإذا جاع أكله! تخيل: "يأكل إلهه الذي يعبده!".
2- الصينيون حتى يومنا هذا وقطاع كبير جدًّا مِن شعوب جنوب شرق آسيا يعبدون "بوذا"، ويقدِّمون له كلَّ يوم طبقًا مِن المأكولات والفواكه يضعونه في البيت والمكتب والمصنع، ويأتون في اليوم التالي، فيجدون الفاكهة كما هي بالطبع، فيغيرونها بأخرى جديدة، وهكذا كل يوم! تخيل الصين غزت العالم بتجارتها وصناعتها وفي نفس الوقت تعبد بوذا!
3- الهنود إلى يومنا هذا يعبدون البقر ويجعلونه إلهًا!
تسأل لماذا البقر بالذات؟!
لماذا لا يكون الجاموس -مثلًا- أو الحصان أو الجمل أو أي شيءٍ آخر؟!
لا مجيب!
المهم أنهم رأوا في البقرة إلهًا يستحق العبادة! تخيل الهنود هم رائدو صناعة البرمجيات المطورة عبر العالم وامتلكوا القنبلة النووية ومع ذلك يعبدون البقر!
4- والنصارى يعبدون المسيح، ويروون في ذلك قصصًا أسطورية لا يقبلها عقل الطفل الصغير، ومع ذلك هم كثرة كاثرة مِن شعوب الأرض، ويملكون صناعة وتجارة وتقدمٌ، وهمْ -في الوقت نفسه- غير مدركين لطبيعة الإله الذي يعبدونه!
وإذا تركنا الديانات الباطلة بكل خرافاتها جانبًا، فهل توقف قطار الخرافة والدجل عند هؤلاء فقط؟!
للأسف لا!
وتأمل فيما يأتي:
1- الشيعة الذين يعتقدون أن إمامَ آخر الزمان مختبئ في سرداب، لا يتواصل معه إلا كبار علمائهم بطريقة خاصة، وأنه يدير العالم مِن مخبئه! كيف قَبِل الشيعة مِن أئمتهم هذه الخرافة؟!
وكيف قبلوا -مثلًا- ما يُسمَّى بزواج المتعة، وما هو إلا زنا مقنَّع يستحلون به أعراض أتباعهم، وفي الوقت ذاته لا يجرؤ الشيعة أن يتمتعوا بنساء أئمتهم! مع أن الشيعة يمتلكون الآن دولة نووية قوية، ويتحكمون في عددٍ مِن الدول المجاورة!
2- غلاة الصوفية الذين يطلبون مِن المريد أن يكون كالميت بين يدي مغسله، لا يملك تكذيبه أو مراجعته، حتى لو رآه يفعل الفاحشة أمامه فلا يمكن أن يسيء به الظن!
- وتروي كتبهم: أن شيخًا مِن شيوخهم كان يلقي درسًا على مريديه، فجاءته امرأة فترك الدرس وخلا بها، فانفضّ الطلبة عنه وقالوا: "رجل فاسق"، إلا مريدًا واحدًا جلس ليسخِّن له الماء، فخرج عليه الشيخ وقال له: "ما الذي أبقاك؟"، قال له: "توقعتُ أن تكون جُنبًا فجلست أسخن لك الماء!"، فقال له: "أنت أنت!". والعجيب أن راوي هذه القصة هو رجل كبير ومعروف، وتولى منصب الإفتاء في مصر منذ عدة سنوات!
أما فيما يخص جماعة الإخوان وأنصارها؛ فليسمح لي القارئ الكريم أن نتذكر سويًّا بعض الخرافات التي كانت تبثها منصة اعتصام رابعة بشكلٍ يومي، وكان لها أسوأ الأثر في تخدير المعتصمين وتغييب عقولهم:
1- "مرسي سيعود للحكم في يوم 10 رمضان ثم 17 رمضان ثم 27 رمضان ثم في عيد الفطر، وهذا بخلاف التصريح الشهير: "بكرة حيحصل حاجة ويوم الحد مرسي معانا!" (صفوت حجازي).
2- "يوم 30 / 6 انتهى والخونة والعملاء الآن يغادرون المقرات ويتوجهون للمطارات" (عاصم عبد الماجد) مِن على منصة رابعة، والطريف أن ذلك كان يوم "28/ 6!".
3- "السيسي تم اغتياله في قاعدة عسكرية على يد بعض المخلصين والشرفاء مِن قواتنا المسلحة، ومَن يظهر أمام الناس هو الدوبلير له!"، وقبلها كان الترويج على منصة رابعة بأن السيسي يحزم أمتعته ويستعد للهرب مِن المطار! وفي أثنائها: "انشقاق قائد الجيش الثاني الميداني اللواء أحمد وصفي"، وانطلقت شائعات أخرى تزعم: "انشقاق قائد الجيش الثالث اللواء أسامة عسكر"، وفي كل وقت "النظام يترنح!".
4- "مَن انقلبوا على الدكتور مرسي جريمتهم لا تقل عن الشرك بالله" (أحمد أبو بركة): أحد رموز جماعة الإخوان.
ومَن قال: "أقسم بالله إن مرسي راجع، ومَن يشك بذلك يشكك في ربنا... مرسي هدية مِن الله ومَن يشكك في عودته يشكك في ربنا!" (فوزي السعيد).
5- "رأى الرسول، صلى الله عليه وسلم في المنام، والرئيس محمد مرسي والحضور وحان وقت الصلاة، فقدَّم الناس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للصلاة، فقال الرسول: "بل يصلى بكم الرئيس محمد مرسي" (جمال عبد الهادي): أستاذ التاريخ الإسلامي، وأحد أقطاب جماعة الإخوان، والعجيب أنه في الوقت الذي كانوا يروجون فيه للناس هذه الخرافات كان الدكتور "مرسي" ترك إمامة الصلاة بالفعل قناعة منه بأنه لم يُعد إمامًا للأمة، كما أشار لذلك خالد القزاز في فيلم الساعات الأخيرة!
أما الرؤيا الثانية على لسان الأستاذ جمال، يقول: "صاحب الرؤيا رأى صحراء بها 50 جملًا، وهناك "عيال صغيرين" بيلعبوا في الرمال، وجاع الشباب وعطشوا، حتى الإبل عطشت، وكان الفزع واللجوء إلى الله -عز وجل- ومع اشتداد الاستغاثة بالله انفلقت الأرض وخرجت منها ساقية ارتفاعها 10 أدوار تقلب الأرض، ويخرج الماء والطعام، وتأكل الإبل وتشرب وتتكاثر، حتى بلغت الخافقين، والشباب يطعم ويشرب ويسمعون صوتًا: "ارعوا إبل الرئيس مرسي".
أما الرؤيا الثالثة التي سردها الأستاذ جمال فقال: "هذه رسالة فيها الدكتور عبد العزيز سويلم حيث شاهد رؤيا تكلم فيها عن حمامٍ أسود، وفى النهاية يتساقط، وبعدين 8 حمامات خضراء على الكتف اليمنى -للرئيس مرسي- فوق بعضها"، وذكر الشيخ معلّقًا أنه أوّلها "أن الرئيس مرسي سيكمل مدتين، وتتحول الأرض خضراء".
وأما الرؤيا الرابعة فقال فيها: "سيدنا جبريل -عليه السلام- يصلي في مسجد رابعة العدوية دعمًا لمؤيدي الرئيس محمد مرسي"، "تواترت على ألسنة الصالحين في المدينة المنورة أخبار يقولون فيها: إنهم شاهدوا الرسول -عليه السلام- في مسجد رابعة العدوية يثبت المصلين بالمسجد".
ومرت الأيام... وتم فض الميدان بالقوة:
- فأين الملائكة المسوّمة التي أحاطت برابعة تحرس المعتصمين؟!
- وأين ذهب سيدنا جبريل -عليه السلام- الذي كان يحرس الميدان؟!
- وأين اختفى السادة أصحاب الرؤى والمنامات؟!
- وأين مَن ضلل المعتصمين وتركهم يواجهون الموت، وفرَّ خارج البلاد؛ ليأمن بالعيش في فنادق الدوحة وأسطنبول؟!
- وأين الذين صدَّقوا أن "السيسي" قُتل بالفعل ومع ذلك هم يسبونه كل يوم؟!
- فهل تسبّون الدوبلير؟! وما ذنبه؟ ولماذا تحاربونه؟!
- وهل عندما تم اكتشاف الكذبة، حاسبَ أحدٌ أحدًا، أم تناساها الناس على إثر كذبة جديدة وخداع جديد؟!
حتى هذه الحملة التي أطلقها "معتز"، هل توقف أحدٌ ليسأل:
- منذ متى أوقف الإخوان فاعلياتهم الثورية على الأرض؟ ولماذا أوقفوها؟
- وهل يعد هذا خيانة للثورة ولدماء الشهداء؟
- ولماذا تم تخوين مَن رأوا مِن البداية أن هذه الفاعليات مآلها إلى الفشل والتوقف؟!
- وهل أخبر الإخوان أحدًا أنهم اتخذوا قرارًا لوقفها؟
- هل قدَّموا كشف حساب عن التجربة يُظهرون فيها للناس حجم الإنجازات وحجم الإخفاقات؟!
بالطبع أنا لا أريدك مادحًا للنظام، ولا مصفقًا للرئيس...
ولا يعنيني أن تحبه أو تكرهه، أو تؤيده أو تعارضه، لكنني فقط أريدك أن تحافظ على عقلك، وألا تسمح لأحدٍ أن يعبث به أو يمارس عليك تضليلًا أو خداعًا!
لا أريدك أن تكون قطعة شطرنج يحرِّكها الإخوان وفق أهوائهم، وأنت في يدهم سامع مطيع! فإذا قرروا التظاهر تظاهرتَ، وإن سكتوا سكتَ.
وإن طرقوا على الأواني ونفخوا المزامير طرقت ونفختَ.
ولم تسأل نفسك مرة واحدة: لماذا أفعل ذلك الفعل، وما هو جدواه؟!
نسأل الله أن يهدينا وإخواننا سواء السبيل.